السوريون في مناطق المعارضة بين الحاجة للقضاء والمحاكم الشرعية


رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

تعد المحاكم الشرعية التي ظهرت في المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة في سورية، أحد أشكال التعويض عن غياب مؤسسات الدولة، وخصوصاً بعد خروج النظام من تلك المناطق وعدم قدرته على إدارة المؤسسات التي كانت قائمة فيها.

وقد بدأت هذه المحاكم مع بداية ظهور فصائل المعارضة المسلحة، ومع مرور الوقت تطورت وتوسعت، وصار لها الكلمة في الفصل بقضايا المدنيين والمقاتلين على حد سواء.

البدايات

وبحسب القانوني "يوسف" (وهو اسم مستعار) والذي تحدّت لـ"السورية نت" فقد بدأ ظهور المحاكم الشرعية في إدلب (شمال) "مع بداية ظهور الفصائل الإسلامية وقد ساهم شرعيو الفصائل بإحداثها لحل مشاكل الفصائل الداخلية".

وأضاف: أن هذه المحاكم "تطورت وفرضت نفسها على المجتمع كما أن أعضاءها العاملين بها مرشحون من قبل الفصائل وقد ساهموا بشكل أو بآخر بمنع ظهور أي جسم قضائي آخر، وهو ما حصل في بداية عام 2013 بريف جسر الشغور وحارم عندما صادروا مبنى المحاكم التي فكر بإنشائها قضاة منشقون عن النظام واتهموهم بإنشاء محاكم علمانية".

وبيّن يوسف أن هذه المحاكم اعتمدت "بداية على الشرعيين فقط وتم استبعاد الحقوقيين والمحامين، وبعد سيرهم في العملية القضائية وإدراكهم لفشل عملهم تم استجلاب الحقوقيين للنهوض بهذه المحاكم".

وبحسب يوسف فإن دور الحقوقيين اقتصر على الأعمال التنظيمية وقد "قبل المحامون بالعمل في هذه المحاكم نظراً للحاجة المادية وغلاء الحياة المعيشية من جهة، وبسبب الحماية التي تتمتع بها هذه المحاكم من خلال الفصائل العسكرية التي ساهمت بإنشائها".

أما في ريف دمشق فقد بيّن الصحفي عمر السيد أحمد وهو أحد أعضاء المجلس المحلي في الرحيبة في القلمون الشرقي بريف دمشق لـ"السورية نت" أن الهيئة الشرعية تشكلت أثناء تشكيل المجلس المحلي للبلدة، وذلك بعد طرد قوات النظام من البلدة. وأضاف أنه تم دعوة "الشيوخ الموثقين للمشاركة في هذه الهيئة فقبل بعضهم وأكثرهم أحجم عن المهمة".

وأضاف: "بدأت الهيئة بخمسة مفتين، وكان دورها إفتائياً أكثر منه قضائي، ولكنها كانت تصدر أحكامها التي هي على شكل فتاوٍ في كثير من القضايا".

من الفصائل إلى المدنيين

وجدت فصائل المعارضة أن الحاجة أصبحت ملحة لتشكيل محاكم للفصل في قضايا المدنيين الذين يقيمون في مناطق سيطرة المعارضة. وصارت وجود هذه المحاكم ضرورة ملحة مع ازدياد الحاجة لضبط تلك المناطق، وخصوصاً مع انتشار السلاح، وغياب رقابة الدولة.

وبحسب الصحفي عمر السيد أحمد فعند تشكيل المجلس العسكري الأعلى في المنطقة "تم تشكيل دار عدل تتبع له، وهي تتشكل من ثلاث محاكم: صلح وطعون واستئناف، تركزت اثنتان منهم في بلدة الرحيبة لحل مشاكل المواطنين وبقيت واحدة في أماكن تمركز قوات المعارضة في الجبل".

وأشار عمر إلى أن "دار العدل مازالت قائمة، وصارت حالياً تدار في البلدة من قبل قضاة شرعيين مجازين من معهد الفتح الإسلامي أو من كلية الشريعة".

وأوضح عمر أن "الكتيبة الأمنية أو جهاز الشرطة يتبع لدار العدل، وقد كانت هذه الكتيبة سابقاً ممولة ومدعومة من فصائل المعارضة المسلحة، أما اليوم فيتم العمل لتحويلها لشكل مدني".

من جهته يقول الحقوقي يوسف لـ"السورية نت" إن بعض "هيئات السجل المدني بدأت بالاعتماد على الأختام التابعة للنظام، بهدف تسجيل الولادات وحالات الزواج والطلاق، وعدد من المعاملات المدنية الأخرى، بهدف الحصول على اعتراف وموثوقية لهذه المعاملات".

وبيّن أن هذه المحاكم ليس لها حتى الآن أي اعتراف قانوني، وليس لأحكامها أي سلطة خارج المنطقة التي تمت بها، وأشار إلى بعض الهيئات القضائية الأخرى التابعة للمعارضة قد لا تعترف بأحكام هيئات قضائية مماثلة لمجرد خلاف شرعي مع الفصيل الذي تتبع له هذه الهيئة.

قانونية المحاكم

وحتى الآن ورغم مرور خمس سنوات على الحرب السورية، ورغم غياب رقابة الدولة على مؤسساتها ضمن المناطق الخارجة عن سيطرتها، مازالت الدول والدوائر الحكومية في الدول التي لجأ إليها السوريون لا يعترفون إلا بأختام حكومة النظام.

ورغم وجود حكومة مؤقتة للمعارضة ووزارة للعدل فيها، لم يتم الاعتراف بقانونية كل ما يصدر عن هذه الحكومة أو الوزارة.

وبحسب القانوني يوسف فإن المحاكم الشرعية لا تتبع لوزارة العدل في الحكومة المؤقتة. وقد أكّد الصحفي عمر من ريف دمشق هذا أيضاً، حيث لا تتبع محاكم منطقته لوزارة العدل في الحكومة المؤقتة أيضاً.

وحول قوة أحكام هذه المحاكم يرى الحقوقي يوسف أن "هذه المحاكم تستمد قوتها من قوة الفصائل المرتبطة بها وغالباً ما تطبق هذه الأحكام بطريقة كيفية، أما الضامن لهذه الأحكام فهو الفصائل العسكرية التي أنشأتها لارتباط هذه المحاكم بالفصائل العسكرية الموجودة على الأرض"

وبرأيه أن "هذه الضمانة غير كافية لعدم الإجماع عليها من كافة أفراد المجتمع وفضلاً على ذلك فهي لا تتبع حتى الآن لأي نظام قانوني معين وإن كانت بعض المحاكم اتبعت نظاماً قانونياً كالقانون العربي الموحد إلا أنها لا تتقيد به لضعف الخبرات الموجودة في هذه المحاكم".

من جهته بيّن الصحفي عمر أن القانونيين في القلمون الشرقي أحجموا عن المشاركة في المحاكم، ومع ذلك فإن المواطنين تقبلوا هذه المحاكم وذلك لسرعة تعاملها مع الأحداث وعدم وجود تكاليف مادية لهذه الدعاوى والمحاكمات.

وبيّن أن "سلطة المحاكم مستمدة من سلطة الفصائل العسكرية واتفاقها على شرعية المحاكم، وهي من ينفذ الأحكام إن كان هناك ضرورة، مثل السجن أو الإعدام أو تجريف مبانٍ أقيمت على أراضي الغير مثلاً".

حقوق قد تموت

حتى الآن مازال المدنيون السوريون في مناطق المعارضة يخضعون لشكلين من المحاكمات، بعضها يتبع لمحاكم الفصائل المسلحة التي تحكم مناطقهم، وخصوصاً تلك المحاكم التي تختص بفصل الخلافات الداخلية ضمن المنطقة كالسرقة والقتل والخلافات الأخرى المشابهة، وبعضها يخضع للنظام وخصوصاً فيما يتعلق بتسجيل الأراضي أو معاملات الزواج والطلاق وتسجيل النسب.

ويخشى كثير من السوريين من ضياع حقوقهم المالية والمدنية، وخصوصاً في المناطق التي لا يستطيع فيها المواطن الخروج لدوائر الدولة لإتمام معاملته، إما بسبب كونها محاصرة من قبل النظام، أو خوفاً من الاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية التابعة له.

ويقول "أبو محمد" وهو اسم مستعار لمواطن يعيش في أحد مناطق سيطرة المعارضة في ريف دمشق لـ"السورية نت" إنه لم يستطع تسجيل عقد شرائه لأرض في بلدته خوفاً من الاعتقال، وقد اكتفى هو والمشتري بتثبيت هذا العقد في المحكمة الشرعية في المنطقة.

ويبحث "أبو محمد" عن وسيلة لتسجيل هذا العقد وحفظ حقه في الأرض، بطريقة قانونية معترف بها، وخصوصاً أن البائع وحتى الشهود الذين شهدوا على البيع لم يعودوا موجودين في المنطقة، وليس معه لإثبات حقه سوى ورقة موقعة من المحكمة الشرعية في منطقته.