"السورية نت" تنشر بنود المعارضة للحل السياسي: كيف يقضي دي ميستورا على مطالب الثورة؟


حصلت "السورية نت" على نسخة من ورقة المبادئ الأساسية التي قدمها وفد "الهيئة العليا للمفاوضات" التابع للمعارضة السورية، إلى المبعوث الأممي "ستافان دي ميستورا" وذلك قبل انتهاء جولة المفاوضات الثانية من جنيف التي توقفت الخميس الفائت على أن تستأنف بداية الشهر القادم.

وبالمقارنة بين المبادئ التي قدمتها المعارضة وتلك التي أقرها المبعوث الأممي، يبدو واضحاً إغفال الأخير لأهم مطالب الثورة السورية، سيما وأن "دي ميستورا" الذي يتحرك بدعم روسي – أمريكي، نسف أهم مطلب للمعارضة يتعلق بمصير الأسد في السلطة، حيث تؤكد المعارضة رفضها الكامل لبقائه في الحكم.

استعادة الجولان

البداية مع البند الأول الذي ورد في ورقة "دي ميستورا"، إذ تضمن بعد تأكيده على احترام سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، أن "الشعب السوري ملتزم بأن يستعيد مرتفعات الجولان المحتلة بالوسائل السلمية".

في حين أن المعارضة قالت في بندها حول الجولان إن سورية "تلتزم باستعادة الجولان السوري المحتل بكافة الوسائل المشروعة"، ويبدو هنا الفرق بين البندين، إذ حصر المبعوث وسائل استعادة الجولان بـ"الوسائل السلمية" في حين قالت المعارضة "الوسائل المشروعة"، وتقصد بذلك جميع الوسائل التي تعتبر حقاً شرعياً لسكان أي أرض محتلة والتي لا تقتصر فقط على "الوسائل السلمية" بل قد تشمل القتال أيضاً.

تضييع الحقوق

يذكر البند الثالث من ورقة "دي ميستورا" ما يلي: "سورية دولة ديمقراطية غير طائفية تقوم على كل من المواطنة والتعددية السياسية، وتمثيل جميع مكونات المجتمع السوري، وسيادة القانون، واستقلال القضاء، والمساواة في الحقوق، وعدم التمييز، وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، والشفافية والمساءلة، ومبدأي المصالحة الوطنية والسلام الاجتماعي".

ويكمن جوهر الاختلاف بين هذا البند ومثيله المقدم في ورقة المعارضة، أن "دي ميستورا" أغفل مطلباً يتعلق بالعدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب (على رأسهم مسؤولو النظام) والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني، واكتف المبعوث بالإشارة إلى كلمة "المساءلة" دون أن يوضحها، ومن غير الإشارة بشكل واضح إلى الانتهاكات الحاصلة في سورية بحقوق المدنيين.

كما أن المبعوث أزال من هذا البند كلمة "دولة مدنية" كما جاء في ورقة المعارضة، واستعاض عنها بالقول: "سورية دولة ديمقراطية"، وفضلاً عن أن "دي ميستورا" حذف مطالب للمعارضة في هذا البند، إلا أنه أضاف بنداً يتماشى مع سياسة النظام القائمة حالياً في التعامل مع المدن الخارجة عن سيطرته، وهي "المصالحات الوطنية"، إذ يقر بند "دي ميستورا": "مبدأي المصالحة الوطنية والسلام الاجتماعي". كأساس يتفق عليه بين المعارضة والنظام.

بقاء الأسد

في البند السادس الوارد في ورقة "دي ميستورا" والمعارضة والذي يعتبر من أهم البنود لكونه يتطرق صراحة إلى عملية الانتقال السياسي ومصير الأسد، يبدو واضحاً عند المقارنة بين البند المقدم من المعارضة، والبند الذي أقره "دي ميستورا" أن الأخير نسف مطلب الثائرين ضد الأسد في ذهابه عن رأس السلطة.

وينص المبدأ المتضمن بورقة "دي ميستورا" على أنه "طبقاً لقرار مجلس الأمن 2254 (2015) يشمل الانتقال السياسي في سوريا آليات حكم ذا مصداقية وشامل للجميع وغير قائم على الطائفية (...)".

في حين أن المعارضة تقول في ذات البند الذي قدمته للمبعوث: "طبقاً لقرار مجلس الأمن (2254) (2015) فإن الانتقال السياسي يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي تمارس كامل السلطات التنفيذية، على ألا يكون لبشار الأسد وأركان نظامه وجميع من تلطخت أيديهم بدماء السوريين دور فيها، من بدء المرحلة الانتقالية وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ بدء العملية السياسية".

ولم يوضح المبعوث هنا في حديثه عن "عملية انتقال سياسي" بدلاً من "هيئة حكم" شكل الانتقال، ولا مصير الأسد. وهو ما يترك المجال مفتوحاً أمام الأخير للبقاء في السلطة.

استثناء اللاجئين

وتكمن خطورة هذا البند (السادس) أيضاً في أنه وفقاً لورقة "دي ميستورا" فإن اللاجئين السوريين الذين يقدر عددهم بنحو 3.5 مليون شخص خارج سورية لن يكون من حقهم المشاركة في الانتخابات التي ستعقد في سورية.

إذ استخدم "دي ميستورا" كلمة "السوريون المغتربون" بدلاً من "السوريون في الشتات" (حسب بند المعارضة)، وهناك فرق واضح بين المغتربون، واللاجئون أو المهجرون الذين يشتملهم تعبير "في الشتات". والمغترب هو الشخص الذي غادر بلده بإدارته، في حين أن اللاجئ أو المهجر هو الذي تركها عنوة.

ويقول "دي ميستورا" في نهاية البند "تنظيم انتخابات حرة ونزيهة (...) ويشارك فيها جميع السوريين، بمن فيهم السوريون المغتربون المؤهلون للتصويت". في حين أن البند الذي قدمته المعارضة ينص على: "تنظيم انتخابات حرة ونزيهة (...) يشارك فيه جميع السوريين، بمن فيهم السوريون المؤهلون للتصويت في الشتات".

وفي حال إقرار هذا البند بحسب ورقة "دي ميستورا" فإن ذلك سيخدم بشار الأسد إذ سينجو من أصوات ملايين السوريين المهجرين واللاجئين الذين سيقولون لا على توليه السلطة من جديد.

الجيش السوري

وفي البند العاشر الذي ضمنه "دي ميستورا" بورقته والمتعلق بمؤسسة الجيش السوري، يقول بند المبعوث: "السوريون ملتزمون بإعادة بناء جيش وطني وقوي وموحد (...). في حين أن بند المعارضة نص على أن "السوريين ملتزمين بإعادة هيكلة وتشكيل المؤسسات العسكرية والأمنية".

وبهذه المقارنة يبدو أن "دي ميستورا" رفض مطلب المعارضة في إعادة هيكلة وتشكيل المؤسسة الأمنية التي تضم فروع المخابرات. والتي كان لها دور كبير في قتل آلاف السوريين تحت التعذيب.

كما أن "دي ميستورا" غيّر ما نص عليه بند المعارضة والذي يقول: "إخراج كافة المقاتلين غير السوريين من ميليشيات طائفية (كحزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية) وجماعات مرتزقة، وقوات تابعة لدول خارجية من الأراضي السورية". وأقر "دي ميستورا" البند بقوله: "ولن يسمح بأي تدخل من جانب مقاتلين أجانب على الأراضي السورية."

دمج القوات

كما أن المبعوث أضاف نقطة جديدة إلى البند لم تقره المعارضة في ورقتها، إذ تضمن بند المبعوث على "نزع السلاح ودمج أفراد الجماعات المسلحة الداعمة للعملية الانتقالية وللدستور الجديد". وهو ما يعني دمج ميليشيات الشبيحة و"الدفاع الوطني" و"اللجان الشعبية" والقوات الأجنبية الأخرى التي منحها الأسد الجنسية السورية، مع مقاتلي المعارضة السورية، وهو ما لم ينص عليه بند المعارضة في الورقة التي قدمتها.

العودة لسورية

وفي البند قبل الأخير بورقة "دي ميستورا"، غيّب الأخير ما طالبت به المعارضة في ذات البند بورقتها المقدمة، إذ جاء في بند المعارضة: سيجري تمكين جميع اللاجئين والنازحين والمهجرين قسرياً من العودة إلى مناطقهم ومساكنهم (...) والتأكد من إلغاء سائر الإجراءات القمعية التي مارسها نظام بشار الأسد وحلفاؤه، خصوصاً فيما يتعلق بالتهجير القسري، والمحاكم العسكرية، وإلغاء أحكام الإعدام، وتنصيف المعارضين السياسيين والعسكريين في خانة الإرهاب".

في حين أن البند الذي اعتمده "دي ميستورا" حول نفس القضية اختزل مطالب المعارضة بحماية المدنيين من ممارسات نظام الأسد بالقول: "سيجري تمكين جميع اللاجئين والنازحين من العودة إلى ديارهم بأمان (...)بما يتوافق مع معايير الحماية الدولية". وهنا أغفل المبعوث الإجراءات القمعية للنظام واستخدم عبارة فضفاضة تخلو من التزام واضح بعدم التعرض للمدنيين.

12 بدل 13

وبالمقارنة بين وقتي المبادئ للمعارضة والمبعوث، فإن الأخير حذف بنداً كاملاً من ورقة المعارضة نص على: "تلتزم السلطات جميعاً في المرحلة الانتقالية وما بعدها بضمان حماية المدنيين من كل أنواع العنف أو التعسف أو الانتهاك بأي شكل من الأشكال، وفقاً لأحكام القانون الدولي والإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان".

وبذلك فإن حذف هذا البند جعل من عددها 12 بدلاً من 13، سيما وأن البند المحذوف يضمن سلامة المدنيين في سورية ويحفظ لهم حقوقهم.

ويشار إلى أن وفد المعارضة السورية لم يوقع حتى الآن على ورقة البنود التي قدمها المبعوث، إذ قال كبير مفاوضي المعارضة، محمد علوش، اليوم السبت، في تسجيل صوتي له نشر على "فيس بوك": إن "كلمة الفصل في المبادرة التي طرحت في جنيف هي لقادة الفصائل والثوار والشعب السوري لأنهم أصحاب القرار".