‘د. حسن حنفي يكتب: العنف والتغيرات الاجتماعية’

2 نيسان (أبريل - أفريل)، 2016
5 minutes

د. حسن حنفي

انتهي العالم الكولومبى كاميلو توريس في دراساته الاجتماعية إلى أنه لا يمكن إحداث أي تقدم في البلاد النامية إلا بتغيير البناء الاجتماعي فيها، وأنه لا يمكن تغيير هذا البناء الاجتماعي إلا بالعنف، وهو ما حدث في كوبا على سبيل المثال. فالعنف هو الوسيلة الوحيدة لإحداث التغيرات الاجتماعية والثقافية في البلاد النامية، وفق هذه النظرة اليسارية الثورية.

لقد غير العنف طبيعة المجتمعات الريفية بوجه عام على النحو الآتي: أولاً إذا كانت هذه المجتمعات ينقصها التخصص وتقسيم العمل، وبتحضير دورها الاجتماعي في أضيق الحدود (السوق، النشاط الديني، النشاط العائلي)، فإن العنف فرض احتياجات اجتماعية جديدة على الفلاح، وجعله يشعر بضرورة التخصص وتقسيم العمل. وهناك جماعات مختصة بالحرب، وأخرى بجمع المعلومات، وثالثة بالاتصال بالفلاحين، ورابعة لتأمين الإمدادات، وخامسة للمساعدات الاجتماعية، وسادسة للعلاقات العامة والإعلام.. إلخ. وكما اتسع الدور الاجتماعي للفلاح في التجربة الكوبية، فقد أصبحت مهمته المراقبة، ومعاونة رجال العصابات في بيئات أخرى من أميركا اللاتينية، أي أن المجتمع الريفي بدأ يتحول من الجماعة إلى المجتمع، ومن الترابط الآلي بين الأفراد إلى الترابط العضوي، على ما يقول دوركايم، ومن السلوك التقليدي الانفعالي إلى سلوك قائم على العقل وعلى النقد الذاتي.

تقوم المجتمعات الريفية التقليدية على «العزلة الاجتماعية»، نظراً لغياب وسائل الاتصال الاجتماعي، لكن بفضل ظاهرة العنف اليساري الثوري تم بناء شبكة للاتصالات لخدمة «قوات الاستقلال»، خاصة المواصلات الإنسانية، والحركة الاجتماعية داخل الريف. فنشأ نوع جديد من الترابط الاجتماعي، يقوم على الترشيد، وعلى تحقيق أهداف معينة، كما نشأ نوع جديد من التضامن الاجتماعي الذي يقوم على وحدة المصلحة لا على الأسرة أو القرابة، كما نشأ ما يمكن تسميته «الوعي الطبقي لدى الفلاحين»، وإحساسهم بالانتماء إلى طبقة واحدة، لها الحق في العلم الموحد.

وتصاحب ظاهرةَ العزلة في العلاقات الاجتماعية، ووجود جماعات مغلقة، ظاهرة أخري هي الفردية التي تظهر في الملْكيات الصغيرة التي تحتاج إلى الجهد البشري الفردي أثناء المواسم الزراعية، فالمصالح هنا فردية، ولا تظهر روح التعاون إلا من خلال روح الفرد. لكن العنف قضى على هذا الطابع الفردي للجهد البشري، إذ يتطلب تنظيم «جيش التحرير» بزوغ روح الجماعة والعمل الجماعي، وهناك «قواعد تنظيم جيش العصابات» التي تقضي على العزلة الفردية، كما أن هناك العمل الزراعي الجماعي لرجال العصابات الذين هم في الوقت نفسه فلاحون. تنشأ الحاجات إلى العمل الجماعي، والدفاع الجماعي، والمطالبة الجماعية بالحقوق، والوقوف الجماعي في وجه السلطة، كما تنشأ ثقافة جماعية صادرة عن النمو الطبقي.

وهناك التنظيمات في الريف، مثل التنظيمات الحكومية والكنسية والتنظيمات الخاصة التي تكوِّن مع الفلاحين جماعات مغلقة، يشعر الفلاحون معها بالانتماء فيقولون «كنيستنا»، و«بلديتنا». لكن بعد العنف، حدث الشقاق بين الفلاحين وهذه المؤسسات التي اعتبرها الفلاحون منذ ذلك الحين مؤسسات معادية، تجب مناهضتها، لأنها خارج الجماعة، وتعمل ضدها. بعد العنف، انقسم الفلاحون قسمين: قسم مع الثورة، وهم الفلاحون الأحرار، وقسم ضد الثورة، وهم الفلاحون المحافظون، وظهر قسم ثالث هم الفلاحون الشيوعيون المعارضون للسلطة القائمة. بعد العنف أصبح قادة الفلاحين موجهين حقيقيين لحياتهم، بدلا من القادة القدامي الموظفين الذين لا يخرجون من مكاتبهم. وظهرت قيادة فلاحية جديدة، تنبئ عن وجود طلائع ثورية، يمكن الوثوق بها.

كان المجتمع الريفي يشعر دائماً بعقدة نقص أمام مجتمع المدينة، لكن بعد الثورة حلت هذه العقدة، وأصبح الفلاحون هم القادة الحقيقيون للمجتمع المدني بل أصبح لديهم إحساس بالتفوق على مجتمع المدينة، فقد هزم رجال العصابات الجيش الرسمي للحكومة، وانتصر مجتمع الريف على مجتمع المدينة.

المصدر: الاتحاد

أخبار سوريا ميكرو سيريا