زيارة الملك سلمان إلى مصر: حاجة كل منهما إلى الآخر أكبر من “الخلافات المستترة”


رأى محللون في زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى مصر أنها استثنائية، ليس لأنها الأولى منذ توليه عرش المملكة خلفاً لأخيه الملك عبد الله فحسب، وإنما أيضا للرغبة المشتركة للطرفين تجاه إمكانية التوصل إلى تفاهمات مشتركة حول الملفات الإقليمية، بعدما برزت الخلافات المستترة، وخصوصا في الملف السوري، وأثَرت بقدر في العلاقات الثنائية طيلة العام الماضي.

ومن الواضح أن الجانبين المصري والسعودي يراهنان على الزيارة الملكية لتسوية الخلافات، أو على الأقل تدوير زواياها، في ظل حاجة كل منهما إلى الآخر، وفقا لتعبير صحيفة “السفير” اللبنانية.

إذ السعودية تحتاج إلى الحليف المصري في الترتيبات القادمة، لتقوية حلفها في مواجهة التمدد الإيراني، وربما الطريق إلى هذا، أو جزء مهم منه، بضمان تمكين الحكم من تجاوز دائرة الخطر، كما يجب أن تزول الكثير من الحساسيات بين النظام المصري وحلفاء آخرين للسعودية مثل تركيا وقطر.

وللتذكير، فإن مصر تشارك في تحالف عسكري عربي تقوده السعودية في اليمن لقتال الحوثيين المدعومين من إيران، لكنها تمتنع عن إرسال قوات برية. ونقلت مصادر إعلامية عن دبلوماسيين غربيين في القاهرة والخليج أن ذلك أدى إلى توتر العلاقات بعض الشيء، لكن الرياض قبلت في نهاية الأمر أسباب مصر وتأكيداتها العلنية بأنها ستدافع عن السعودية في مواجهة أي تهديد خارجي.

وقالت مصادر مسؤولة في مصر، وفقا لما نقلته تقارير إعلامية، إن السيسي يريد أن تسهم الزيارة في تخفيف التوترات وجذب المزيد من الاستثمارات السعودية وطمأنة الرياض بشأن دعم القاهرة لموقفها إزاء اتساع نفوذ إيران في المنطقة

ويرى متابعون أن الجانب السعودي ما زال ينظر إلى مصر باعتبارها الظهير الإستراتيجي الوحيد القادر على دعمه، ولو جزئياً في الكثير من الملفات الإقليمية المشتعلة، ولا سيما في ما يتعلق بالصراع ضد إيران، وحشد التأييد لخطوات سياسية تصب في هذا الصراع، ولذلك فإن كثيرين في مصر وخارجها قد نظروا إلى القرار المصري بوقف بث قناة “المنار” عبر قمر “الـنايل سات” عشية الزيارة الملكية، على أنه رسالة واضحة للملك الضيف، خصوصاً بعد استجابة القاهرة للضغوط السعودية بشأن تصنيف “حزب الله” منظمة “إرهابية” في البيان الأخير للجامعة العربية.

وأما بالنسبة لمصر، فلا شك في أنها ما زالت في حاجة إلى الدعم السعودي لاقتصادها الذي يعاني من أزمة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، كانت نتيجتها تقلص احتياطي العملات الصعبة إلى مستويات خطيرة، وهو ما دفع المملكة النفطية إلى توجيه رسالة واضحة في هذا السياق عبر الحديث عن ضخ أربعة مليارات إضافية في السوق المصرية، إلى جانب التعهد بتزويد “الحليف” المصري بمشتقات نفطية، تصل قيمتها إلى نحو عشرين مليار دولار للسنوات الخمس المقبلة على الأقل.

ويرى مراقبون أن التطورات الإقليمية الأخيرة قد أسهمت في القرار السعودي – المصري بتدوير زوايا الخلافات. ذلك أن مسار التفاوض في حرب اليمن من جهة، واحتكار الأميركيين والروس لممحاولة السيطرة الميدانية والسياسية على الصراع في سوريا، على حساب القوى الإقليمية الأخرى، قد جعلا ممكناً التركيز على عوامل التقريب على خط القاهرة – الرياض، وبالتالي القفز فوق الخلافات التي طفت على سطح العلاقات الثنائية منذ رحيل الملك عبد الله.

وربما أصبح الجانب المصري يدرك أن السعوديين تخطوا مرحلة الدعم من دون مقابل ملموس، ولذلك فإن ثمة مؤشرات واضحة على أن هناك تنازلات سيقدّمها كل من السيسي وسلمان للآخر، وقد يكون أبرزها تكريس التفاهمات حول سوريا واليمن، وإيجاد مخرج مرض للمطلب السعودي بشأن تطبيع العلاقات المصرية – القطرية – التركية، إلى جانب القضايا ذات البعد الثنائي، كما كتبت “السفير”.

ويبدو واضحا أن حفاوة الاستقبال الرسمي المصري التي رافقت وصول الملك السعودي إلى القاهرة، تعكس رغبة الطرفين في ترتيب ملفاتهما الثنائية والإقليمية.

والمهم بالنسبة للجانب المصري أن الزيارة الملكية تأتي لتؤكد الدعم السعودي لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مختلف المجالات، بدءا من الجانب العسكري وحتى الاقتصاد.

ذلك أن السعودية ودول الخليج أغدقوا على نظام السيسي بالمساعدات منذ عام 2013، لكن يقول مراقبون إنها شعرت بالإحباط على نحو متزايد بسبب عجز حكومة السيسي وضعف الاقتصاد وتقلص الدور المصري على الصعيد الإقليمي.

ومن المتوقع، وفقا لمصادر دبلوماسية، أن يكشف المسؤولون خلال الزيارة عن استثمارات سعودية قيمتها أربعة مليارات دولار، وكذا الإعلان عن اتفاقات للتعاون بشكل أوثق في عدد من المسائل من القوات المسلحة إلى الاقتصاد.