ما معنى اقتصاد "مقاوم" في إيران التي تستجدي الاستثمارات الأجنبية؟


تسعى إيران للانضمام لعضوية منظمة التجارة العالمية، وتعلن غير مرة عبر تصريحات مسؤوليها الكبار عن حاجاتها لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتشكو من بعض الآثار السلبية على بنوكها، بسبب استمرار بعض البنوك الأوروبية بتعامل حذر تجاه البنوك الإيرانية.

ومع ذلك نقلت وسائل الإعلام مؤخراً عن الرئيس الإيراني "حسن روحاني" أن "الاقتصاد المقاوم يدخل ضمن الخطط الاقتصادية للحكومة، وأن الخطط التي تمتلكها الحكومة والشعب لإحداث التطور الاقتصادي تدرج ضمن السياسات التي أبلغها سماحة قائد الثورة في الاقتصاد".

ولا يعد الحديث عن الاقتصاد المقاوم حصراً على الرئيس الإيراني، ولكنه لغة خطاب تشمل العديد من المسؤولين الإيرانيين، فقد أشار المتحدث الأول باسم القوات المسلحة الإيرانية "مسعود جزائري" إلى "أننا ننتظر من الحكومة ألا تولي اهتماماً للوعود الخاوية والمخادعة لجبهة الأعداء اللدودين للإسلام والثورة وأن تجعل الاقتصاد المقاوم ومن خلال الاعتماد على الطاقات الوطنية خارطة طريق لنيل الشموخ والعزة الوطنية وتحقيق التقدم والرفعة للبلاد وتسوية مشاكل المواطنين مؤكداً أن هذه الإرادة الكبيرة من شأنها سد الطريق امام تغلغل الأعداء وتلقي اليأس في قلوبهم".

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، اقتصاد مقاوم ضد من؟ إذا كانت إيران قبلت شروط التفاوض بشأن برنامجها النووي مع مجموعة (5+1)، لتعلن أن علاقتها بالغرب بدأت صفحة جديدة، وأقدمت على صفقات اقتصادية مع ايطاليا وفرنسا وألمانيا بلغت مليارات الدولارات، وسمحت بعودة بعض الشركات الأجنبية للعمل على أراضيها.

وهل تملك إيران مقاومة الاقتصاد الغربي، وهي ترجو استثماراته خلال الفترة القادمة وتنتظر استقدام مواطنيه لإنعاش السياحة بها؟.

وهل الاقتصاد الإيراني المقاوم سيكون موجهاً ضد الخليج، في ظل الصراع القائم الآن بينهما في أكثر من بؤرة في المنطقة؟

والذي يتابع الخطاب السياسي للجناح المحافظ في إيران وكذلك مسؤوليها العسكريين، يجد تصريحاتهم تركز على أن الاقتصاد المقاوم يستهدف أمريكا والغرب، بينما خطاب الجناح الإصلاحي يركز على مضمون اقتصادي بحت، يستهدف تحقيق مؤشرات اقتصادية أفضل، بعيداً عن ذكر أمريكا أو الغرب أو حتى دول الخليج.

وهو ما يجعلنا نصل إلى أن هذه الازدواجية في الخطاب، تستهدف المزاج السياسي في الداخل أكثر من أن تكون توظيفاً حقيقياً في المشروع الإيراني في إطار صياغة علاقاته الجديدة مع أمريكا والغرب.

ويشير خطاب الرئيس الإيراني أمام الغرف التجارية مؤخراً إلى مجموعة من الأهداف لتوجه الاقتصاد المقاوم، منها تخفيف حدة الأضرار الاقتصادية، وتقوية الاقتصاد الإيراني بهدف تعزيز مقاومته خلال الظروف الصعبة، والتعاطي البناء مع العالم.

وتمت الإشارة إلى مجموعة من الآليات التي تحقق الأهداف السابقة، منها خفض اعتماد الميزانية العامة للدولة على عوائد النفط، وزيادة حجم الصادرات غير النفطية وزيادة الفائض التجاري وخفض معدلات التضخم، وإرساء الاستقرار الاقتصادي وتعزيز الثقة الوطنية عبر الوفاء بالوعود الحكومية، واستقطاب التكنولوجيا وجذب الاستثمارات.

وثمة مستهدفات رقمية تناولها خطاب الرئيس الإيراني، منها تحقيق معدل نمو اقتصادي يصل إلى 5 بالمئة، بينما ما تحقق في عام 2015 كان بحدود 3 بالمئة، ويعزو الرئيس الإيراني ذلك إلى أزمة انهيار أسعار النفط.

وكذلك تستهدف الحكومة الإيرانية أن ينخفض معدل التضخم لأقل من 10 بالمئة في عام 2016، بعد أن وصل إلى 11.3 بالمئة في عام 2015، في حين كان 41 بالمئة في عام 2013.

ويليق بهذه السمات للاستراتيجية الإيرانية أن تكون تحت عنوان تحسين الأداء الاقتصادي، أما مصطلح الاقتصاد المقاوم فله آليات أخرى، فكيف لاقتصاد مقاوم أن يعتمد على استقطاب التكنولوجيا، ولا يكون منتجاً لها؟

فإيرن حينما أعلنت مطلع عام 2016 عن استيرادها لأسطول طائرات، وكذلك قطع غيار لأسطولها المتهالك، أرجعت هذا إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها لفترة طويلة، وحرمتها من تجديد طائراتها أو الحصول على قطاع الغيار اللازمة، فكيف لها أن تقاوم من تستورد منه التكنولوجيا؟

وبغض النظر عن المضمون والاسم المعلن حول الاقتصاد المقاوم في إيران، فإن هناك مجموعة من التحديات، تواجه إيران في بناء اقتصاد مقاوم، وبخاصة في ظل حرصها على إنهاء العقوبات الاقتصادية مع أوروبا وأمريكا، ومن هذه التحديات:

1 ـ عجز التمويل: لا يخفى على أحد تداعيات انهيار أسعار النفط، وأثره على الاقتصاد الإيراني، وحرص إيران على عدم الاستجابة لدعوات تجميد الإنتاج، سواء كان ذلك نكاية في السعودية أو حرصها على استمرار تدفق الموارد النفطية رغم قلتها.

ودفع هذا الأمر إيران إلى الإعلان عن عزمها إصدار سندات في السوق الدولية خلال المرحلة المقبلة، وكذلك حرصها للحصول على تصنيف ائتماني سيادي من مؤسسات التصنيف العالمية، وهذا كله له دلالاته على عمق أزمة التمويل بإيران، نظراً لما تقوم به من توسع دورها الإقليمي بدعم الحروب والنزاعات داخل المنطقة العربية.

2 ـ قيد الصادرات: استهداف استراتيجية الاقتصاد المقاوم بإيران لزيادة الصادرات غير النفطية، ليس بالأمر السهل، وبخاصة أن إيران لا تمتلك صادرات ذات قيمة مضافة عالية، أو عالية التكنولوجيا.

إن قاعدة بيانات البنك الدولي تشير إلى أن نصيب إيران من الصادرات عالية التكنولوجيا في عام 2011 بلغت 652 مليون دولار فقط، وهو رقم شديد التواضع.

وحتى إذا لجأت إيران لزيادة صادراتها من السلع التقليدية غير النفطية، فسيكون الحديد على رأس هذه الصادرات، وهو منتج كثيف استهلاك الطاقة، ومن جهة أخرى يواجه منافسة في السوق الإقليمية والدولية، مما يجعل من التوسع في الصادرات مرهون بالتعاون وزيادة الاندماج في الاقتصاد العالمي، وليس تبني استراتيجية الاقتصاد المقاوم.

3 ـ الالتزامات الإقليمية: دخلت إيران خلال المرحلة الماضية في مجموعة من الالتزامات الإقليمية، بمساندة نظام الأسد بسورية وتقديم الدعم الكامل للحوثيين باليمن، وكذلك مساندة حزب الله في لبنان ودورها المتشعب في العراق.

كل ذلك فرض على طهران أعباء مالية إضافية، تجعلها لا تفرط في النتائج الإيجابية التي أتاحها اتفاق برنامجها النووي مع أوروبا والغرب.

ومن هنا سيكون الدور المتصور لأداء الاقتصاد الإيراني، هو مزيد من الانفتاح على الاقتصاد الغربي وليس مقاومته أو منافسته بل سيكون الاقتصاد الإيراني في إطار منظومة التبعية للغرب وأمريكا، وما تجربة الدول الصاعدة منا ببعيد.