‘بوسطن غلوب: إذا كانت أوروبا في حرب فهي في تحارب مع نفسها’
3 نيسان (أبريل - أفريل)، 2016
بوسطن غلوب –
أصبحت فكرة كيفية التصدي للهجمات الإرهابية في المجتمع الدولي تتخذ منعرجا مهمًا على الصعيد الدولي، على أعقاب الهجمات الانتحارية التي استهدفت كلاً من مطار بروكسل ومحطة المترو وخلّفت 31 قتيل و300 جريح.
حيث أعلنت أوروبا مؤخرا أنها في حالة حرب، لكن السؤال المطروح هو من العدو؟ علمًا وأن الهجمات الإرهابية التي استهدفت العواصم الأوروبية نفّذها إمّا مواطنون من مواليد بلجيكا أو فرنسا وبالتالي فإن هذه الدول هي بالأساس في حرب مع نفسها. أما السؤال الثاني هو لماذا تمّ استهداف هذه البلدان بصفة خاصة؟
يعتبر عدم قدرة أوروبا على دمج السكان المسلمين في مجتمعاتها أحد الأسباب العميقة لاستقطاب هذه البلدان للمجموعات الإرهابية. ويمثّل هذا السبب المشكل الرئيسي المستمرّ لمدة قرن تقريبا والذي أدّى إلى تغلغل وتجذّر الإرهاب في أوروبا.
في بداية العشرينات، بدأت بعض التساؤلات تُطرح في هذا السياق، والتي تتمحور حول أسباب احتلال معظم الشعوب الإسلامية في جميع أنحاء العالم من قبل المستعمر الأوروبي. وعلى الرغم من أنها كانت أكثر الشعوب تقدمًا في العلم والأدب، كان مصيرها الغرق في بحور الاستعمار الأوروبي.
وفي هذا السياق، كتب الراحل فؤاد عجمي من جامعة جونز،” منذ ذلك العصر بدأت المجتمعات المسلمة النظر في العالم “المدنس” من حولهم الذي يتسم بتركيبة مدن غريبة، بتوجهات ثقافية صادمة، بطرق غريبة في معاملة الأجانب وباستقصاء متعمدٍ للغرباء، حيث شعر العالم الإسلامي أنه في أزمة مستمرة، أما الرجال والنساء الشباب الذين لجئوا لهذه البلدان، فقد شعروا بالحاجة الملحة إلى الانسحاب والرغبة في تدمير هذه البلدان”.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بدأت القوى الاستعمارية الأوروبية بالانسحاب من إمبراطورياتهم الاستعمارية. وفي نفس الوقت، كان على أوروبا سدّ ثغرة النقص الرهيب في اليد العاملة التي تعانيه، حيث جلب البريطانيين الباكستانيين لتشغيلهم في المدن الصناعية الخاصة بهم وجلب الفرنسيون العديد من سكان شمال أفريقيا. أمّا الألمان، فقد قاموا بانتداب العديد من الأتراك بعد سنة 1919.
حيث لعبت اليد العاملة المسلمة دورا مهمًا في سدّ هذا النقص وكان معظمهم من الناس الذين لديهم صعوبة في التكيف مع الحياة في بلدانهم مثل؛ عاصمة باكستان إسلام أباد، أو اسطنبول، وغيرها من المناطق الفقيرة.
ووفقا لهذا التاريخ القديم، أصبحت تلك اليد العاملة الفعّالة في السابق، عنصرا غير مرغوب فيها في الوقت الراهن في أوروبا الغربية، على عكس أمريكا التي لم تكن وجهة مستقطبةً للمهاجرين.
في الواقع، منذ اكتشاف القارة الأمريكية إلى حين نهاية الحرب العالمية الثانية، استقطبت أمريكا حوالي مئة مليون أوروبي. أمّا اليوم فهذه العملية تتخذ عكس هذا الاتجاه، فالمهاجرين من المستعمرات السابقة يتدفقون إلى أوروبا، وهذه الظاهرة لم ترق لأوروبا بتاتا.
حيث كانت رغبة الجيل الأول من المهاجرين إلى أوروبا في ذلك الوقت الحصول على عمل فقط ولم تكن لهم النية في الاندماج في هذه المجتمعات الغريبة. أما الأجيال الثانية والثالثة كانت علاقتها مع الدول التي جاء منها آبائهم وأجدادهم شبه منقطعة، ولكن كانوا يشعرون أنهم غير مرغوب فيهم في هذه البلدان. ممّا أدّى إلى إحساسهم بالعزلة والاستقصاء.
فالتجأت بعض هذه الفئات المهمّشة إلى المساجد، أين وجدوا الترحيب من قبل تنظيم القاعدة و تنظيم الدولة واستطاعوا الإحساس بانتمائهم الديني بالإضافة إلى شعورهم بالإثارة بالانتماء إلى تنظيم سري يربط جميع المنظمات الإرهابية، سواء كانوا من المسلمين أو العلمانيين.
وفي الختام، إن السياسات الاستعمارية لأوروبا ضدّ المجتمعات المسلمة دفعتها إلى عدم القدرة على استيعابهم. وفي هذا السياق ذاته، أعرب طبيب مسلم في فرنسا عن استيائه من تلاشي مفهوم الحرية، المساواة والإخاء ومن عدم تكافؤ الفرص بينهم وبين الأوروبيين الأصليين. وكما أضاف، أن مجرد حصولك على اسم إفريقي كافيا لعدم حصولك على وظيفة في هذه البلدان. كما إن الحرب لن تحلّ هذه المشكلة.