أكثر من خمس مائة هاتف إلى قاعدة حميميم.. تناشد الروس البقاء، الروس أعادوا تموضعهم ولم يرحلوا


التاريخ لا يعيد نفسه ، الناس هم الذين يعيدونه . والوثيقة التاريخية المحفوظة في الخارجية الفرنسية والتي ناشد فيها زمرة من سموا أنفسهم يوما ( وجهاء ) ، المستعمرَ الفرنسي البقاء في سورية تسجل اليوم بأصوات حية تنضح بالعمالة والإثم. المناشدة الجديدة ، غير الاستدعاء المباشر ، الذي أقدم عليه بشار الأسد مستبد سورية وقاتل إنسانها ، وهادم عمرانها . المناشدة الجديدة الآثمة الخطيرة هي ما أعلن عنه الجنرال الروسي ( سيرغي كورالينكو ) رئيس مركز التنسيق للمصالحة في قاعدة حميميم العسكرية ، حيث اعترف الجنرال المذكور ( إن أكثر من خمس مائة اتصال تلقته القاعدة الروسية في حميميم من مواطنين يريدون معرفة مدى صحة الأخبار المتعلقة بتخفيض عداد القوات ) . ويضيف الجنرال الروسي في إعلانه الصريح ( إن روسية متفهمة قلق السوريين وإن قرار التخفيض – تخفيض القوات الروسية – لا يهدف إلى وقف العمليات العسكرية وإنما جاء بالتنسيق الكامل مع الرئيس بشار الأسد . وما زال عدد الطائرات كاف لمراقبة الأجواء السورية ، ولضمان حسن سير الهدنة . وروسية ماضية في دعمها للقوات الروسية في حربها ضد التنظيمات الإرهابية . )

ومع ما تتحمله هذه الرسالة التطمينية من تغرير بالحديث عن تنسيق كامل مع بشار الأسد ، نفاه الرئيس بوتين بصراحة فجة . فإن ما يشكله هذا التصريح من دلالات خطيرة ، إنما تحمل تأكيدات نكدة عن طبيعة الدور الوظيفي الذي رهنت هذه الزمرة من الناس نفسها له ، وعن الفصول المتبقية من المهمة الروسية.

إن الاندفاعة الحالمة وراء عنوان الانسحاب الروسي من سورية يجب أن تتوقف . ويجب على جميع القوى السورية أن تعيد تقويم موقفها بالعمل الوطني الجاد لفرض جلاء كامل للقوات الروسية عن الأرض السورية . ولوقف جميع أشكال التدخل الخارجي في سورية أرضا وجوا وبحرا ، تحت أي ذريعة من الذرائع .

إن تمكين الثورة السورية وثوارها الممثلين الحقيقيين للشعب السوري من وسائل المقاومة المجدية هو الكفيل وحده بإسقاط الإرهاب والإرهابيين من مختلف الهويات .

إننا بالعودة الواعية إلى الإعلان الأول للانسحاب الروسي ، والتوقف عند كونه لن يكون كاملا، وتأكيد هذا الإعلان أن الروس سيحتفظون بقواعدهم العسكرية على الأرض السورية ندرك بكل وضوح أن الاحتلال الروسي لسورية ما يزال قائما . وأن كل الذي حصل في سورية إنما هو إعادة تموضع ، أو إعادة انتشار .

كما إننا بالتوقف الواعي عند تصريحات الرئيس بوتين الأخيرة التي أكد فيها أن قواته التي غادرت سورية قادرة على العودة إلى سورية خلال ساعات . وتأكيده أن بلاده ستواصل تقديم كل أشكال الدعم للنظام في سورية بما فيها الدعم العسكري والاستخباري ، وبما يضمن بقاء توازن القوة . ومؤكدا بقاء منظومات ( اس 400 ) ( وبانتسير ). يجعل استرسالنا بالفرح والغبطة والتأييد والتحبيذ بأن الاحتلال الروسي لوطننا قد انتهى نوعا من السذاجة السياسية والتغرير بمواطنينا .

إننا بالمتابعة اليومية لعمليات القصف التي يوزعها الروسي حسب مخطط مرسوم لكل الأرض السورية ، والتي أكدها سيرغي رودسكي مدير العمليات لهيئة الأركان العامة في سلاح الجو الروسي من أن القوات الروسية الجوية تواصل ضرباتها ضد أهدافها بمعدل 20 – 25 طلعة جوية ؛ ندرك أن الاحتلال الروسي ما يزال يلعب في سورية لعبته المريبة. وأنه بعد أن أدت أسراب طائراته المرحلة الأولى من أهدافها . بقي في سورية من القوات والقواعد ما يكفي لتحقيق المرحلة الثانية من المخطط المريب.

إن معرفة الأخطار هو الخطوة الأولى على طريق تلافيها , وإن على النائمين في العسل أن يدركوا حقيقة المؤامرة التي يتعرض لها الشعب السوري . وأن يستعدوا للتصدي لها وإسقاطها . بحسب ما تقتضي منهم المهمة التي تصدوا لها.

إن الاحتلال الروسي لسورية لا يزال حقيقة واقعة . وستكون لهذا الاحتلال تداعياته وآثاره الخطيرة ليس فقط في صورة ما بدأ به الذين اجتمعوا للإعلان عن فيدراليتهم في الشمال والشرق ، بل إن الأخطر من كل ذلك ما قاله المتصلون الخمس المائة في حديثهم إلى قاعدة حميميم مما لم نحط بكنهه بعد …

أيها السوريون هؤلاء أعداؤكم قد جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وقد أحاطوا بكم فخذوا حذركم … خذوا حذركم .. وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ..

زهير سالم – مركز الشرق العربي