«ويكيليكس داعش والقاعدة».. إبحثوا عن إيران وأذرعها

علي رباح خلال أحداث 11 ايلول/سبتمبر 2001 وما تلاها، واجه العرب عموماً والسُنّة خصوصاً اتهامات مُبطّنة بدعم الإرهاب، لكون تنظيم القاعدة الارهابي يعد أحد التنظيمات السنيّة المتطرفة. يومها، ساهمت ايران عبر ماكينة إعلامية ضخمة، برسم صورة شمولية عن الارهاب وداعميه، وبعثت برسائل مفادها ان «القاعدة» الذي قتل وجرح آلاف الاميركيين، والذي يهدّد الامن القومي للدول الغربية، خرج من الدول العربية المتحالفة مع واشنطن.
باسم الحرب على الارهاب، اجتاحت الولايات المتحدّة افغانستان ودمّرتها ونهبت خيراتها، قبل أن تشنّ هجوماً عسكرياً على العراق، في حروب اقل ما يقال فيها انها قلبت الموازين لصالح طهران. لم يمر وقت طويل حتى كشفت المحكمة الفدرالية في نيويورك جزءاً من مخطّط ذلك النهار من ايلول/سبتمبر. ليست وثائق هذه المحكمة التي اتهمت ايران و«حزب الله« بالتورط في احداث 11 ايلول، وبتجنيد «القاعدة»، أخطر ما كُشِف في الايام الماضية. فقناة «سكاي نيوز« البريطانية عرضت آلاف الوثائق التي تؤكد صلة النظام السوري بتنظيم «داعش« الارهابي. وثائق المحكمة الاميركية وقناة «سكاي نيوز« تطرح تساؤلات مشروعة: ما سرّ علاقة ايران ومحور الممانعة بالتنظيمات الارهابية؟ لماذا تعلن اذرع ايران في المنطقة العداء لتنظيم «القاعدة« بينما تحمي ايران قادة هذا التنظيم على اراضيها وتمدّهم بالمال والسلاح؟ لماذا يحارب «حزب الله« كل السوريين باستثناء «داعش«؟ ولماذا يحارب «داعش« العرب والاتراك ويستثني طهران؟ ليس سراً ان قادة «القاعدة» عاشوا لسنوات طويلة أريحية في ايران لم يحظوا بها في اي دولة من دول الخليج الذي لا يفوّت نصرالله مناسبة الاّ ويتهمها بصناعة الارهاب. العشرات من قيادات «القاعدة» عاشوا في طهران وباقي المدن الايرانية تحت حماية «الحرس الثوري»: سيف العدل(المسؤول العسكري للتنظيم)، ابو محمد المصري(العقل المدبّر لتفجيري السفارتين الاميركيتين شرق افريقيا عام 1998)، ابو الوليد المصري(منظّر التنظيم)، سليمان ابو غيث(زوج ابنة اسامة بن لادن)، سعد بن لادن(نجل زعيم التنظيم السابق)، ابو فحص الموريتاني، ابو الليث الليبي، وغيرهم من القيادات الرفيعة للتنظيم. ولم يعد سراً ايضاً ان ايران سهّلت انتقال عناصر القاعدة عبر اراضيها الى «ساحات الجهاد»، ولعبت دور المعبر ونقطة إلتقاء كافة خلايا التنظيم في المنطقة، ودرّبت وموّلت مجموعات التنظيم، واستخدمتها في مفاصل كثيرة لتحقيق اهدافها الخاصة. سيخرج من يقول ان كل ما قيل ويقال في هذا الاطار هدفه «تشويه صورة المقاومة»! سيقولون أن لا صحة لكل هذه المعطيات، رغم الادلة القاطعة التي عرضتها محاكم قضائية وتقارير استخباراتية. لا صحة لتسجيل مسرب لزعيم القاعدة السابق اسامة بن لادن، توجه فيه الى احد قادة التنظيم بالقول: «إن التعرض لايران امر يمس بمصالح الجميع، وكنا نتوقع منكم المشورة في هذه المسائل الكبيرة، فأنت تعلم ان ايران هي الممر الرئيسي لنا بالنسبة للاموال والافراد والمراسلات«! لا صحة لقوائم العقوبات المالية لوزارة الخزانة الاميركية التي قدمت اثباتات على تورط ايرانيين وشخصيات من القاعدة في ايران بنقل الاسلحة والاموال الى تنظيم القاعدة في سوريا. لا صحة لتقارير الاستخبارات الغربية، التي تتحدث عن مسؤول رفيع في «القاعدة« يدعى أولمزون أحمدوفيتش، او ما يعرف باسم جعفر الاوزبكي، المقيم في مدينة مشهد الايرانية، والمتهم بنقل الاموال الى التنظيم «ساحات الجهاد». لا صحة لتقارير اخرى، ذكرت «ياسين السوري»، أحد مسؤولي التنظيم المسؤولين عن نقل المجندين واصحاب الخبرات القتالية من باكستان الى سوريا عبر ايران! لكن الميدان العسكري على مساحة المنطقة كشف الجزء الآخر من الحقيقة. يحق للجمهور العربي أن يسأل ويتساءل: ما سرّ انسحاب قوات المالكي من الموصل والرمادي تاركة خلفها السلاح غنيمة سهلة(أو هدية) لـ»داعش»؟ ما هي حقيقة «فرار»(!) مئات السجناء من عناصر «القاعدة» من سجن ابو غريب، في عملية جرت خلال 10 دقائق(مدة انقطاع التيار الكهربائي عن السجن)، دون أن يقع اي اشتباك مع القوات العراقية؟ وبعدها، لماذا عرقل «الحشد الشعبي» عملية تحرير الموصل من «داعش»؟ لماذا يهاجم «الحشد» في تقاريره القوات العراقية التي تأخذ على عاتقها تحرير المدن والقرى من هذا التنظيم؟ ام أن «الحشد المقاوم» يريد الاستئثار بتحرير الموصل ليهجّر العشائر واهلها الاصليين كما فعل في ديالى؟ وفي سوريا، لماذا يواجه نصرالله بالانكار الملاحظة العينية بأنه لم يخض معركة واحدة ضد «داعش»، على الرغم من التماس بين مقاتليه ومقاتلي التنظيم على أكثر من جبهة؟ لماذا يمرّ عناصر «داعش« على معابر خاضعة لسيطرة النظام و«حزب الله« ليصلوا الى مناطق الثوار في شرق حلب واليرموك والقلمون، دون ان يقع اي صدام؟ لماذا يحارب حزب الله الفصائل كافة في سوريا باستثناء «داعش«، ولماذا يتاجر الحزب بهذه الحرب التي تُعلن ولا تقع؟ وفي اليمن، لماذا يفجّر «داعش» فندق القصر في عدن، حيث استهدف نائب الرئيس اليمني خالد البحاح واعضاء الحكومة الشرعية وعناصر من «التحالف»؟ لماذا يأخذ «داعش« و«القاعدة« على عاتقهما الحرب على السعودية في اليمن إن كانت المملكة هي صانعة الارهابَين، كما يدّعي نصرالله؟ لماذا ينحر «داعش« 22 قبطياً مصرياً في ليبيا بعد ساعات على اقتراح قدمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإرسال قوات عربية مشتركة الى اليمن؟ وفي لبنان، لماذا ترافع حزب الله دفاعاً عن عمر فستق، المتهم بالانتماء الى تنظيم «القاعدة«، قبل أن يوكل الى احد المحامين المقربين منه مهمة الدفاع عن جمال دفتردار، نائب امير كتائب «عبد الله عزام». لماذا يشنّ «داعش» هجمات ارهابية في فرنسا (الدولة الاوروبية الوحيدة التي تجاهر برفضها للاسد) عشية مؤتمر «فيينا2»، وينجح بفرض أولوية محاربة الارهاب على الحديث عن مستقبل الاسد؟! لماذا يشنّ «داعش» هجوماً ارهابياً في منطقة السيّدة زينب في دمشق صبيحة مؤتمر «جنيف3»، لتكريس المطالبة بحماية الاقليات من خلال دعم الاسد في حرب يقول انه يخوضها بوجه الارهاب؟ لماذا يفجر «داعش« في تركيا والسعودية والكويت وسيناء ولا يقترب من طهران؟ حرب «حزب الله« وايران على ما يسمى بـ»التكفيريين» ليست مبدئية، ومصطلح «التكفير»(حديث الاستخدام) لم يدخل قاموس «حزب الله« لأسباب مبدئية. طوال سنوات عمل القاعدة في افغانستان والعراق وساحات اخرى، وَصْفُ موقف حزب الله من هذا الارهاب بالخجول كان كثيراً عليه. لا بل أكثر من ذلك، فانتقادات نصرالله لـ»القاعدة» انحصرت في ما يشبه العتب على «تنظيمٍ يحارب في كل الساحات إلّا في فلسطين»، والمنظومة الاعلامية لـ»حزب الله« نفسها وصفت تاريخ العلاقة بين الحزب و»القاعدة» بـ»المهادنة»! وبعد أحداث 11 سبتمبر، لم يشارك «حزب الله« في ما اسماه يومها بـ»حفلة الاستنكار والتنديد». هذا ليس كل شيء، حتى ان «القاعدة» حين فجّر المساجد الشيعية والحسينيات عام 2003 في العراق، كان العالم بأسره يعلم أن هذا الارهاب يمرّ عبر «سوريا الاسد»، كان العالم بأسره يعلم ايضا ان الاسد انشأ معسكراً للارهاب بجانب معرض دمشق، تنطلق المجموعات منه الى العراق. لماذا لم تتحرك يومها ايران لحماية «الدم الشيعي» في العراق؟ لماذا لم توقف الاسد عن ممارسة الارهاب، اقله بحق الشيعة؟ ربما لان المصالح الاستراتيجية الايرانية لم تكن لتسمح يومها بوضع حد للاسد وارهابه، وإن كان على حساب الشيعة. لكن الوضع اختلف اليوم. يتاجر الايرانيون بمصطلح التكفير (بعد مهادنة طويلة مع هذا التكفير)، بهدف دعم نظام الاسد، ولبناء امبراطورية فارسية من البحر المتوسط الى طهران. هكذا هادنت ايران تنظيم «القاعدة» واستخدمته «ورقة سنية» بوجه المصالح الغربية. وهكذا ارتبط الاسد بتنظيم «داعش»، ومحور «المقاومة» الذي لم يحاربه، بل اراده فزاعة ترعب الغرب من «الارهاب السني» ليتاجر بها وليبيعها للمسيحيين محلياً وللمجتمع الدولي، عله يستدرج عروضاً لتوكيل ايران بدور «شرطي المنطقة«! خلصت «سكاي نيوز« في تقريرها حول صلة الاسد بـ»داعش« الى ان آلاف الوثائق التي عرضتها، هي بمثابة «ويكيليكس داعش». وثائق قد لا يكشف عنها جوليان اسانج، رئيس موقع ويكيليس، بعد ان تحول الى صحافي رديء على قناة روسيا اليوم. لكن حين تتغير قواعد اللعبة، قد يفضح اسانج كامل القصة، ليختصر مشهد الارهاب بجملة مفيدة: ابحثوا عن ايران واذرعها..