البيروقراطية بألمانيا تقتل أحلام اللاجئين السوريين وتدفعهم للتفكير بالعودة

29 آذار (مارس)، 2016

5 minutes

بعد رحلة محفوفة بالمخاطر وسيراً على الأقدام، وصلت ديالا عيسى إلى ألمانيا بعد عبورها البحر الذي غدر بالعديد من الأرواح. في البداية أقامت في مركز الإيواء لمدة أربعة أشهر قبل أن تحصل على حق الإقامة في ألمانيا. بيد أن المشكلة الحقيقية بدأت في عملية لم الشمل، التي لا ترى فيها حتى الآن أي بصيص أمل. ديالا زوجة وأم لطفلتين تنتظران مع والدهما في سورية الانتهاء من الإجراءات القانونية لعملية لم الشمل.

قد تبدو الأمور شكلياً سلسة ومريحة، لكن البطء في سير الإجراءات ليس بأمر يسهل تحمله، وخصوصاً لأولئك الذين ينتظرون بفارغ الصبر قرار لم الشمل وضم عائلاتهم إليهم.

وتوضح ديالا سبب ضيقها بالقول: “لا أطلب المستحيل. كل ما أريده هو أن أتمكن من إحضار عائلتي للعيش معي. وفي حال لم أتمكن من تأمين موعد قريب في السفارة فسأعود حتماً”.

ومن جهة ثانية تقول “مونيكا شنايد”، رئيسة قسم التوثيق في مكتب “رالفس فيرك” التابع لمنظمة “كاريتاس” التي تعنى باللاجئين: “إننا نواجه يومياً مثل هذه الحالات وهذا غريب حقاً. إذ كيف يمكن لهؤلاء أن يفكروا بالعودة إلى سورية وهي في حالة حرب مرعبة، بينما لديهم الفرص المتاحة هنا للحصول على حياة جديدة وآمنة. الأمر فقط يتطلب القليل من الصبر”.

وتضيف “شنايد”: “لا يوجد برنامج لمساعدة من يريد العودة إلى سورية تحديداً، وذلك لصعوبة هذا الأمر إن لم نقل لاستحالته. لذلك من يريد العودة يتحتم عليه ترتيب الأمر بنفسه، ومع ذلك لم تسجل حالات عودة إلى سورية حتى الآن. ومن خلال تعاملنا مع هذه الحالات الفردية، نحاول إقناعهم بالعدول عن قراراتهم”.

الحال بالنسبة لمحمد حسن مشابه لحال ديالا مع اختلاف بسيط ألا هو قلة الحظ، كما يقول. فقد قدم محمد إلى ألمانيا من سورية قبل ستة أشهر، ومنذ ذلك الوقت لم يتمكن حتى من الحصول على موعد في المحكمة. كما عانى من ضائقة مادية بسبب انقطاع المعونات المادية لسبب لم يعلمه بعد، في حين حصل العديد من اللاجئين ممن يعرفهم على حق الإقامة في وقت قصير.

ويقول محمد: “القانون محيّر حقاً وغير عادل، إذ لا توجد مدة معينة للبت في قرار اللجوء. يجب إعطاء أولوية لمن لديهم عائلة وأطفال لأنهم سيواجهون المزيد من الصعوبات أثناء معاملات لم الشمل التي تتطلب المزيد من الوقت، وخصوصاً بعد إغلاق الحدود التركية بوجه السوريين وفرض تأشيرة عليهم”.

وتتمحور مشاكل اللاجئين غالباً حول البيروقراطية التي تختلف من ولاية لأخرى ومن مدينة لأخرى. وتوضح “مونيكا شنايد” ذلك بالقول إن “تدفق اللاجئين الهائل يشكل ضغطاً كبيراً، وهو ما يتسبب في التأخير بإجراءات اللجوء وهذا الأمر الذي يشتكي منه العديد من اللاجئين”.

كما يضيف محمد: “بالرغم من أن الرحلة إلى ألمانيا كانت تجربة قاسية للغاية، إلا أن وضعي الحالي قد يدفعني للتفكير في العودة (…) ولكنني سأنتظر وسأصبر لأن ابنتي وزوجتي تستحقان العيش في بلد آمن بعيداً عن القذائف والانفجارات والخطف”.

تزايد أعدادهم والنقاش حول تعديل قوانين اللجوء المستمر يضع اللاجئين في حالة تخوف وترقب دائمتين. وهو ما يشعرهم بنوع من اللاستقرار ويؤثر سلباً في معنوياتهم وقدرتهم على تحمل صعوبات المرحلة الأولى. ومن هؤلاء اللاجئين باسم شحود، أب سوري لثلاثة أطفال، اختار أن يعبر البحر وأن يتحمل خطورة الطريق إلى أوروبا لضمان مستقبل آمن لأطفاله.

بدورها تشكو يارا.ع من كل هذه المشاكل، بدءاً بالمماطلة في الإجراءات وانتظار موعد المحكمة، ومن ثم البت بقرار اللجوء وصولاً إلى القلق المستمر عن إمكانية لم الشمل لعائلتها لاحقاً.

وتضيف: “أكثر ما يزعجني هو عدم تمكني من تعلم اللغة الألمانية بشكل سريع، فدورات الاندماج الحالية غير منظمة وأشعر بأنني أهدر وقتي بمحاولاتي للتعلم وحدي. فاللغة الألمانية صعبة وبنفس الوقت هي الحل الوحيد والمفتاح الأساسي للاندماج في ألمانيا”.

وبهذا الخصوص تقول “مونيكا شنايد” من منظمة “كاريتاس”: “إن الحكومة والمنظمات الموجودة هنا تحاول باستمرار كي تحسن أوضاع اللاجئين من خلال “تسريع الإجراءات وتحسين دورات الاندماج والعمل، الأمر فقط بحاجة للتفكير الايجابي”.

بيد أن يارا تصر على رأيها وتتابع: “لم آت إلى ألمانيا لكي أبقى في غرفتي. أريد أن أعمل وأن أعود إنسانة منتجة كما كنت في سورية. وذلك لن يحدث إلا عند إتقاني اللغة”.

وتنهي كلامها موضحة: “ألمانيا بلد رائع ومليء بالفرص. أريد لأطفالي أن يكبروا ويتعلموا هنا، لذلك عندما أكتئب وأفكر بالعودة، أحاول أن أعطي القوة لنفسي وأن أتذكر دائماً بأن الصبر مفتاح الفرج”.