كيف يمكن أن يمزق الشقاق الداخلي تنظيم الدولة الإسلامية


ذا ناشيونال إنترست –

في مقالة منشورة بتاريخ 25 مارس بصحيفة وول ستريت جورنال، وصف مات برادلي الصراع الواضح المتزايد بين المقاتلين المحليين والأجانب التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. ويرجع جزء من هذه التوترات إلى عوامل تتعلق بالقتال في ساحات المعارك، وخاصة تلك الساحات التي تعاني من خسائر تدريجية في الأرواح والثروات والأراضي. ولكن جزءا آخر من هذه التوترات ينبع من التصور، بحسب برادلي، القائل بأن المقاتلين الأجانب غالبا ما يعاملون بشكل أفضل من المقاتلين المحليين – بالنظر إلى المناصب التي يشغلونها والرواتب التي تدفع لهم والاحترام الذي يتمتعون به- وأنهم لا يعبأون كثيرا  بالعادات والتقاليد المحلية. وقد أثارت هذه العوامل مجتمعة غضب واستياء المقاتلين المحليين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية.

ويثير هذا الأمر اثنين من النقاط المثيرة للاهتمام. أولا، الانقسامات والعنف داخل تنظيم الدولة الإسلامية أمر مشاهد وحقيقي، ولكنه لا يستوفى حقه من حيث التقرير والتحليل الكافيين فيما يتعلق بحالة تنظيم الدولة الإسلامية اليوم. ثانيا، أشارت التقارير الإخبارية إلى أن عكس ما يرمي إليه برادلي صحيح أيضا وهو أن المقاتلين الأجانب غالبا ما تتم معاملتهم بشكل أسوأ بكثير من المقاتلين المحليين.

وفي بعض الحالات، تتم معاملة المقاتلين الأجانب، وخاصة المقاتلين القادمين من الهند وباكستان وأفريقيا ممن ينظر إليهم على أنهم أقل حماسا من المقاتلين العرب، على أنهم عناصر غير مهمة ويتم وضعهم في الخطوط الأمامية للقتال لمواجهة عنف الحرب، كما يتم “خداعهم” من أجل تنفيذ تفجيرات انتحارية، في حين لا يمكن لأعضاء تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر قيمة أن يعانوا من مثل هذه الوحشية. ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك. إذ لم تتحقق وعود الحصول على الثروة والحياة المرفهة. بل يجبرون على تنفيذ مهام وضيعة، مثل تنظيف دورات المياه والطهي والعمل كأشباه عبيد لأعضاء تنظيم الدولة الإسلامية الآخرين”الحقيقيين”. كما يتم التحكم في حياتهم اليومية وقمعها من قبل قادة تنظيم الدولة الإسلامية. ويعتقد هؤلاء المقاتلين الأجانب أن ولاءهم لتنظيم الدولة الإسلامية يكون مفيدا فقط عندما يعملوا كأداة للدعاية. ولكن بشكل عام، شعر الكثيرون بسوء المعاملة من قبل قيادة تنظيم الدولة الإسلامية.

إذن، ما الذي يحدث؟ ما الذي يفسر تبياين الرويات المختلفة لكيفية تعامل تنظيم الدولة الإسلامية وتفاعله مع المقاتلين المحليين والأجانب؟ أحد الطرق المفيدة للإجابة على هذه الأسئلة هو الاستعانة بعلم النفس الاجتماعي والسياسي، واستكشاف موضوع ديناميكية الجماعات. بشكل أساسي، تعد التصدعات الموجودة داخل تنظيم الدولة الإسلامية نتاج معتقدات وتصورات حول من يمثل حقا جوهر تنظيم الدولة الإسلامية. باختصار، من هم الأعضاء الحقيقيون الذين يمثلون تنظيم الدولة الإسلامية ومن هم المزيفون والأدعياء؟ هذا هو جوهر المشكلة.

والحقيقة هي أنه على الرغم من أن بعض الأفراد الذين يسافرون إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية يعتبروا من الناحية الفنية والصحيحة منتمين للجماعة، إلا أن العديد منهم لا ينظر إليهم على أنها حقا من “داخل الجماعة”: أنهم يعاملون كغرباء أصحاب منزلة ليست كبيرة.

وتشتمل الخصائص المميزة للمنتمين إلى الجماعة حقا على عوامل مثل العرق والدين بطبيعة الحال. العرب السنة هم القوة الحقيقية للتنظيم. ولكن العوامل الأخرى، مثل الاتصال المسبق مع أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية (وخصوصا كبار القادة) والخبرة العسكرية والثروة، تعتبر أيضا عوامل مهمة للغاية. وهذه العوامل تمكن المجندين الجدد من تقديم مساهمة ذات قيمة مضافة للتنظيم، من حيث المهارات والموارد، وهي عوامل حيوية بشكل عام، ولكنها ضرورية بشكل خاص في هذه المرحلة حيث تتقلص الموارد المالية لتنظيم الدولة الإسلامية بشكل متزايد، وتفقد أراضيها، وتتعرض قياداتها للهجوم وتخسر قادتها الرئيسيين.

كما نعلم أيضا أن النساء، بغض النظر عن العرق والجنسية، قضية مهمة أيضا لتنظيم الدولة الإسلامية. حيث يباشرن مهام الطبخ والتنظيف ورعاية الأطفال، كما يمكن الذهاب أبعد من ذلك، إذ يستخدمن  لجذب المجندين الذكور الجدد للمشاركة في القتال ضد أعداء تنظيم الدولة الإسلامية المختلفين. ولكن كما أشارت ميا بلوم ،وآخرون، فإن النساء يشعرن بخيبة أمل بسبب دورهن ووظيفتهن داخل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، فهذه ليست هي الجنة التي وعدن بها.

ولكن هناك الكثير من أعضاء التنظيم الآخرين الذين لا يحظون بتقدير كبير من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. وعادة ما يُنظر إلى المجندين القادمين من جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا، والذين يجاهدون لأول مرة، والفقراء، والمجندين غير المهرة عسكريا كغرباء. وفي بادئ الأمر، يتم الترحيب بهم لجذبهم إلى الجماعة، ولكن بعد ذلك تتغير الأمور: حيث تتلاشى حالة الود والدفء وقائمة الوعود الطويلة وتحل مكانها حالة من العداء والعنف. وينظر إلى هؤلاء المجندين على أنهم غير موثوق بهم، وأنهم يفتقدون الدوافع، ويساهمون قليلا في القتال العسكري والايديولوجي لتنظيم الدولة الإسلامية. ولذلك، يتم التعامل معهم بشكل فظيع، سواء داخل أو خارج ساحة القتال. وتجربتهم ليست تجربة مثالية في عالم مثالي. بل يعيشون في عالم أوسع يفضل في الغالب التعاون والعيش في سلام مع شعوب العراق وسوريا.

وهناك استثناءات بالطبع لهذه القاعدة. وتشمل هذه الاستثناءات مقاتلي جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا الذين أثبتوا أنفسهم في المعارك، مثل الجهاديين الذين شاركوا في حرب أفغانستان في الثمانينات. ولكن الغالبية العظمى من هؤلاء المقاتلين الأشداء من ذوي الخبرة ظلوا موالين لتنظيم القاعدة بسبب الصلات الشخصية القديمة. في الواقع، بالنسبة لهؤلاء المقاتلين، يعد أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية ، “طفل ولد لتوه ظهر أمس”.

إذن نحن نرى أن ديناميكية الجماعات ،داخل/خارج الجماعة، تنطبق على الجماعة التي تجد نفسها بالفعل في حالة حرب مع من هم خارج الجماعة (الغرب والمسلمين الشيعة والجماعات والدول التي تتحالف مع الشيعة و الغرب والحكام المستبدين في الشرق الأوسط، وغير ذلك..). وتعكس هذه الديناميات السائدة داخل تنظيم الدولة الإسلامية مشاركتها على المسرح العالمي.

وتساعد حججنا على فهم لماذا تحرص الجماعات الإرهابية خصوصا على إثبات حسن نيتهم الجهادية تجاه التنظيم. ولذلك ليس من المفاجئ كثيرا أن تخطط الخلايا الإرهابية في إندونيسيا وماليزيا، على سبيل المثال، باستمرار لارتكاب العنف. إذ يحدث هذا ليس بسبب كونهم متطرفون أيديولوجيا أو قتلة فقط، على الرغم من أهمية تلك الأمور، بل لأنهم يريدون أن يحظوا باهتمام قيادة تنظيم الدولة الإسلامية التي عادة ما تولي اهتماما قليلا لمقاتلي جنوب شرق آسيا. انهم يريدون أن يحوزوا الاعتراف بهم والهيبة لكونهم تابعين معترف بهم لتنظيم الدولة الإسلامية، مما يرفع من تصنيفهم في النظام الهرمي لتنظيم الدولة الإسلامية، والذي يمكن أن يؤدي إلى الحصول على المزيد من الأسلحة، والتدريب والتمويل الذي يتم تقديمه إلى مواقعهم.

كما أن الحجج المقدمة هنا هي أيضا ذات صلة وثيقة بصنع السياسات في العالم. وبشكل خاص، يمكن أن تساعد الحكومات في سعيها لوضع وصقل برامج مكافحة الإرهاب الفعالة. وعلى سبيل المثال، المعلومة القائلة أن تنظيم الدولة الإسلامية يشن، إلى حد ما، صراعا داخليا ضد مجموعات معينة في التنظيم، تسمح للحكومات والوكالات التابعة لها بتصميم أفضل لحربها الدعائية ضد الدولة الإسلامية: انها تمكنهم من استهداف فئات معينة من السكان يحتمل أن تكون متعاطفة مع تنظيم الدولة الإسلامية عن طريق تقديم الأدلة المنطقية والواقعية لمصيرهم المحتمل.