المدارس السورية في تركيا محاولة جادة لترميم ما خسره الأطفال خلال سنوات

27 آذار (مارس)، 2016

6 minutes

بعد انقضاء الفترة الصباحية للطلاب الأتراك، في مدرسة “نظيفة خاتون” الابتدائية، بمنطقة “سيتالار” في العاصمة التركية أنقرة، يتوجه الصغار من اللاجئين السوريين، إلى أخذ مقاعدهم، لتلقي تعليمهم على أيدي معلمين نزحوا هم الآخرين من وطنهم.

وتسعى إدارة المدرسة وكادرها التعليمي، إلى ترميم ما خسره الطلاب الصغار في السنوات الخمس الأخيرة، إثر تضرر العملية التعليمية في مختلف أنحاء سورية، جراء استهداف المدارس بشكل كبير من قبل قوات الأسد.

وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، عبر تقرير أصدرته في 16 مارس/آذار الجاري، أن “نحو 8.4 مليون طفل سوري (80% من الأطفال) داخل وخارج البلاد، تأثروا من ويلات الحرب على مدار السنوات الخمس الماضية”، مشيرةً أن 2.1 مليون داخل البلاد، و700 ألف في البلدان المجاورة، حرموا من حق التعليم.

وفي محاولة لتعويض سنوات الانقطاع التي عانى منها الطلبة السوريون قال معلم الصف الرابع بمدرسة نظيفة خاتون، صفوان الشاوي، إن “المدرسة تعمل على تعويض المناهج الدراسية التي لم يتلقاها الطلاب، وإنقاذ مستقبلهم، وترميم ما يمكن ترميمه مما خسروه خلال السنوات الأخيرة”.

وأضاف الشاوي، الذي يعيش مع أسرته في أنقرة، أنهم يحاولون إقناع جميع الأهالي (السوريين) في المنطقة، إرسال أبنائهم للمدرسة لتلقي تعليمهم، مطالبًا المجتمع الدولي وجميع المعنيين بدعم المدارس السورية والحالات الخاصة من الطلاب، “الذين لهم الحق مثل بقية أطفال العالم، في التعليم، ولكنهم لا يجدون المعيل أو من يتكفل بتغطية مصاريفهم”.

وعن المعاناة التي تعرض لها قبل وصوله للعاصمة التركية قال المعلم السوري: “عملت مديرًا لأحد المدارس الابتدائية في منطقة الباب بالريف الشرقي لمدينة حلب من 2008 حتى 2011، وبعد انطلاق الثورة في 2011، بدأ النظام يطلب من إدارات المدارس التعاون مع الجهات الأمنيةـ والإبلاغ عن أي معلم تدور حوله إشارات استفهام، إضافة للطلاب الذين لديهم توجهات معارضة للأسد”، مشيرًا أنه اضطر لترك الإدارة والعودة للتدريس، ثم ترك المدرسة نهائيًا جراء الضغوط التي تعرض لها من عناصر النظام.

وأشار الشاوي، أن العديد من معلمي وطلاب المدرسة التي كان يعمل بها في حلب، قتلوا أو أصيبوا جراء القصف الروسي الذي بدأ نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، قائلًا: “الطيران الروسي لا يميّز، ويقصف بشكل عشوائي مستهدفًا الأسواق والمدارس والمستشفيات، حتى اضطررنا إلى إنشاء مدارس ميدانية متنقلة، لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التعليم”.

فيما لفت أن تدخل روسيا في سورية حوّل الحياة إلى جحيم، وتسبب في تعطل كافة مجالاتها، خاصة المجال التعليمي الذي بدأ ينهار إثر عدم تمكن الطلاب من التوجه إلى مدارسهم، التي تدمر جزء كبير منها، مشيرًا أن مدرسته التي كان يعمل بها في حلب، تعرضت إلى تدمير كبير إثر القصف المتواصل على المنطقة.

وأكد الشاوي، أن الطائرات الروسية كانت تدمر 15-20 بيتًا بصاروخ واحد، الأمر الذي دفع بعشرات الآلاف من سكان حلب للنزوح والتوجه إلى تركيا، مبيناً أن عدد سكان منطقة الباب كان نحو 250 ألف نسمة، لم يتبق منهم سوى 10 آلاف فقط.

وأوضح، أن هدف القصف كان قتل المدنيين، لأن مقرات “تنظيم الدولة” كانت معروفة للجميع، وكان بإمكان الطائرات الروسية ضربها لو أرادت، بحسب قوله.

وأردف بالقول: “بعد الدمار الكبير الذي حل بحلب، واستحالة مواصلة المعيشة فيها، اضطررت مطلع العام الجاري، لترك مدينتي التي أعشقها، والتوجه إلى أنقرة، حيث يعيش عدد كبير من السوريين بينهم صديقي الذي يعمل في نفس المدرسة (نظيفة خاتون)”، مضيفاً: “بدأت العمل في المدرسة منذ نحو شهرين، نحاول مع إدارة المدرسة ترميم ما خسره الأطفال خلال سنوات الأزمة القاسية بكل معنى الكلمة، ونتمنى من الله أن يمكننا من تعويض جميع المواد والمناهج الدراسية التي فاتت الطلاب”.

وتابع الشاوي بصوت حزين: “بعض الطلاب كبار وصغار السن لا يتمكنون من الحضور للمدرسة، لأنهم يذهبون للعمل من أجل مساعدة عائلاتهم في توفير لقمة العيش، ومواجهة الظروف الصعبة التي يعيشون فيها”، مشيرًا أنهم يحاولون إقناع الأهالي لإرسال أبنائهم لتلقي التعليم.

وطالب المجتمع الدولي وجميع المعنيين بدعم المدارس السورية، والحالات الخاصة من الطلاب “الذين لهم الحق مثل بقية أطفال العالم، في تلقي التعليم، ولكنهم لا يجدون المعيل أو من يتكفل بتغطية مصاريفهم”.

ولفت المعلم السوري أنه يتقاضى راتباً شهرياً 900 ليرة تركية فقط (نحو 315 دولارًا)، “تُعينه على توفير لقمة العيش لعائلته التي تعيش معه في بيت بأنقرة، بإيجار قيمته 400 ليرة تركية (نحو 138 دولارًا)”.

من جانبه قال الطالب في الصف الرابع الابتدائي، عبد الرحمن حاج محمود، الذي فقد أباه في الحرب السورية، ويعيش مع أمه وأخويه الإثنين في أنقرة، إن والده “كان يقاتل في صفوف قوات فجر الإسلام، ضد قوات الأسد، واستشهد إثر قصف طائرات سورية قبل 3 سنوات، واضطرت عائلته لمغادرة حلب عقب دخول تنظيم الدولة، والتدخل الروسي، وانعدام مظاهر الحياة في كافة أنحاء المدينة”.

وأضاف محمود، أنه “يشتاق كثيرًا لأصدقائه وزملائه ومعلميه في المدرسة بحلب، ويتمنى العودة والعيش مرة أخرى في سورية”، مشيرًا أنه يحلم بأن يكون معلمًا، ليساهم في نهضة بلاده من جديد بعد انتهاء الأزمة.