ظروف ساعدت الأسد في استعادة السيطرة على تدمر


نبوخذ نصر - مراد  القوتلي - خاص السورية نت

ساعدت جملة من الظروف والتطورات نظام بشار الأسد في السيطرة على مدينة تدمر شرق حمص من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومكنته من استعادة زمام المبادرة بعدما اقتصر دور قواته على صد الهجوم والمحافظة على المناطق القليلة التي تسيطر عليها.

اتفاق الهدنة

أولى الأمور التي استغلها نظام الأسد لصالحه وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 27 فبراير/ شباط الماضي، حيث هدأت الجبهات بين قواته وقوات المعارضة، بالموازاة مع خروقات ارتكبتها طائرات النظام وسلاح الجو الروسي في ظل غياب ما يردع الطرفين، ومكنت هذه الخروقات النظام من لفت أنظار المعارضة عن استعادة صفوفه وتجميعها في منطقة محددة لشن هجوم بأكبر عدد ممكن من المقاتلين، سيما وأنه غير قادر على فتح أكثر من جبهة بذات الوقت بسبب نقص الكادر البشري فيما تبقى من جيشه.

وفي هذا الإطار يرى القائد في الجيش السوري الحر "أبو همام" في تصريح لـ"السورية نت" أن "الهدنة الحالية كانت عاملاً مساعداً لنقل مجموعات عسكرية بأكملها من جبهات القتال مع المعارضة في اللاذقية، وحلب، ومنطقة القلمون بريف دمشق، إلى مناطق أخرى تتناسب والمرحلة لإعادة تسويق الأسد كشريك في مكافحة الإرهاب في إشارة إلى تنظيم الدولة".

 واستدرك: "ما تزال قوات الأسد تخترق هذا الوقف وبشكل يومي في الغوطة الشرقية، والزبداني، وإدلب وغيرها."

وفيما يخص الدور الروسي في تحييد بعض المناطق عن خارطة المعارك في سورية وضمها لنفوذ قوات النظام، أوضح القيادي أن "الغاية هي الالتفاف على هيئة التفاوض العليا، حيث يعمل الروس وبقوة على رعاية وعقد مصالحات وتسويات محلية بين المدن المعارضة وبين النظام عبر وعود بالإفراج عن المعتقلين، وإدخال المساعدات الغذائية والطبية والتي من المفترض أنها تشكل أساساً نقاطاً رئيسية في المفاوضات التي تعقدها المعارضة مع النظام في جنيف".

المفاهيم الغربية

ويبدو أن نظام الأسد استفاد من موجة الخوف من الإرهاب التي تعصف بأوساط السياسيين الغربيين والأوروبيين، واعتقاد هؤلاء بقصد أو بدون قصد أن الإرهاب في سورية يتمثل في "تنظيم الدولة" فقط دون نظام الأسد الذي تقتل قواته العشرات من المدنيين يومياً بالبراميل المتفجرة والأسلحة الثقيلة، وترتكب أعمال تعتبر إرهابية.

وتحاول قوات النظام منذ بدء وقف إطلاق النار التقدم في مناطق سيطرة "تنظيم الدولة" مستغلة التفاهمات الأمريكية الروسية من جهة، والتفجيرات المتتالية التي أخذت تضرب أنحاء متفرقة من القارة الأوربية من جهة ثانية، وسط دعوات غربية بضرورة ضرب التنظيم في سورية والعراق.

ويقول الحقوقي "خالد أحمد" في تصريح لـ"السورية نت" حول هذه النقطة: "أراد الروس أن تكون بداية المرحلة الجديدة من مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي، إذ شكل سقوطها بيد تنظيم الدولة الإسلامية أواخر شهر مايو/ أيار من العام الماضي، صدمة في دول العالم المتحضر لما تملكه من مكانة حضارية تعود إلى 2000 سنة."

وأضاف أن معركة تدمر ما هي إلا لتحويل أنظار العالم من جديد إلى "تنظيم الدولة" الذي تبنى تفجيرات بروكسل. في حين تأتي مباركة الرئيس الروسي "بوتين" للأسد باستعادة مدينة تدمر، في إشارة منه إلى أن "الأسد يمكن أن يكون شريكاً فاعلاً مع دول التحالف بما فيها الدول الأوربية التي تصب سياستها في الوقت الراهن على مكافحة الإرهاب".

وأشار إلى أن وجود "تنظيم الدولة" بمنطقة تدمر حرم قوات المعارضة من فتح قنوات اتصال مشتركة للتنسيق وتلقي الدعم ما بين معارضة الجنوب والشمال، وتحقيق مكاسب مشتركة ضد قوات النظام المرهقة خصوصاً أمام انتصارات "جيش الفتح" الكبيرة في شمال سورية في الربيع الفائت.

تأمين الغرب

وساعد التدخل العسكري الروسي بمختلف الأسلحة الحديثة والمتطورة قوات النظام ليس فقط باستعادة تدمر، بل ساعد النظام أيضاً على التقاط أنفاسه خصوصاً وأن العمليات الروسية تركزت بداية في مدن غرب سورية، وبدا واضحاً أن الهدف الأول للتدخل الروسي كان إبعاد المخاطر عن هذه المنطقة بالذات، وإجبار "القوات المعادية" الأخرى للانسحاب إما نحو الشمال السوري أو اتجاه الوسط.

هذا "الأمان" الذي وفرته روسيا لمناطق غرب سورية (التي تضم أكبر حاضنة شعبية للنظام)، مكنت الأخير من الزج بأبناء الساحل في معارك تدمر بشكل كبير، وعلى الرغم من خسارتهم الفادحة إلا أنهم شكلوا عاملاً مساعداً للنظام في التقدم بتدمر. لا سيما وأن العديد من مقاتلي المنطقة الساحلية رفضوا سابقاً الانخراط في القتال لأسباب من بينها عدم اطمئنانهم من أن النظام قادر على حماية قراهم وعائلاتهم، وذلك قبل أن تتبع روسيا سياسة الأرض المحروقة لطرد قوات المعارضة من أرياف اللاذقية، وتوجيه ضربات قوية للمعارضة في ريف حماه أيضاً لإبعاد الخطر عما يروج له باسم "سورية المفيدة".

إرهاب النظام

وتسود حالة من الاستياء في أوساط المعارضة السورية لغض الغرب النظر عن الأعمال الإرهابية التي يرتكبها النظام، فمثلاً اتبعت قوات النظام في معارك تدمر نفس الأسلوب الإرهابي المتبع من قبل التنظيم، والقائم على قطع الرؤوس والتشهير بها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وسابقاً ارتبكت قوات النظام أعمالاً لا تقل إرهاباً من "تنظيم الدولة" في معارك دير الزور، سواء من حيث قطع رؤوس مقاتلي التنظيم بالسكاكين أمام الملأ، أو سحب الجثامين في شوارع المدينة عبر ربطها بالسيارات.

وفي الوقت الذي سلط فيه النظام الضوء على كيفية تعامل التنظيم مع آثار تدمر، حيث تعرض بعضها للخراب، مستغلاً ذلك في دعاياته حول قتال الإرهاب، وثق ناشطون محليون في حمص أن النظام قبل انسحابه من تدمر نهب الكثير من آثار المدينة، فضلاً عن أنه خلال المعارك التي سبقت استعادة السيطرة على المدينة، أجهزت طائرات النظام على نسبة كبيرة من معالم المدينة الأثرية محولة إياها إلى خراب.

ويشار إلى أن سيطرة النظام على مدينة تدمر ستفتح الطريق أمام قواته للتقدم أكثر باتجاه معاقل التنظيم في كل من الرقة ودير الزور. كما أنها تتوسط منطقة غنية بآبار النفط والغاز يسعى النظام جاهداً لإعادة استثمارها من جديد.