العيادات التخصصية في المناطق المحررة … واقع مرير يقابله جهود جبارة


 

في الحرب السورية كان لا بد أن تتكاثف كل الجهود في المناطق المحررة للنهوض بها نحو الأمام تزامناً مع استمرار آليات النظام بقصفها المكثف وتدمير معظم البنى التحتية، ولعل الجانب الإنساني هو الأهم على الإطلاق بما أن المواطن السوري هو الهدف المباشر ولا سيما الاستجابة للمتطلبات الصحية للأطفال هي من أولوياته أثناء الحروب و الكوارث، فما يقارب 2.9 مليون طفل ولدوا داخل سوريا منذ بداية2011 بحسب اليونسيف.
لذلك منذ بداية النزاع ظهر ما يسمى بالعيادات التخصصية لخدمة السوريين المعرضين للإصابات في أي لحظة داخل مناطق كثيرة خارجة عن سيطرة النظام، بعضها مولتها منظمات عالمية كأطباء بلا حدود وأخرى من رؤوس الأموال السورية المغتربة وثالثة من خلال اتفاق عدة أطباء في الداخل السوري فقدوا عياداتهم وجمعوا ما لديهم من جديد ضمن عيادات تخصصية عساها تعوض جزء قليلاً من عمل المشافي الكبيرة المدمرة.

في مدينة حلب هنالك ما يسمى “عيادات الشهيد الدكتور أبو أسامة التخصصية”، قامت بها جمعية إعانة المرضى الدولية في ديسمبر عام 2014 بعد تردي الأوضاع الصحية فيها لغاية تقديم الخدمة لأكبر شريحة من السكان والعيادات هي ( أسنان 2، اللشمانيا، السكري، داخلية، علاج طبيعي وفيزيائي ) تقدم خدماتها على مدار 24 ساعة وملحق به صيدلية تقدم أدوية مجانية، فضلاً عن قسم خارجي بالعيادات للضماد والقسم الإسعافي في حال الضرورة.
عانى السوريون من الحرمان بكافة الأمور الحياتية وكانت الرعاية الصحية من أضر الأشياء المفقودة لديهم فليس الحصار فقط هو من أنهك المواطنين لأن أعدداً كبيرة منهم استشهدوا بسبب نقص المعدات الطبية والأدوية، مما دفع بعض الكوادر الطبية في الغوطة الشرقية بريف دمشق إثر تحريرها من قوات النظام إلى توسيع نطاق عمل المكتب الطبي الذي أنشئ في مارس 2011 وافتتاح عيادات تخصصية شاملة مجانية عقب ازدياد إصابات الحرب من المدنيين والعسكريين بعد أن كان نقطة طبية تستقبل المرضى والجرحى المدنيين فقط، تستقبل العيادات آلاف المعاينات والحالات المرضية وتجري مئات العمليات الجراحية بحسب الإمكانيات الموجودة ومن غير قسط للراحة.

تفتقد سوريا شعبها الذي هاجر منه الملايين لخارجها على خلفية الحرب المدمرة تاركين خلفهم مصانع بلا صانع وأبنية وأماكن عامة مدمرة بلا عامل ومشافي فارغة من الأطباء والمسعفين، إلا أنه لا يزال الكثير منهم يفضل إتمام حياته ضمنها ولو كان الموت يحيط بهم من كل جانب فواجبهم الوطني تجاهها مع شعبها دفعهم للبقاء فيها بما أنها تمر بفترة حرجة وتحتاج لأكبر عدد من المنقذين، وكان من بينهم أطباء عدة صامدين بوجه كل الصعوبات داخل العيادات التي أقاموها.
أحمد سيد علي طبيب عينية من مدينة إدلب كان يعمل بمشفى المواساة بدمشق في بداية الأحداث وفيما بعد وجد أن المناطق الشمالية المحررة لا يوجد بها عيادة عينية وفي 2013 عاد لمدينته وأسس مع رفاقه الأطباء ” مشفى جراحة العيون التخصصي ” وهي الأولى من نوعها في المناطق المحررة، يقول:” الحمد لله كثيرا أحب عملي وأحب أن أبقى هنا لخدمة أبناء البلد ولخدمة ديني أولاً وإن شاء الله لم أفكر في الهجرة خارج البلد”.

صعوبات جمة تواجهها العيادات التخصصية أينما وجدت فهي في البداية مستهدفة من قبل صواريخ طائرات النظام وبراميله المتفجرة، فضلاً عن قلة الكوادر الطبية والأدوية مع المعدات، هذا غير الاعتداءات من قبل أطراف عدة من غير رادع وصولاً لقلة الدعم الخارجي وانعدامه بمعظم الأحيان والاعتماد على الماديات الفردية في العمل بالمجال الطبي ولا بوادر عن حلول لأزمة القطاع الصحي لا من الائتلاف الوطني المعارض أو من منظمات طبية أجنبية أو سياسات دولية.

ويبقى الشعب السوري وحيداً في مقاومة قاتله الذي أعاد سوريا للوراء سنين وبكافة مجالاتها الطبية والعلمية والاقتصادية، مستنداً للبقاء على قيد الحياة رغم كل المعاناة الملمة به على الأمل وما تنتجه أيديهم من أشياء بسيطة على أرض الواقع تعينهم.
المركز الصحفي السوري – محار الحسن