صناعة الآلات الموسيقية الشرقية في سوريا تراث عريق فقد رونقه في ظل الحرب

19 آذار (مارس)، 2016

4 minutes

عرفت سوريا بتراثها العريق وصناعاتها التقليدية التي تحاكي بحرفيتها وإبداعها أجمل التحف الفنية والتي ذاع سيطها في بلدان العالم أجمع، ولعل صناعة الآلات الموسيقية الشرقية فن بحد ذاته يخبئ في طياته مهارة صانعيها وحسهم العالي وذوقهم الرفيع.

واشتهرت بعض المحافظات السورية بالتفنن في صناعة الآلات الموسيقية الشرقية أو مايسمى بالتخت الشرقي كالعود والقانون والناي والسمسمية والربابة والطبلة والرق وغيرها من الآلات، إلا أن للعود بأوتاره المحكمة وصوته الشجي وقع خاص في قلوب السوريين، لكن صناعتها تأثرت كغيرها من الصناعات الحرفية التقليدية خلال سنوات الحرب في سوريا لتغدو مهددة بالانقراض في أي لحظة، ولعل محافظتي حلب ودمشق تحتلان المرتبة الأولى بعدد الحرفيين المهرة الذين يبدعون في صناعتها.
ويشكل خشب الجوز بمتانته القاعدة الأساسية في صناعة الآلات الشرقية وفي مقدمتها العود، إلا أن ارتفاع سعره وندرة وجوده بالإضافة لتكاليف نقله الباهظة من محافظة لأخرى أثر بشكل سلبي على صناعتها، أبو حاتم حرفي من مدينة حلب يقول:” كنت سابقا أسجل مواعيد لأشخاص لأسلمهم العود بعد الانتهاء من صناعته بمدة لاتقل عن شهرين، إلا أنني منذ بداية الأزمة حتى اللحظة لم أعد أعمل إلا بشكل طفيف، فمعظم زبائني كانوا من السياح أو من الأثرياء وأغلبهم هاجروا للخارج”.

ويضيف أبو حاتم :” تعرضت ورشتي منذ فترة للسرقة من قبل لصوص، فقد سرقوا جميع الأخشاب الموجودة ليقوموا ببيعها واستخدامها كحطب للتدفئة، فضلا عن سرقتهم للمعدات ومنذ ذلك اليوم لم أستطع أن أؤمن بضاعة بديلة كي أعمل بها من جديد مادفعني لإغلاق الورشة والبحث عن مصدر رزق بديل”.

تفنن الحرفيون السوريون بصناعة العود والبزق بأشكال وتصاميم مختلفة، فمنها المزركش ومنها الملبس بالصدف لتوحي بروحها الشرقية المنبعثة من أوتارها من خلال أعذب الألحان التي تفيض منها.

رغم أن صناعة الآلات الشرقية تأثرت بمجريات الحرب في سوريا وانحسرت محلات بيعها، إلا أن الحرفيين المهرة ممن هاجروا للخارج نقلوا معهم هذه الصناعة العريقة التي توارثوها عن أجدادهم لتكون مصدر رزق يعينهم في الحياة، حيث لاقت إقبالا ورواجا في كثير من الدول نظرا لامتيازها بالدقة والإتقان فضلا عن غلبة الروح السورية في نقشها وتصاميمها.
وتناقلت وسائل الإعلام مؤخرا وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالحرفي خالد الحلبي وهو لاجئ سوري في لبنان، يعمل بصناعة الآلات الموسيقية كالعود والبزق والكمان، وهي مهنة أنقذته من العوز والفقر والتي ورثها عن والده بعد أن هرب من الواقع المر في سوريا، حيث أنه يتحدث بكل فخر عن ماضي أجداده الدمشقيين في صناعة العود لأرقى الفنانين العرب ومن بينهم أم كلثوم.
بينما يتمادى النظام بإجرامه يبدع الحرفيون بصناعة آلات تبوح بأنغامها أسرار وهوية السوريين العريقة وبخشبها المعتق برائحة الجوز والأرز تخلد تراث أجدادها، سيبقى خالد يصنع اعوادا علها تترك صدى وأثرا جميلا في قلوب مقتنيها لتكون حضارة سوريا قابعة في كل مكان.

سماح خالد ـ المركز الصحفي السوري