‘فراس علاوي: العلاقات التركية الروسية’

27 آذار (مارس)، 2016

6 minutes

العلاقات التركية الروسية
في ضوء المتغيرات الدولية التي أعقبت انطلاق الثورة السورية حيث وقف البلدان على طرفي نقيض من أطراف الصراع في سوريا ففي حين وقف الأتراك ومنذ اليوم الأول إلى جانب الشعب السوري الثائر في حين دعمت روسيا وبقوة النظام السوري ووفرت له الغطاء الدولي السياسي والاقتصادي بل وقدمت له العون والدعم العسكري لقد كانت الأرض التركية هي التي احتضنت طلائع الثوار وظهرت عليها بوادر أولى تشكيلات الجيش الحر والتشكيلات والتجمعات السياسية للثورة السورية كالمجلس الوطني ومن ثم ائتلاف قوى الثورة السورية كذلك احتضنت مئات الآلاف من اللاجئين السوريين وتحملت عبئ وجودهم على أراضيها وهو ما عجزت عنه دول كثيرة وشيدت على أراضيها عشرات المخيمات ورغم تباين الآراء حول التعامل التركي مع أزمة اللاجئين إلا أن الكل أجمع على أنها من أفضل الدول تعاملاً معهم واحتضاناً لقضيتهم

على الطرف الآخر كان الدعم الروسي لا محدود لنظام الأسد بداية من الفيتو الذي استخدمه الروس عدة مرات دعماً لحليفهم وليس نهاية ذلك تقديمهم الدعم العسكري والاقتصادي حتى كان تدخلهم السافر والمباشر على الأرض السورية بحجة مكافحة الإرهاب فحلقت طائرات الميغ والسوخوي في سماء سورياً لتقتل المدنيين الأبرياء وتقدم غطاء جوي لقوات النظام في حربها على شعبها لتصبح شريكاً رسمياً في قتل السوريين وسفك دماءهم ويخرج ساستها بكل صلف وعنجهية يباركون هذه الجرائم بل ويدعون نصراً زائفاً ضد شعب مضطهد

هذا التباين الذي وصل حد الاستقطاب كان لابد وأن يظهر في مواقف الطرفين الدبلوماسية والسياسية وإن كان حذراً في البداية واعتمد سياسة التلميح دون التصريح ثم انتقلت إلى تبادل التهم بين البلدين والحرب الباردة في المحافل الدولية

حتى أتى التدخل العسكري الروسي على الأرض ليكون القشة التي قسمت ظهر البعير ليبدأ التحول في العلاقات يظهر على السطح وتبدأ هوة الخلاف بالاتساع شيئاً فشيئاً والذي زاد الطين بلة هو مسرح العمليات الذي اختارته روسيا ليكون مكاناً لتحرك قواتها وهو جبهة الساحل السوري امتدادً إلى شمال إدلب وحلب وصولاً إلى حماة وريفيها الغربي والشمالي هذه المنطقة التي تتمتع بحساسية عالية من الجانب التركي فهي الخط الممتد على طول الحدود التركية السورية
مما يعني أن أي خطر أو تحرك على هذه المنطقة سينعكس سلباً على الأمن القومي التركي

ومع استمرار الروس في اتهام الأتراك بدعم المجموعات الإرهابية على حد زعمهم واستهداف الروس للمعارضة المسلحة التي تدعمها تركيا والقصد هنا الجيش السوري الحر وحركة أحرار الشام والتي قامت بدعم تركي ومساندة من جبهة النصرة بتحرير مدينة إدلب كاملة وتهديد الساحل السوري معقل عصابة النظام وبالتالي تهديد المصالح الروسية الأمر الذي سرع التدخل الروسي عبر طائراته التي اخترقت الأجواء التركية أكثر من مرة في استفزاز واضح للقيادة التركية والتي اتبعت الأساليب الدبلوماسية في ردها فاستدعت السفير الروسي لدى أنقرة أكثر من مرة مبلغة إياه احتجاجها على انتهاك الطائرات الروسية لأجوائها وكان الرد الروسي بمزيد من الاستفزاز متجاهلة الغضب التركي

لكن جس النبض لم يدم طويلاً فتحول إلى صدام صريح بين الدولتين بعد أن أسقطت المقاتلات التركية طائرة ميغ 29روسية اخترقت الأجواء التركية
ورغم السخط الروسي والاعتراض الذي رافق هذه العملية إلى أن تركيا استمرت في تجاهل هذا الاحتجاج بل وأقدمت الرئاسة على تكريم الطيار التركي الذي أسقط الطائرة في خطوة تصعيدية أخرى رغم دعوات الروس القيادة التركية للاعتذار باعتبار أن ما أقدمت عليه تركيا هو اعتداء على السيادة الروسية لكن الأتراك استمروا في سياسة التجاهل والتحدي

كان إسقاط الطائرة بداية حرب غير مباشرة بين الدولتين حيث بدأ الروس بدعم المليشيات الكردية التي تعتبر العدو الأول لتركيا خاصة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي pyd وحزب العمال الكردستاني الpkk كما شكلت قوات سوريا الديمقراطية وهي قوات أساسها قوات حماية الشعب الكردية الجناح العسكري للpyd الغرض منها السيطرة على الحدود السورية التركية وقطع طرق الامداد عن الجيش الحر الذي يحظى بدعم تركي لتكون حرب بالوكالة بين الدولتين

لكن التطورات على الأرض لم ولن تقف عند هذا الحد فالروس الذين أحسوا بالإهانة لن يسكتوا والأتراك الذين بدأوا يروا في ما يجري في الشمال تهديد حقيقي لهم لن يسمحوا باستمراره

المحاولات الأخيرة قبل تحول الصراع إلى مباشر تكون في تدعيم كل من الطرفين حليفه وإن كانت الصورة تميل وبشكل واضح لحلفاء روسيا وأقصد هنا قوات سوريا الديموقراطية فهي من تكسب الأرض على حساب الجيش الحر وأحرار الشام الحليف للأتراك

الأتراك وكأنهم لا يريدون خوض الصراع وحدهم في سوريا لذلك كان لابد من تهيأت الأجواء لحلفاء آخرين الدخول على خط المواجهة المباشرة بعد أن كانوا يراقبون عن بعد
التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية يبدو هو الأقرب للموقف التركي والتقارب السعودي التركي هو جزء من هذا التحالف لكن السؤال الذي يطرح نفسه
هل الأتراك وحلفائهم يملكون زمام المبادرة بأيديهم أم أنهم ينتظرون الضوء الأخضر من الأمريكان الذي يبدو أنهم يمارسون سياسة النأي بالنفس في سوريا
هل التحالف قادر على أن يتحمل تكلفة وتبعات تدخله في سوريا والتي من المتوقع أن تكون باهضة عسكرياً وسياسياً
على الجانب الآخر هل سيذهب الروس بعيداً في وقوفهم إلى جانب الأسد ونظامه وعلى ماذا يعولون وهل الروس يملكون القوة الاقتصادية الكافية لخوض المواجهة وكيف سيقنع بوتين الشعب الروسي

هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة