“التعاطي الروسي مع الموضوع الكردي مجرد ورقة في مواجهة قوى المعارضة السورية وتركيا”


اعتبر الكاتب والمحلل السياسي سامر إلياس، المتخصص في الشؤون الروسية، أن التعاطي الروسي مع الموضوع الكردي، أو التقسيم في سوريا، لا ينطلق حتى الآن من كونه مشروعا قائما بحد ذاته على المستوى الإستراتيجي، بل مجرد ورقة قوية في مواجهة قوى المعارضة السورية وتركيا”.

وقال إلياس في مقال له نشر على الجزيرة نت، تحت عنوان “أكراد سوريا في الحسابات والسياسات الروسية”، إن اللعب في الورقة الكردية له محاذير كبيرة قد تقلب التحالفات والحسابات رأسا على عقب، مما يملي على موسكو التعامل معه بحذر شديد، وإجراء حسابات دقيقة ومعقدة.

وأشار إلى أن روسيا اقتنصت حادثة إسقاط مقاتلتها قرب الحدود السورية التركية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، وبدأت عمليا بإتباع سياسة جديدة مع تركيا تعتمد على منع أنقرة بأي حال من الأحوال من بناء منطقة عازلة أو منطقة حظر طيران في الشمال السوري.

ولفت إلياس إلى أنه “مع تصاعد لغة الانتقام بحق أنقرة بعد إسقاط المقاتلة الروسية ذهبت موسكو بعيدا في محاربة تركيا عبر تقوية حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية، ومع ردة فعل الناتو الضعيفة، والخلافات المتفاقمة بين الإدارة الأميركية وأنقرة، استغلت موسكو الفرصة لتزيد من دعم الأكراد وكثفت غاراتها على المناطق الشمالية من حلب لقطعها نهائيا عن تركيا، وتمكين القوات الكردية المتحالفة مع النظام والمدعومة مباشرة من الغرب وموسكو من فرض سيطرتها على مناطق واسعة في محيط أعزاز والأتارب وتل رفعت”.

وتحت عنوان “الفيدرالية والورقة الكردية”، قال إلياس إنه “في إقرار نادر، كشف الكرملين أن خبراء روسا ناقشوا مع نظرائهم الغربيين موضوع الفدرالية كحل لبنية الدولة السورية المستقبلية، وعدم استبعاد سيناريو كوسوفو. ويضمن هذا الخيار لروسيا الحد الأدنى من أهداف تدخلها في سوريا، فهو يقضي حسب تسريبات الصحافة الروسية بإنشاء “مثلث علوي” يضمن حقوق الأقلية العلوية المؤيدة للرئيس الأسد، ويحافظ على قاعدتي طرطوس البحرية ومطار “حميميم “إضافة إلى حقوق الشركات الروسية في استثمار ثروات السواحل السورية من النفط والغاز.

وحسب ذات المصادر فإن المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا سوف تكون منطقة حكم ذاتي للأكراد، ويمثل الدعم الروسي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري استكمالا لمسيرة بدأها النظام في 2011 حين انسحب من المناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال الشرقي لسوريا، وسلمها لـ “وحدات حماية الشعب” في محاولة لخلط الأوراق وزعزعة الاستقرار الاجتماعي والأمني في هذه المناطق، وهو ما حصل مع سيطرة هذه القوات على مناطق عدة وممارسة تطهير عرقي بحق العرب والمعارضين من الأكراد.

واستفادت روسيا من السمعة الجيدة للقوات الكردية في محاربة تنظيم الدولة على الأرض بدعم من التحالف الدولي لتمنع أي فيتو أميركي على علاقاتها معه. وذهبت روسيا بعيدا في دعم أكراد سوريا بافتتاح ممثلية “غرب كردستان” في موسكو الشهر الماضي في خطوة لها دلالاتها السياسية والرمزية.

ورأى إلياس أن الدعم الروسي للأكراد يشكل ضربة قوية لتركيا لأنه سيؤدي إلى وصل الكانتونات الكردية التي أنشأها حزب صالح مسلم (الاتحاد الديمقراطي الكردي) على طول الحدود من الحسكة شرقا حتى حدود لواء إسكندرون غربا، ما يعني عمليا بروز كيان كردي متكامل على حدود تركيا يشكل قاعدة لزعزعة الأمن فيها وتدمير جهود التسوية السياسية مع الأكراد التي بدأتها أنقرة منذ سنوات لتضع حدا لحرب دامت أكثر من 30 عاما. ولعل الأخطر هو أنه يؤجج مشاعر أكراد تركيا للحصول على حكم ذاتي بعد العراق وسوريا.

وأوضح إلياس أنه “من المؤكد أن الخبراء الروس يعلمون أن مشروع الفيدرالية في سوريا لا يمكن أن ينجح، ولا يصب على المدى البعيد في صالح إحلال الأمن والاستقرار في بلد متعدد الإثنيات والطوائف والمذاهب، فحتى “المثلث العلوي” الذي يجري الحديث عنه في المدن والجبال الساحلية مع حمص لا يحظى فيه العلويون بأغلبية عددية، والأمر ينطبق على التجمعات الرئيسة للأكراد. وربما يشكل مشروع الفيدرالية الخطة البديلة لروسيا في حال عدم تمكنها من إقناع البلدان الإقليمية والعالم بإبقاء الأسد في الحكم والتعاون معه في “محاربة الإرهاب”، أو هو بمثابة أداة لممارسة مزيد من الضغوط على تركيا”.

وتابع قائلًا: “ربما بات لزاما على روسيا تليين مواقفها بشأن مصير الأسد، والمحافظة على وحدة سوريا من دون مناورات لكسب الوقت، أو ترويع دول الجوار، لأن البديل هو الغرق في حرب استنزاف طويلة، ووصول الحريق السوري إلى قلب روسيا، واستمرار العقوبات الاقتصادية مترافقة مع انهيار النفط ما قد يثير الاضطرابات الاجتماعية والسياسية ضد الكرملين، وغوص روسيا في مستنقع طالما حذرت منه الغرب إثر تدخلاته في أفغانستان والعراق والصومال وغيرها، وعلى البلدان الخليجية وضع روسيا أمام خيار واضح وهو أن مصالحها الاقتصادية في المنطقة، والتنسيق في مجال النفط والغاز، واستمرار التعاون في مجالات الطاقة النووية السلمية، وعقد صفقات أسلحة له ثمن واضح وهو مراعاة تطلعات الشعب السوري ومصالح بلدان الإقليم في حل الأزمة السورية”.

ترك برس