on
الجوع ينال من الرستن.. مضايا ثانية في قلب سوريا
بدأت ترتسم معالم كارثة إنسانية جديدة في سورية، تضاف إلى مثيلاتها التي ضربت البلاد على مدى سنوات الثورة السوريةالخمس، نتيجة الحرب المفتوحة التي يشنها النظام وحلفاؤه على السوريين، مستخدمين شتّى أنواع الأسلحة، ومنها حصار وتجويع المدنيين الذي انتقل اليوم إلى مدينة الرستن، وسط سورية.
اتبع النظام سياسة حصار المدن الخارجة عن سيطرته، وسدّ كل منافذ الحياة عنها، ما تسبب بأكثر من مأساة، كانت أبرزها مضايا، شمال غرب دمشق، لتلحقها مدينة الرستن اليوم، إذ يؤكد ناشطون محليون أنّها لا تقل عن مأساة مضايا، “بل ربما أسوأ”.
يتكدّس آلاف المدنيين في مدينة تعاني الحصار منذ سنوات، وازدادت وطأته في الأشهر الأخيرة، بعدما أحكمت قوات النظام ومليشياته طوق الحصار حولها.
تضم هذه المدينة، وهي أكبر مدن ريف حمص الشمالي، ما لا يقل عن 90 ألف نسمة، ما بين سكانها ونازحين، ومن ضمنهم حوالي 15 ألف طفل، يعيش جميعهم، وفق الناشط الإعلامي بيبرس التلاوي، في ظروف إنسانية سيئة.
وقد أطلقوا، أخيراً، نداءات استغاثة لإنقاذهم من ويلات حصار فرضه النظام عام 2011، وازداد خلال الأشهر الأخيرة، بعدما أغلقت قوات النظام كل الطرق المؤدية إلى الرستن، ما زاد من تفاقم الوضع الذي ينذر بكارثة إنسانية، وفقاً للناشط ذاته.
ويشير التلاوي في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ “قوات النظام حاولت، أخيراً، اقتحام ريف حمص الشمالي كاملاً، تحت غطاء جوي روسي، لكنها فشلت إثر تصدي فصائل المعارضة لها”، لافتاً إلى أن القصف الروسي خلّف 150 قتيلاً و400 جريح في صفوف المدنيين بالمدينة، فضلاً عن تدمير المنازل والممتلكات.
تقع مدينة الرستن على بعد 20 كيلومتراً شمال مدينة حمص. كانت من المدن الرائدة التي أعلنت الثورة على نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
خرجت عن سيطرته بعد أشهر من بدء الثورة، إذ أسقط أهلها تمثال الرئيس السوري حافظ الأسد منتصف أبريل/ نيسان 2011، أي بعد شهر من انطلاق الثورة.
يتحدّر من الرستن مصطفى طلاس الذي ظلّ وزير دفاع في عهدَي الأسد (الأب والابن) لنحو 35 سنة متواصلة.
الرستن، التي تعد من أهم المناطق الاستراتيجية، إذ تصل شمالها بجنوبها عبر جسرها الممتد على الطريق الدولي الذي يربط العاصمة دمشق بحلب، شمال سورية، تعرضت لقصف متواصل من طيران النظام على مدى سنوات، أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها، ومقتل وإصابة المئات، وتشريد الآلاف من سكانها.
يؤكد التلاوي أنّ “الخبز وحليب الأطفال باتا حلم الكثيرين في المدينة، في ظلّ ارتفاع جنوني للأسعار، إذ ظهرت علامات سوء التغذية على أجساد الأطفال”، مشيراً إلى أن “الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها لم تزر المنطقة، ولم تُدخل أي مساعدات غذائية وطبية إلى الرستن والقرى والبلدات المحيطة بها والتي باتت على أبواب الكارثة”. ويوضح أنّ آخر دفعة مساعدات إنسانية من قبل الهلال الأحمر دخلت الرستن في أبريل/ نيسان العام الماضي.
من جهته، يشرح عضو المجلس المحلي في مدينة الرستن، ناصر سعد الدين، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن كلفة إنتاج نحو 29 ألف ربطة خبز تكفي المدينة لثلاثة أيام، ارتفعت من 8 آلاف دولار إلى 17 ألف دولار، لافتاً إلى أن هذا الخبز غير صالح للاستهلاك بسبب خلط دقيق القمح بالشعير.
ويتحدث سعد الدين عن حاجة المدينة لخمسة آلاف دولار أسبوعياً لشراء الحليب المفقود من السوق أساساً، مشيراً إلى ندرة الإمكانيات، إذ تعتمد المدينة على بعض المتبرّعين “من أهل الخير”، وفقاً له.
ويطلق ناشطون من ريف حمص الشمالي نداءات استغاثة عبر وسائل التواصل، أخيراً، مطالبين بإنقاذ الرستن من مصير كارثي شبيه بمصير مضايا في ريف دمشق. ويؤكد المكتب الإعلامي الموحّد في المدينة أن هناك المئات من المدنيين الذين يعانون أمراضاً مزمنة لا تتوفر لهم أدنى رعاية.
وهناك نحو 1500 من ذوي الاحتياجات الخاصة يعانون من نقص حاد بالأدوية والرعاية الصحية، مشيراً إلى أن البعض يغامر بحياته لإخراج قريب له مريض إلى خارج الرستن باتجاه حمص أو حماة.
ويوضح المكتب الإعلامي أنّ هناك من ينتظر الموت لعدم استطاعته فعل شيء، باعتبار أنّ احتمالات النجاة عبر طرق التهريب متدنية جداً، لافتاً إلى أنّ هناك نحو ثلاثة آلاف من أهل المدينة في معتقلات النظام.
ولم يتردّد المكتب الإعلامي في القول إنّ النظام “يريد تجويعنا لتركيعنا”. ويناشد سعد الدين “كل الأطراف المعنية”، لإخراج أطفال الرستن من كل الحسابات السياسية، “هم يدفعون الثمن الأقسى”، مشيراً إلى ولادة 1650 طفلاً خلال العام ونصف العام الأخيرَين في المدينة، “ويواجهون جميعهم أمراضاً عدة؛ أبرزها سوء التغذية، وضيق التنفس، في ظلّ تدنّي الرعاية الصحية إلى مستويات خطيرة”، مؤكّداً حاجة “3300 طفل للحليب يومياً.
ويطالب سعد الدين المنظمات الدولية بسرعة التدخل للتخفيف من مأساة آلاف المحاصرين في الرستن ومجمل بلدات ومدن ريف حمص الشمالي، “جراء حصار تضربه قوات النظام ومليشياته لإجبار السكان على ترك بيوتهم ومناطقهم”، على حدّ تعبيره.
العربي الجديد