ضربة المعلم الروسي والخطة البديلة للعرب

19 آذار (مارس)، 2016

7 minutes

  • حامد الكيلاني – العرب

كلفة الحرب في سوريا لا تسمح لروسيا بالاستمرار، لذلك كان التراجع الجزئي خطوة تبرر اندفاع موسكو إلى توفير أرضية مفاوضات يتوقف عليها إيجاد حل للمعضلة السورية.

مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في تحذيره بعدم وجود خطة بديلة للمباحثات أو المفاوضات بين وفد النظام الحاكم في سوريا ووفد المعارضة ومن يمثلها، أغلق الملف السوري في حالة فشل استثمار الإجماع الدولي على إنهاء الحرب بعد الوقف الجزئي لإطلاق النار.

خروقات واسعة حدثت، لكن في جميع الأحوال يمثل سريان الهدنة تدشينا لفرصة سلام ممكنة على الرغم من أن “فرس النظام” مشدودة إلى لجام إقليمي من صناعة المشروع الإيراني وحدّدوا لها رؤيتها وخط سيرها، أما على سرجها فيقف الجاكي الروسي وبيده مهماز يلسع مؤخرتها كلما تراخت أو تناوشتها المتاعب.

دي ميستورا هدد الأطراف بالخطة “ب” وتوعدهم بحرب طويلة الأمد وأسوأ بكثير من سنواتها الخمس الماضية.

روسيا بقيادة فلاديمير بوتين وطاولة صغيرة ضمت وزير الدفاع سيرجي شويغو ووزير الخارجية سيرجي لافروف، وفي خطوة تشبه مفاجأة التدخل العسكري الواسع إلى جانب النظام السوري، قررت سحب الجزء الأكبر من قواتها وبتوقيت زمني متسارع وفوري.

الأسباب على سطح التبريرات تؤكد أن الحملة العسكرية الروسية حققت أهدافها، والهدف الأهم هو القضاء على الإرهاب الذي يمثله داعش. إعلاميا، روسيا وإيران وسوريا، يمكن أن تتداول ذلك وهي مطمئنة لأن تنظيم داعش بخير ويؤرق المقاومة السورية ويكشف ظهرها، أما صدرها فقد تكفلت به روسيا وغاراتها الجوية المكثفة لتعيد للحاكم السوري وحاشيته الخروج من خلف مناضدهم وإخراج ألسنتهم الحادة كمنتصرين، لكن في نشوة طبائع الاستبداد المعروفة عنهم، عُميَت بصيرتهم إلى الحد الذي صرح فيه رئيس النظام السوري لصحيفة روسية بأنه يريد، أي الأسد، استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، بما قابله استشعار روسي بتمادي وفجاجة وقبح تصريحات الحاكم السوري حول متغيرات الواقع بعد التدخل الجوي الروسي وقلب المعادلات لصالح النظام عسكريا.

في 18 فبراير الماضي تفاجأ المهتمون بالمأساة السورية، ولأول مرة، برد روسي على لسان فيتالي تشوركين، سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، الذي قال “إن تصريحات الرئيس السوري لا تتسق مع الجهود التي تبذلها موسكو لإنهاء الصراع، ومع تأكيد تشوركين على أن رده شخصي ولا يحمل سمات التوجيهات الرسمية، لكن أي متتبع لواقع السياسة الروسية يدرك أن لا مكان للردود أو الآراء الخاصة مع وجود شخصية مثل بوتين في الكرملين”.

القرار الروسي المفاجئ بسحب القوات، كان دليلا واضحا على مدى اشمئزاز بوتين من الخطوط الحمراء التي تحدث عنها وليد المعلم وزير الخارجية السوري حول عملية الانتقال السياسي، وما يتبناه المجتمع الدولي والتفاهمات الأميركية الروسية ومخرجات مباحثات ميونيخ، واستخفافه مع رئيس وفد النظام لمباحثات جنيف بما يتعلق بمصير الأسد في مستقبل سوريا السياسي واعتبروا ذلك خطا أحمر لا يمكن تجاوزه. بل إن رئيس وفد النظام وصف رئيس وفد المعارضة بالإرهابي في بداية مشوار المحادثات غير المباشرة، أما رد المتحدث الرسمي عن هيئة التفاوض للمعارضة فكان “إن خطوطنا الحمراء هي دماء الشعب السوري”.

أياً كانت أسباب الانسحاب الروسي المفاجئ وردود الفعل السورية، لكن الحقائق لا يمكن تجاهلها، والقرار كان صدمة للنظام ولم يكن له علم مسبق به ودون استشارته، وهنا تكمن “ضربة المعلم الروسي” في إبقاء الإرادة الروسية متحكمة بمصير ومسارات الحل السوري الذي بينّ في بعض إشاراته أن بقاء الأسد يخضع لصفقات المصالح الروسية وأهدافها الخاصة ومرهونة بتوقيتات ومتغيرات السياسة تجاه الأزمة الأوكرانية وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا والعقوبات المفروضة عليها.

لا يمكن تجاهل الغضب الروسي من إصرار النظام السوري على تجاوز الحدود مع حليفه الدولي ومظلته الواقية ودرعه الذي ردّ عنه الانهيار، بما ألزمه إعادة ضبط الإيقاع على آلة البلاليكا الروسية، والإذعان لقبول جدول المباحثات لتوافقات جنيف 3.

ردود الفعل العربية المتمثلة بالتحالف العربي والإسلامي وبعد اكتمال مناورات رعد الشمال ومستوى حشدها العسكري وآلتها الحربية وصنوفها المشاركة وحفل ختامها، لم تكن مبتهجة أو متفاعلة كثيرا مع الانسحاب الروسي، على خطورة فحوى رسالتها، وأسباب الصمت ربما تكون هي الرسائل المقابلة المُطمْئِنة للتسويات المقبلة في المفاوضات، وما يمكن أن ينتج عنها خلال 18 شهرا من عمر المرحلة الانتقالية.

بوتين أيضا مثل أوباما ليس جمعية خيرية أو منظمة لإنقاذ حاكم مستبد من ثورة شعبه، إنما انتقل بقوته إلى خارج حدود روسيا مستعرضا إياها أمام العالم، وفي ذلك منافع لترويج دوره الدولي وأسلحته، محققا تقاربا غير مسبوق مع أميركا التي انسحبت من الشرق الأوسط تاركة لروسيا مسرح الأحداث المرتبكة ونزاعات نفوذ، مع الاحتفاظ بأمن إسرائيل كحدود مشتركة بين أميركا وروسيا وسط تناقضات الجهات المتصارعة في المنطقة.

كلفة الحرب في سوريا لا تسمح لروسيا بالاستمرار، وما قامت به من إبادة تجاه الشعب السوري سيكون ثمنه فادحا في المستقبل، لذلك كان التراجع الجزئي خطوة تبرر اندفاع موسكو إلى توفير أرضية مفاوضات يتوقف عليها إيجاد حل للمعضلة السورية، وكما يصرح تشوركين “حفظ كرامة النظام السوري وخروجه الآمن من الحكم، ولهذا ربما يكون القادم، على اختلاف وقائعه ليس مفاجئا في حرب تحكمها المصالح الاستراتيجية للدول وليست عواطف محبة لحاكم لا يعرف هو ومحيطيه إلا لغة الدم”.

دي ميستورا بعد رمزية حديثه عن الخطة “ب”، حيث لا بديل إلا الحرب والمزيد من دمار سوريا وشعبها، إنما يوجه طرفي المعادلة السورية إلى القبول بالخطوة “أ”، لكن كما أظن وهو ظنٌ ليس من بعض الإثم، إنما قراءة في خط أحمر لا يمكن للنظام الحاكم في سوريا تجاهله يتمثل في الإبقاء على الحاكم والمجازفة بكل شيء حتى أبسط أنواع الكرامة الشخصية للأفراد، لأن ذهابه سلميا أو بإرادة السلاح مصيبة عظيمة لمجموعة حاشية لا ترى في الحياة مصيرا لها إلا في سلطته المدعومة من إيران طبعا بكل منتجاتها وصادرات مشروعها الدموي المتراجع.

في حال فشل الخطة “أ” واللجوء إلى الخطة “ب” على العرب أن يلجأوا إلى الخطة “ج” لفرض إرادتهم وطرد الإرهاب الحقيقي من سوريا وأقصد داعش، وهل في ذلك من دواعي خوف للنظام السوري، أم أن للإرهاب شركات راعية كبرى في مضمار سباق “فرس النظام السوري”.

ضربة المعلم الروسي والخطة البديلة للعرب الاتحاد برس.