كيف تزيد وسائل التواصل الاجتماعي من نرجسية مستخدميها؟

9 أبريل، 2016

أبلغني ابني المراهق مؤخرًا أن هناك مسابقة على الإنترنت لاختبار النرجسية، وكان صديقه قد شارك في هذا الاختبار، سألته: “كيف كانت النتيجة؟”، فأجابني: “كانت رائعة، لقد حصل على الدرجة النهائية!”.

عندما كنتُ طفلًا، لم يتحدث أي شخص خارج مهنة الصحة العقلية عن النرجسية، لقد كان الناس أكثر اهتمامًا بالتقدير المنخفض للذات، وهي مشكلة نفسية كانت كامنة وراء جميع الصعوبات التي يواجهها الإنسان في الحياة، ومثل الكثير من التجاوزات في سبعينات القرن المنصرم، نُسجت عقيدة حب الذات خارج نطاق السيطرة، واجتاحت ثقافتنا مثل اجتياح غودزيلا لطوكيو.

ازدياد الـ “أنا”

في عام 2010، وجدت دراسة بمجلة علم النفس الاجتماعي وعلم الشخصية أنَّ نسبة طلاب الجامعات الذين يُظهرون سمات الشخصية النرجسية بناءً على نتائجهم في قائمة الشخصية النرجسية – وهو اختبار تشخيصي يستخدم على نطاق واسع – قد زادت بنسبة تجاوزت النصف منذ أوائل الثمانينات ووصلت إلى 30 بالمئة.

في كتابهما “وباء النرجسية“؛ يوضح أساتذة علم النفس جان توينغ وجورج كيث كامبل أنَّ النرجسية زادت بنفس سرعة السمنة منذ ثمانينات القرن الماضي، حتى الأنا تزداد يومًا بعد يوم.

“لقد أفسدت النرجسية الجدل السياسي حول دونالد ترامب، إنه نرجسي بشكل لافت للنظر”، كما يقول عالم النفس التنموي هوارد غاردنر في حوار مع مجلة فانيتي فير، وأضاف: “لا أستطيع أن أقول ما إذا كان ترامب نرجسيًا أم لا، لكنني أختلف بشأن التأكيد على أنه إذا كان نرجسيًا فهذا أمر رائع”.

إنها مشكلة باهظة الثمن، فعلى الرغم من استمتاع النرجسيين في كثير من الأحيان بمستويات عالية من الرضا الشخصي، إلّا أنهم يخلقون حالة من الفوضى والبؤس مِن حولهم، وهناك أدلة دامغة تربط بين النرجسية وانخفاض الصدق وزيادة العدوانية، ومن الأمور اللافتة للنظر في عيد الحب أن النرجسيين يعانون من أجل الالتزام تجاه شركائهم؛ لأنهم يعتبرون أنفسهم في مكانة أعلى منهم.

وعلى الجانب الآخر، فإن الشخص النرجسي قد يرد على ذلك قائلًا: “وماذا في ذلك؟”، ولكن النرجسية ليست خيارًا حتميًا بين عدة بدائل؛ إنها مجموعة من الأعراض التقدميّة (مثل إدمان الكحول) أكثر من كونها حالة تعريفية (مثل مرض السكري)، لذا فالملايين من الشعب الأمريكي تظهر عليهم هذه الأعراض، ولكنهم لا يزال لديهم ضمير ورغبة في تحسين أخلاقياتهم، وعلى أقل تقدير فهم لا يريدون أن يكونوا أشخاصًا سيئين.

جذب اهتمام الآخرين

ولحل هذه المشكلة، علينا أن نفهم ماهيتها أولًا، ولذلك تساعدنا الفلسفة في هذه المهمة تمامًا مثل علم النفس، ففي القرن الثامن عشر، كتب الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو عن “حب الذات” وهو ما عرّفه على أنه “حب الذات بناءً على آراء الآخرين”، مشيراً إلى أنه أمر غير طبيعي وغير صحيّ، واعتقد أن المقارنة الاجتماعية بين الناس دفعتهم إلى تبديد حياتهم في محاولة جذب اهتمام الآخرين.

ويبدو أن هذا يصف الوباء الذي نعاني منه في عالمنا اليوم؛ وفي الأسطورة اليونانية يحكى بأنَّ “نرجس” أو “نرسيسوس” لم يقع في حب نفسه بل في حب انعكاس صورته على الماء، بينما نرى في النسخة الحديثة أن “نرسيسوس” يقع في حب صوره على إنستغرام، ويعاني طوال الليل والنهار لإحصاء عدد متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي.

إذا كانت الـ “أنا” تعاني من تضخم مفرط في حب الذات، فإنه يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تغذينا هذا “الحب” الذي نعاني منه، لذلك، فالمواقع مثل إنستغرام وغيره لا تخلق شخصًا نرجسيًا، ولكن تشير الدراسات إلى أنها بمثابة عامل محفز، ومنصة مثالية لتسهيل ما يسميه علماء النفس “هوس حب الظهور”، فيما يسمى بـ “نزعة المرء إلى عرض قدراته والتباهي بها”، ولا شك أنك رأيت هذا في بعض الأشخاص، وربما رأيت القليل من ذلك في نفسك وأنت تنشر “صور السيلفي”، ثم تتابع عدد “اللايكات” التي حصلت عليها تلك الصور.

النرجسية الصحية

إنَّ حب الذات الصحيّ الذي يؤدي إلى السعادة الحقيقية هو ما أطلق عليه روسو “حب الذات الخاص”، الذي يبني الرفاهية الذاتية للفرد، خلافًا لإشباع الرغبة الضحلة في إثارة إعجاب الآخرين، حيث يتطلب “حب الذات” أن تكون مليئاً بالحياة في هذه اللحظة، بدلًا من أن تكون على قيد الحياة ظاهريًا وفي الوقت نفسه تتساءل: “كيف يراني الآخرون؟”، ويمكن اعتبار الاتصال الروحي مع شخص آخر، والاستمتاع بالمشي وحيدًا (دون أن تشارك الناس التجربة على انستغرام أو فيسبوك) أو الدعاء لطفلك وهو نائم (دون أن تضع صورته على وسائل التواصل الاجتماعي)، على أنها تعبيرات عن حب الذات.

إن ترجمة حكمة روسو إلى خطة شاملة لإنقاذ ثقافتنا، وهو ما يبدو أمرًا مبالغًا فيه بعض الشيء، يمكن أن يساعد كل منا في تسليط الضوء على خصائص الشخص النرجسي؛ إنها استراتيجية لتحسين الذات تجمع بين حب الذات الصحيّ وتضحية صغيرة من أجل الطرف الآخر.

كيف نتخلص من النرجسية؟

أولًا، جرب اختبار الشخصية النرجسية (الرابط باللغة الانجليزية)، وإذا حصلت على “درجة كبيرة” مثل صديق ابني، فربما يكون قد حان الوقت للتفكير مرة أخرى، واسأل نفسك: “هل هذا هو الشخص الذي أريد أن أكون عليه؟”.

ثانيًا، تخلص من الوجبات العاطفية السريعة التي تغذي الهوس الذاتي غير الصحيّ، من خلال عمل قائمة بالآراء التي تريد أن تتجاهلها، وخاصة آراء المتملقين ومن ينقدونك، وراجع تلك القائمة كل يوم، ثم قرر ألّا تضيع لحظة واحدة في محاولة إقناع الآخرين أو لفت انتباههم، بل حاول التعامل معهم (ومع نفسك) بلطف وحسن خلق، سواءً كانوا يستحقون ذلك أم لا.

ثالثًا، انتقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة، ضع مشاركاتك لتتواصل مع الأشخاص وتمدحهم وتتعلم منهم، وليس للترويج لذاتك أبدًا، ما الذي لديك لتخسره؟ فقط ذاتك المشوّهة المبعثرة على وسائل التواصل الاجتماعي التي ترغب في الحصول على الإطراء.

هل هذه الممارسات سهلة؟ بالطبع لا، ولكني أعلم أنك تستطيع أن تفعل ذلك، فبالرغم من كل شيء، أنت الأفضل.

9 أبريل، 2016