ذكرى (جمعة العزة)…حين أسقطت (درعا) التمثال


unnamed

إياس العمر:

في مثل تاريخ اليوم (الجمعة 25 آذار/مارس) لكن قبل خمسة أعوام في عام 2011، توافق السوريون الثائرون على نظام الحكم في بلادهم أن يهبوا نصرةً لدرعا التي كانت أول من نزف في ثورة العزة الكرامة التي كانت انطلقت لتوها، وأطلقوا حينها على مظاهراتهم اسم يوم (جمعة العزة).

إلا أن درعا التي كانت قد شيعت 38 من أبنائها في يوم واحد، كانت مرةً أخرى سبّاقة في رسم الخطوط العريضة لثورة هذا الشعب، وأسقط شبانها ولأول مرة منذ 41 عاماً تمثالاً لحافظ الأسد، رمز البطش والعنف والتنكيل في سوريا.

قبلها بيومين فقط، أطلق السوريون على اسم يوم (الأربعاء الدامي) على اليوم الذي شهد مقتل 38 متظاهراً في درعا خلال ساعات على يد قوات الأمن، وكان الجميع يترقب كيف ستسير الأمور في الجمعة الأولى بعد سقوط قرابة الخمسين شهيداً من المتظاهرين العزل، في الأسبوع الأول من الثورة في محافظة درعا.

واستبق النظام يوم الجمعة، وقام بعدد من الخطوات، بدأت مساء يوم الأربعاء الذي سبق جمعة العزة، وأصدر بشار الأسد قراراً ينص على استبدال محافظ درعا فيصل كلثوم.

النظام يستدعي الوجهاء

وقال الناشط عبد الرحمن الزعبي لـ “ ” إن يوم الخميس (24 آذار/مارس) الذي سبق جمعة العزة كان حافلاً بالتطورات، بدأت بقيام النظام باستدعاء عدد من وجهاء مدينة درعا إلى العاصمة دمشق، وعلى راسهم الشيخ أحمد الصياصنة، وبعد وصولهم قالوا للمسؤولين في النظام إن المسألة لم تعد محصورة بمدينة درعا، ويجب استدعاء وجهاء أرياف درعا، لأن الشهداء أصبحوا موزعين على كامل مناطق المحافظة.

وفي مساء اليوم ذاته، استدعى النظام ممثلين عن باقي مناطق المحافظة، وكان من المقرر أن يجتمع الوجهاء مع بشار الأسد، ولكن تم أخذهم إلى منطقة مجهولة في العاصمة دمشق، ليتبين فيما بعد أنهم في مكتب العقيد حافظ مخلوف المسؤول عن قسم مكافحة الإرهاب، وأثناء الجلسة التي حضرها الوجهاء قال لهم مخلوف إن بشار الأسد أمر بعدد من الإصلاحات، وستتم محاسبة المسؤولين عن إطلاق النار، وسيتم رفع الرواتب وتخفيض سعر المحروقات، وإذا استمرت الاحتجاج والمظاهرات سينزل الجيش إلى الشوارع، وفي آخر المطاف ستقسم سوريا إلى ثلاث دويلات، كما أخذ الوجهاء وعداً بأن مظاهرات يوم الجمعة (25 آذار/مارس) لن تتعرض لها أجهزة النظام الأمنية، وقبل أن يصل الوجهاء إلى درعا خرجت بثينة شعبان مستشارة بشار الأسد وتحدثت عن حزمة من الإصلاحات.

وبعد عودة الوجهاء إلى المحافظة، اجتمعوا مع الشباب في ساحة المسجد العمري وأبلغوهم أنه لن يتم إطلاق الرصاص في اليوم التالي على المتظاهرين، بعدها بدأ الشباب بالتجهيز لمظاهرات اليوم التالي، واتفق ناشطو المحافظة أن تقام صلاة الجمعة في المسجد العمري بدرعا البلد، وبعدها يخرج المتظاهرون باتجاه ساحة 16 تشرين في درعا المحطة.

file1_small.jpeg

10 آلاف متظاهر حطموا (الصنم)

وقال الناشط أحمد البرم في حديث لـ “ ” إن أهالي ريف درعا الشرقي جهزوا للخروج في مظاهرات جمعة العزة، ووصل العدد لأكثر من عشرة آلاف شخص من أبناء الريف الشرقي، وبدأوا بالزحف نحو مركز المدينة، وحاولت قوات النظام وضع الأسلاك الشائكة على مداخل المدينة، ولكن المتظاهرين أزالوا ع العوائق حتى وصلوا إلى مركز المحافظة، وعندها كان أهالي ريف درعا الغربي قد بدأوا بالوصول إلى الساحة، وفي هذه الأثناء غابت قوات النظام عن المشهد، وكانت أعداد المتظاهرين في ازدياد، ولكن سرعان ما بدأ كل شيء يتغير، وذلك بعد سماع الأخبار القادمة من مدينة الصنمين شمالي محافظة درعا عن حدوث مجزرة، وسقوط أكثر من عشرة شهداء بعد قيام قوات الأمن في المدينة باستهداف المتظاهرين الذين خرجوا عقب انتهاء صلاة الجمعة إلى الساحة الرئيسية في المدينة بالرصاص الحي، هنا أيقن المتظاهرون أن النظام يكذب، وأنه من الصعب أن يكون اي حل غير إسقاط النظام.

وأضاف البرم بأنه وبعد سماع الأخبار القادمة من الصنمين، بدأ المتظاهرون بتحطيم تمثال حافظ الأسد المتواجد في ساحة 16 تشرين مكان المظاهرة، وبدأت قوات النظام والتي كانت تراقب المشهد عن بعد بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، بهدف إبعادهم عن التمثال، ووقع عدد من الشهداء أثناء تحطيم التمثال، وكان لتحطيم التمثال رمزية كبيرة، لأنه كان حدثاً مفصلياً، ولا رجعة عن قرار إسقاط النظام، ومع إسقاط التمثال تمكن المتظاهرون من إسقاط جميع حواجز الخوف، خاصةً وأن الكثير من السوريين كانوا يطلقون اسم (الصنم) على تماثيل حافظ الأسد، حيث كان (المنحبكجية) يعبدون حافظ الأسد.

300px-__________________________________

مجزرة جديدة

وبعد الانتهاء من تحطيم التمثال توجه المتظاهرون نحو ساحة المسجد العمري، وتجاوز عدد المتظاهرين يومها 100 ألف متظاهر، وبالمقابل قوات النظام عندما شعرت أن المظاهرة ستتحول إلى اعتصام، استهدفت أهالي الريف الغربي من درعا، فسقط أكثر من 20 شهيداً يومها، موزعون (الصنمين – كفر شمس- الحراك – محجة – طفس– المسيفرة – درعا البلد – درعا البلد).

ومن جهته، قال الناشط أحمد المصري لـ “ ” إن تاريخ تحطيم التمثال كان فاتحة لمرحلة جديدة من الثورة، فبعد اقتحام قوات النظام ساحة المسجد العمري في يوم (23 آذار/مارس) كانت تعتقد أنها استطاعت القضاء على الاعتصام في ساحات المسجد، ولكن بعد تحطيم التمثال في جمعة العزة عاد الاعتصام من جديد وبأعداد أكبر إلى ساحة المسجد، وأصبحت المظاهرات تخرج بشكل يومي مع استمرار استهداف قوات النظام لها، حتى تاريخ اقتحام درعا البلد بالدبات فجر (25 نيسان/أبريل) كما كان العقيد حافظ مخلوف قد هدد الوجهاء بإنزال الجيش في حال استمرار المظاهرات.

أول الانشقاقات

وأشار المصري إلى أنه في تلك الفترة بدأت موجة الانشقاقات عن النظام، وكانت البداية مع عضو مجلس الشعب الشيخ ناصر الحريري، وبعده العضو خليل الرفاعي ومفتي المحافظة الشيخ رزق أبازيد، بالإضافة لعدد آخر من أبناء المحافظة، وما يميز انشقاق أعضاء مجلس الشعب أنهم هم الأعضاء الحقيقيون الذين يمثلون المحافظة، مع العضو الشيخ يوسف أبو رومية صاحب الموقف الشهير في مجلس الشعب وقتها، لأن باقي الأعضاء هم من قائمة الجبهة الوطنية، أي من أتباع النظام، ويتم فرضهم على الأهالي، وعندها قررت قوات النظام القضاء على الحراك عن طريق إنزال قوات الجيش إلى الشارع، بعد فشل الأجهزة الأمنية في إنهاء الحراك الشعبي.

وأردف بأن قوات النظام خلال مرحلة ما قبل الاقتحام كانت تحاول جر الشارع نحو التسليح بعدة وسائل، وكان منها رمي السلاح أمام المنازل في درعا البلد، وكذلك الانخفاض المفاجئ في أسعار السلاح لدى التجار، ولكن دون جدوى.

_rlm__rlm_____________________small.jpg

وتر الطائفية

وأكد الناشط أحمد الرفاعي في حديث لـ “كلنا ركاء” بأن أبرز ما قامت به قوات النظام في تلك المرحلة كان اللعب على وتر الطائفية، وتحديداً في ريف درعا الشرقي، وفي يوم الجمعة (25 آذار/مارس) خرج شيخ يدعى عبد السلام الخليلي في مدينة الحراك بريف درعا الشرقي، وألقى خطبة الجمعة عن الانحلال الحاصل في محافظة السويداء، وبأن أهالي السويداء يعملون على إفساد المجتمع المحافظ في درعا، ليتبن أن الشيخ يعمل في مكتب اللواء رستم غزالي، واختفى بعد الخطبة التي حاول من خلالها زرع الفتنة.

وأشار إلى أن الأهالي كانوا يتوقعون أن تكون الخطبة عن الشهداء، كون المدينة كانت على موعد مع تشييع ثلاثة من الشهداء الذين سقطوا يوم الاربعاء (23 آذار/مارس) ولكن كانت خطبة ذات بعد طائفي، وبعد انقضاء الخطبة تم مباشرة طبع عشرات الآلاف من النسخ وتوزيعها في شوارع محافظة السويداء، بهدف طبع الحراك بطابع طائفي.

وأضاف الرفاعي بأن النظام أرسل عملاء له إلى بلدات السويداء ودرعا من أجل دب الخلاف بينها، وكان دور العملاء تخويف الأهالي والحديث عن هجوم مرتقب، ولكن ذلك لم يلق آذاناً صاغية، ليقوم النظام أخيراً بإنزال الجيش (25 نيسان/أبريل) إلى الشارع، وتبدأ مرحلة جديدة من عمر الثورة.

أخبار سوريا ميكرو سيريا