داود البصري يكتب: التغيير الحقيقي في العراق… مهمة مستحيلة



داود البصري

تتحدث النخب السياسية العراقية عن تغييرات حقيقية في قمة هرم السلطة والعملية السياسية، وتدق الطبول وتقرع الأجراس وتسمع الجعجعة، ولكن لم يتوفر الطبيخ! وليس ثمة نتائج حقيقية في ضوء التفنن في إعادة تعليب وتغليف الفشل! وهومادرجت عليه النخبة السياسية التعبانة في العراق التي تزحف على بطنها لإدارة الفشل.

فوسط حقول الألغام العراقية، ومن عمق حالة الإحتقان الدائم التي تميز الوضع السياسي والعسكري والأمني، وفي خضم حالة التشابك للملفات الإقليمية وتزاحم السيناريوهات المتسارعة، لازالت العملية السياسية الكسيحة تناور في محورها، ولا زال التغيير المنشود بعيد المنال والمآل في بلد ضيع قادته من إمكانياته ومقدراته الشيء الكثير، فبعد إنجلاء غبار التشابك بين التيار الصدري وحكومة العبادي التي يشكل ذلك التيار جزءا مركزيا من تكوينها، وبعد الإنسحاب المسرحي لمقتدى الصدر من خيمة إعتصامه في المنطقة البغدادية الخضراء، أعلن العبادي مشروعاً تغييرياً للحكومة طارحا أسماء ومرشحين لبعض الوزارات من دون المساس بحقيبتي الداخلية والدفاع! وكان التطور الملفت للنظر يتمثل في ترشيح الشريف علي بن الحسين الهاشمي راعي الحركة الملكية الدستورية، والطامح إلى إعادة الحكم الملكي للعراق الذي أسقطته دبابات العسكر في إنقلاب 14 يوليوالدموي العام 1958 لحقيبة وزارة الخارجية خلفا لإبراهيم الجعفري الذي فشل فشلا ذريعا في تسويق العراق خارجيا وأظهر عجزا كارثيا في إدارة شؤون وزارة ستراتيجية لم يستطع أبدا الإرتقاء لمستواها!، ورغم أن الشريف علي المحسوب سياسيا على كتلة دولة القانون المالكية لم يمارس أي نشاط ديبلوماسي أومهني سوى تمثيله للحركة الملكية الدستورية إلا أن إستيزاره للخارجية يبدوالهدف منه واضحاً وهو إدامة صلات التواصل مع المحيط الخليجي والعربي، فللشريف علاقات خاصة ومهمة مع أطراف عربية وخليجية وهوبشخصيته الهادئة قد يصلح جزئيا من الخراب الكبير الذي تسبب به إبراهيم الجعفري المتأزم نفسيا والمتعصب طائفيا، والفاشل في أداء جميع المهام التي كلف بها بدءا من رئاسته الكارثية للحكومة العراقية عامي 2005/2006 وحيث إندلعت الحرب الطائفية ووصولا للخارجية التي حولها لكارثة ديبلوماسية حقيقية، ومن خلال متابعة الخطوات التغييرية للعبادي تتضح محدودية التغيير، وعدم القدرة على تجاوز حالة الفشل والتكسيح الشامل في إدارة الدولة، التحالف الطائفي العراقي يعاني من إنقسامات ذات جذور قديمة بسبب عوامل المنافسة والصراعات بين أطراف التحالف الواحد وخصوصا تيار نوري المالكي الذي يهمه كثيرا إستمرار الفشل السلطوي من أجل تأمين حلم العودة للسيطرة على محاور السلطة، وقد جاءت حركة مقتدى الصدر وتفعيل الإعتصامات الجماهيرية لتياره لتشعل نار الصراع المحتدم وحيث هدد أطراف من التحالف ومنهم قيادة حزب «الدعوة /تنظيم» العراق جماعة الصدر بعواقب وخيمة تصل لدرجة التشابك الدموي وبما يمزق البيت الطائفي ويخلط كل الأوراق، ويؤسس لصراعات داخلية إن بدأت فلن تتوقف بسهولة، ويبدوأن إنسحاب مقتدى الصدر من الإعتصام وتقويض خيمته بطريقة سريعة ومفاجئة قد نزع فتيل إنفجار محتمل كان سيؤدي لنتائج دموية بدلالات واضحة ومؤثرة!

التشكيلة الحكومية الناقصة التي أعلنها العبادي وقدمها للبرلمان لم تضم تغيير وزيري الدفاع والداخلية اللذين أثيرت حول أدائهما علامات إستفهام عديدة!، ويبدوأن الداخلية وهي التي تقودها «حركة بدر» وثيقة الصلة بالنظام الإيراني تشكل حلقة صعبة في مسلسل التغيير لكونها تخضع لمواصفات لابد من أن تشمل جوانب لها علاقة بهوية وآيديولوجية السلطة أي أن التأثير الإيراني والتنسيق مع مؤسسات النظام الإيراني الأمنية والعسكرية لابد أن تكون حاضرة، فقيادة وزارة الداخلية هي نفسها قيادة الحشد الشعبي التي تخوض المعارك ضد تنظيم الدولة وبقية الجماعات المسلحة الأخرى، والسيطرة على وزارة الداخلية لايمكن أن تتم من خلال وزير تكنوقراطي بل من خلال وزير آيديولوجي منتمي وقريب لجماعات الحشد والحرس الثوري أيضا، وكان من أكثر المرشحين كفاءة للوزارة هو الفريق توفيق الياسري الذي ورد إسمه كثيرا في الكواليس من دون التمكن من عبور تحفظات كبرى عليه من أطراف طائفية، فهو كان مرشحاً للداخلية في العام 2005 ، لكنه تعرض للخطف من جماعة عبد العزيز الحكيم «المجلس الأعلى» وقتذاك من أجل منعه من الترشيح، واليوم تبدو مؤشرات الصراع على وزارة الداخلية واضحة وقوية لذلك تم تأجيل حسم مصيرها بذريعة الإنشغال في إدارة المعارك مع تنظيم الدولة! ورغم إنفلات الأوضاع الأمنية وإستمرار مسلسل التفجيرات المتنقلة في بغداد وخارج أسوار المنطقة الخضراء.

التغيير في العراق صعب المنال، بل أنه مهمة مستحيلة وسط مسلسل الفضائح والرشاوي المتراكمة التي كانت آخرها فضيحة رشاوى الشركة الإيرانية في موناكو لقيادات كبيرة في وزارة النفط!، وهي القضية التي ستتفاعل حتما خلال الأيام المقبلة، التغيير في العراق مجرد إضاعة وقت لإعادة تسويق الأزمة للأسف فقط لاغير.

المصدر: السياسة

أخبار سوريا ميكرو سيريا