معتز حيسو يكتب: مقدمات انهيار الدولة المركزيّة السوريّة



معتز حيسو

بالمقارنة بين التجارب الفيديرالية في البلدان المتقدمة والإعلان عن تشكيل المجلس التأسيسي للاتحاد الفيديرالي الديموقراطي لروج آفا، نلحظ أن الأولى تأسست على أرضية ثقافية ومجتمعية حداثية مكّنت تلك الشعوب من تقرير مصيرها بنفسها، فجاءت الفدرلة استجابة لإرادة تعاقدية، وتعبيراً عن حاجات داخلية، متوّجةً ترسخ السلم الأهلي وسيادة منطق التقدم. أما إعلان الفيديرالية الكردية فيتعلق باعتقاد الأكراد بملاءمة الظروف الدولية، ونتيجة لتصدُّع التعايش بين الطوائف والمذاهب والقوميات بفعل الحرب الراهنة. هكذا أعلن عن الفيديرالية في لحظة «تفكك الدولة والمجتمع» والحضور الطاغي لقوى دولية وإقليمية اشتركت في معاداتها قيم الحداثة والتنوير، وفي ظل مناخ عالمي يتّسم بالفوضى والأزمات.

في السياق ذاته، فالنظر إلى سورية عبر مكوناتها الأولية يؤدي إلى تذريرها على أسس قومية ودينية وطائفية وعشائرية ومناطقية، بينما تقتضي اللحظة الراهنة تأكيد حق جميع السوريين بالتمتع بالحقوق التي أقرتها المواثيق الأممية، ومعالجة أوضاع الأكراد وغيرهم من الأقليات في إطار دستور جديد، وانطلاقاً من الحوار بين السوريين.

وتطابُق حدود الفيديرالية والحدود الجغرافية التي ترسمها الحرب يؤسس لفيديرالية فاشلة، فيما التداخل المذهبي والطائفي والقومي يحدُّ من قيام مناطق صافية عرقياً أو مذهبياً في أي نموذج فيديرالي محتمل، ما يجعل الكيانات المحتمل نشوؤها مدخلاً لحروب مديدة وانهيار الدولة المركزية واستبدالها بنماذج أخرى وظيفية أكثر هشاشة وتأزماً.

وإذا كانت معالجة التحولات المذكورة تقتضي امتلاك السوريين زمام أمورهم، فتفريغ سورية من قواها السياسية والاجتماعية الحقيقية، وتحويلها ملعباً مفتوحاً تتحكم في مفاتيحه أطراف إقليمية ودولية تتباين في توجهاتها ومصالحها، يفتحان الطريق أمام تشظّي سورية، وما تحمله من لمحات حضارية.

إن فدرلة سورية أو تقسيمها أو فرض النموذج اللبناني عليها سيساهم في تعرّضها لمزيد من التدخلات الدولية، ويجعلها رهينة تناقضات ومصالح دول كبرى متعددة. إضافة إلى أنه يساهم في تجدد الصراع على أسس ومقدمات تستند إلى خطوط استنزاف جديدة تتجاوز في أبعادها التدميرية تقسيمات سايكس بيكو. إضافة إلى أن إعادة ترسيم الخرائط تتم في معزل عن السوريين، وفي ظل تجاهل الإجماع السوري الذي يحتاج تظهيره إلى مناخات سياسية مستقرة يستطيع فيها السوريون التعبير عن إرادتهم في شكل حر ومستقل. فالمجتمع السوري يتمتع بالتعدد والتنوع الثقافي. وبمقدار ما يحمل ذلك من ميزات إيجابية في ظل أوضاع سياسية واجتماعية مستقرة، فإنه يتحوّل إلى أكثر المصادر خطورة في حال تم توظيفه سياسياً. ونشدد في هذا السياق، على أن نموذج الحكم الطائفي يفتح الباب واسعاً أمام تمكين مبدأ المحاصصة، وهيمنة زعماء الطوائف والطغم المالية، ويرتبط مع تعميق الارتهان السياسي والتبعية الاقتصادية للرأسمال العالمي. هكذا، فالإعلان الأحادي لبعض الفصائل الكردية عن الفيديرالية على جزء من الجغرافيا السورية، يتقاطع مع التصريح الذي أدلى به السيد سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، ومع ترويج واشنطن ما بات يُعرف بـ «الخطة باء». وجميعها يكشف عن أخطار تفتيت بنية الدولة المركزية وتحويلها، في سياق الصراع الراهن، إلى كانتونات مأزومة تغلق الأبواب أمام أي تحوّل سياسي وطني ديموقراطي يؤسس لبناء دولة علمانية موحدة. فكيف حين نضيف أن الآليات التي تشتغل عليها المجموعات الجهادية التكفيرية تشكل تهديداً مباشراً للأقليات؟.

المصدر: الحياة

أخبار سوريا ميكرو سيريا