داود البصري يكتب: هل سيتم ترحيل نظام دمشق لمزبلة التاريخ؟



داود البصري

تصاعد الحرب السورية وتزايد الوحشية المفرطة للنظام السوري أخيراً في ضرب المدنيين ومحاولة قضم المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بدعم تعبوي وستراتيجي واضح وصريح من الحليف المافيوزي الروسي والإرهابي الإيراني والجماعات الطائفية المتجحفلة معهم، هي تحركات الهدف منها إظهار قوة النظام المتلاشية، ومحاولة يائسة منه للعبور نحو ضفة إعادة التسويق وإعادة عقارب الساعة للوراء، فالنظام السوري وقد أفلس بالكامل لا يمتلك سوى عقلية إدارة المغامرة والمراهنة على كل شيء، ومحاولة صناعة انتصارات ميدانية وهمية لن تنفع في سد رتق وفتق النظام الذي اتسع على الآخر!

والتصريح الأخير لوزير الخارجية الأميركي جون كيري حول توافق أميركي- روسي مزعوم لترحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد لدولة ثالثة في مرحلة معينة كثمن واجب الدفع لإنهاء الكارثة السورية، هل يمثل مصداقية حقيقية لخطة دولية معينة تحاول الدول الكواسر تطبيقها في سورية بالتدريج، أم أنه مجرد بالون اختبار يطلق في الهواء لقياس ردود الفعل، بينما الأوضاع تتجه نحو مسارات أخرى ومختلفة؟

فالجهد العسكري الروسي في سورية يتطور نحو نهايات متوحشة وعدوانية من خلال المشاركة الميدانية الروسية للمستشارين العسكريين وقوات النخبة الخاصة وسلاح الجو الروسي في قضم مناطق المعارضة السورية المسلحة وتحسين الموقف التفاوضي للنظام، والعمل الحثيث بالتعاون مع حلفاء النظام السوري الآخرين، كالنظام الإيراني ومجاميع العصابات الطائفية المسلحة الإرهابية التابعة لحزب حسن نصر الله الإرهابي، وجماعات “الحشد الطائفي” العراقية التي تعتبر المعركة في الشام معركتها الخاصة للحفاظ على القلاع المتقدمة لمراكز النفوذ الإيرانية في الشرق.

وقائع إدارة أحوال الصراع السوري منذ ستينات القرن الماضي لا تدعم أبدا أي إمكانية لأن يترجل النظام الحاكم عن صهوة القيادة، وبالتالي فإن أي حديث محلي أو عربي أو دولي عن إمكانية رحيل بشار الأسد عن السلطة طوعا وسلما ووفق عملية سياسية معينة هو حديث خرافة لا يعتد به أصلا، ولا يمكن أن يكون منطلقا لأي تصورات واحتمالات مستقبلية قريبة.

لقد ورث بشار نظام عائلي ذات جذور طائفية وتحالفات إقليمية قوية وراسخة تعززت وتجذرت أساساتها منذ أربعة عقود، كما أن تحالفاته الخاصة والاستخبارية مع الكتلة الشيوعية السابقة ووريثتها المافيوزية الروسية الحالية لا تسمح بأي اختراق لتلك المنظومة المتشابكة، وقد تصرف بشار الأسد بموجب تلك القناعات أخيراً وأطلق سلسلة من التصريحات المثيرة للسخرية حول تعديلات دستورية وعملية سياسية وهمية، مصورا نفسه ونظامه على كونه المنقذ للشعب السوري، رغم أن المآسي الجارية على الأرض السورية منذ مارس 2011 قد فاقت مجازر المغول في بلاد الشام، وإن حجم الخراب الهائل الذي تسبب به نظام دمشق لا يمكن التعامل معه إلا من خلال محاكم دولية مختصة بملفات الإبادة البشرية!

النظام لا يخجل أبدا بعد خمسة أعوام من التدمير الممنهج ومن مصارع مئات الالآف من السوريين تحت تعذيب أجهزة المخابرات السورية من الحديث عن تشكيل حكومة جديدة تحت قيادة بشار وكتابة دستور جديد بدلا من ذلك الذي كتب في العام 2000 وأصبح بموجبه الرئيس الوريث للديكتاتور الراحل حافظ الأسد في جمهورية الوراثة لعصابات الصمود والتصدي والتوازن الستراتيجي الذي عبر عن نفسه وهويته خير تعبير من خلال استعمال أسلحة الصمود المزعوم من صواريخ وأسلحة كيماوية وبراميل قذرة بأجساد السوريين!

لاشك ان بشار في دعواته الإصلاحية يريد أن يضيف لألقابه لقب بطل التدمير.. والسلام الملغوم أيضا، في محاولة بائسة ويائسة للضحك على التاريخ وعلى حتميته المتمثلة في انهيار الطغاة وتحويلهم لمزبلة التاريخ، ولكنه في واقع الحال لا يضحك إلا على نفسه وبشكل رث ومثير للسخرية حقا، فلا يوجد أي طرف وطني سوري حقيقي مستعد للمشاركة في إعادة إنتاج وتسويق النظام وصناعة مهزلة تاريخية لا يمكن أن يكون لها حظ من التطبيق، كما أن النظام ووفقا لماهومعروف عنه وعن طبيعته لا يمكن له أبدا التنازل للإرادة الشعبية أو الخضوع لرأي الجماهير، وهو الأمر الذي كان باستطاعته منذ بداية الأزمة قبل خمسة أعوام تجنيب البلد كل هذه المأساة!

النظام السوري كأي نظام قمعي متغلب معتمد على القهر والظلم واستباحة الدماء لا يؤمن إلا بسياسة العنف المفرط والحلول الأمنية الصرفة، وهو نظام لا يرى أبعد من أنفه وقد أهدر فرصا تاريخية حقيقية للتغيير السلمي الهادئ بدءا من قمعه للحراك السياسي لأهل ربيع دمشق، وليس انتهاء بالسخرية من معاناة أطفال مدينة درعا وأصابعهم المقطوعة على أيدي جلاوزته الطغاة! ن

ظام بهذه الوحشية والفظاظة والإرهاب لا يمكن له أن يغير جلده ويتحول لحمل وديع ولديمقراطي مسالم، فمن شب على شيء شاب عليه، ونظام دمشق يمثل آخر معاقل الاستبداد الفئوي العسكري الكريه، وقد حانت نهايته مهما امتلك من قوة دعم دولي وإقليمي، فالشعوب الحرة في نهاية المسار هي من تقرر مستقبلها وليس الطغاة التافهون الحالمون بإعادة التأهيل!

المصدر: السياسة

أخبار سوريا ميكرو سيريا