هشام ملحم يكتب عن عالم ترامب
31 آذار (مارس)، 2016
هشام ملحم
يواجه الحزب الجمهوري مأزقاً تاريخياً قد يؤدي الى احتمالات أكثرها كارثية يتمثل في انشقاق الحزب بين تيارين وسطي – محافظ، ويميني – متشدد، وأقلها ضرراً انهزام الحزب في الانتخابات الرئاسية. في العقود الاخيرة انحرف الحزب تدريجاً في اتجاه اليمين السياسي والتشدد الثقافي والاجتماعي، وانعكس ذلك على ما سمي الحرب الثقافية التي يشنها الحزب منذ حقبة الرئيس ريغان، على كل من يؤيد حق المرأة في الاجهاض، وعلى من يدعو الحكومة الفيديرالية الى فرض قيود أشدّ صرامة على اقتناء الاسلحة النارية الفردية، وعلى زواج المثليين، وغيرها من القضايا البعيدة من المسائل الاقتصادية والامنية. القلق الدائم التقليدي من تعاظم سلطة الحكومة الفيديرالية على حساب الولايات والحريات الفردية للمواطن، تحول من شعار “الحكومة هي المشكلة” الى “الحكومة هي العدو”.
هذه السياسات والمواقف أوجدت لغة سياسية جديدة هيمنت على الحزب الجمهوري في السنوات الاخيرة واتسمت بالفظاظة والتعصب. انتخاب الرئيس أوباما في 2008، والذي صدم الحزب الجمهوري وخصوصاً التيار المتعصب فيه بالصميم، تحول الى فرصة لهذه القوى لكي تعبر بلغة نابية عن معارضتها للرئيس اوباما الذي كانت دوماً تشكك في شرعيته وتصفه بـ”الاشتراكي” أو “المسلم”.
هذا هو المناخ الذي أشاعه دونالد ترامب بتشنجاته، وعدائه للاقليات والمهاجرين، وتمسكه بمفهوم بدائي للوطنية يتقاطع مع المواقف الشوفينية. وعند اضافة الصفات الشخصية النافرة لترامب، مثل نرجسيته المفرطة، وغطرسته وغروره وسلوكه الفضائحي وضحالته الاخلاقية، ندرك اننا أمام شخصية غير متزنة، ميالة الى المواقف المطلقة والتبسيطية وحتى الضحلة، تغضب بسهولة، وترفض التعامل بعقلانية مع المشاكل التي تواجهها اميركا في العالم.
ومرة أخرى تحاول القوى المناوئة لترامب في الحزب حرمانه انتصاراً آخر يقربه من ترشيح الحزب، وهذه المرة تتركز المحاولات والتمنيات على ولاية ويسكونسن الثلثاء المقبل، لوقف تقدمه. المعضلة هي ان البعض يضطر الى الادعاء ان “البديل” من ترامب هو السناتور تيد كروز. لكن كروز شخصية مكروهة ومتشددة أيضاً. واذا وصل ترامب وكروز الى المؤتمر من غير ان تكون لدى أي منهما الأكثرية المطلوبة أي 2237 مندوباً، سوف ينفتح المؤتمر على مختلف السيناريوات.
مواقف ترامب الأخيرة، مثل قوله إنه لا يعارض تحول اليابان وكوريا الجنوبية الى دولتين نوويتين لردع الصين وكوريا الشمالية، أو قوله ان شمال الأطلسي بات عديم الجدوى لانه لا يحارب الارهاب، على رغم ان الحلف شارك في حرب أفغانستان باسم مكافحة ارهاب “القاعدة”، ومطالبته دولاً حليفة بأن تدفع لاميركا ثمن حمايتها، كلها اعطت الاميركيين فكرة واضحة ومخيفة عن عالم ترامب. ولا يزال السؤال هو إياه: كيف يمكن وقف ترامب؟
المصدر: النهار