لماذا وافقت مصر علي الجسر البري مع السعودية بعد 28 عاما من الرفض؟ وما الثمن؟


جمال محمد –

كانت مفاجأة كبيرة أن يعلن الملك سلمان بن عبد العزيز إنه اتفق خلال مباحثاته مع الرئيس المصري عبد الفتاح، على إنشاء جسر بري بين مصر والسعودية، لأن هذا الجسر سبق أن رفضه نظام الرئيس المخلوع مبارك علي مدار 28 عاما، وقيلت أسباب واهية عن رفض بناؤه مثل “الشعاب المرجانية”.

وبرغم أن العاهل السعودي، قال في مؤتمر صحفي مشترك بثه التلفزيون المصري، أن الجسر سيكون منفذا دوليا للمشاريع الواعدة بين مصر والسعودية، فقد بدأت تعليقات من سياسيين ونشطاء تشير لأن مصر دفعت ثمنا لقبولها بناء الجسر هذه المرة بعد رفض استمر 28 عاما.

وربط نشطاء بين اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والحديث عن المؤكد عن تنازل القاهرة عن جزيرتي صنافير وتيران، اللتان تعتبرهما السعودية ملكا لها وتقول إنها سمحت لمصر باحتلالهما عام 1950 ابان الحرب مع اسرائيل، وبين توقيع اتفاقية الجسر كثمن.

ولكن اللواء محمود خلف الخبير العسكري والاستراتيجي، قال على موقعه فيس بوك أن جزيرتي تيران وصنافير، هما في الأصل أراضٍ سعودية، وتنازلت عنها لمصر في عام 1949 إبان حرب فلسطين، ثم احتلتها إسرائيل في حرب يونيو1967، وتسلمتها مصر عقب اتفاقية السلام وأصبحت تابعة للمنطقة “ج” في سيناء.

وألمح نشطاء بحركة 6 أبريل لتقديم مصر تنازلات غير معلومة.

قصة الجسر الذي أقلق إسرائيل

وبدأت فكرة الحديث عن إنشاء جسر بري يربط بين مصر والسعودية، منذ 28‏ عاماً مضت، حيث طرحت خلال اجتماع القمة المصرية السعودية بالقاهرة بين الملك فهد بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين والرئيس حسني مبارك عام‏ 1988.

واتفق الجانبان خلال البيان المشترك على إنشاء جسر يربط البلدين عبر مضيق تيران بمدخل خليج العقبة ويعبر البحر الأحمر ليكون طريقاً برياً مباشراً يربط بين الدول العربية، لكن توقف المشروع تماماً ولم يأخذ طريقه إلى النور.

وكانت ملامح الجسر في تلك الفترة، تدور حول أنه يربط مصر من منطقة منتجع شرم الشيخ مع رأس حميد في منطقة تبوك شمال السعودية عبر جزيرة تيران بطول 50 كيلومترًا.

وقدر في ذلك الوقت أن يبلغ طوله ما بين 23 إلى 50 كلم ويختصر زمن الرحلة بين مصر ودول شمال إفريقيا وبين دول شرق خليج العقبة، السعودية ودول الخليج جميعا وسورية والعراق والاردن إلى 20 دقيقة فقط.

وكانت تقدر تكلفة المشروع في تلك الفترة نحو 3 مليارات دولار أمريكي، على أن يتم الانتهاء منه خلال 3 سنوات، وأنه لن تدفع مصر أو السعودية دولارًا واحدًا بعد أن تقدمت مجموعات اقتصادية عالمية لتنفيذ المشروع بنظام (BOT).

وظلت المناقشات حول مشروع الجسر الضخم قائمة لعدّة سنوات؛ وتم تأجيل المحاولات المصرية السعودية لبناء الجسر لأسباب مالية في عام 2006، ثم تم إعلان الرفض التام في 2007 بدعاوي أنه يضر السياحة في شرم الشيخ، وفي ظل إعراب إسرائيل عن معارضتها للمشروع.

وقال الرئيس الأسبق مبارك في مقابله له عام 2007، ”إن ما أثير عن وضع حجر أساس لهذا الجسر مجرد إشاعة لا أساس لها من الصحة، وأرفض تماماً إقامة الجسر أو أن يخترق مدينة شرم الشيخ”.

وأرجع مبارك رفضه “إلى أن مرور الجسر بمدينة شرم الشيخ سيؤدي إلى الاضرار بالفنادق والمنشآت السياحية ويفسد الحياة الهادئة والآمنة هناك، مما سيدفع السياح إلى الهروب منها، وهذا أمر لن أسمح به أبدًا”.

ولكن صحف الاحتلال الإسرائيلي تحدثت في ذلك الوقت، عن وجود قلق من وجود جسر يربط بين مصر والسعودية، حيث أشارت إلى قلق تل أبيب من أن يؤدي الجسر إلى تهديد أمن الملاحة في خليج العقبة.

وقال موقع صوت إسرائيل باللغة العربية، ”إن إسرائيل تعارض فكرة إقامة الجسر البري بين مصر والسعودية، نظرًا لأن الدراسات الهندسية أوضحت وقوع هذا الجسر فوق جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل خليج إيلات، الأمر الذي سيجعل الجسر يمثل تهديدًا استراتيجيًا على إسرائيل”.

ومضائق تيران تعد من أهم المضائق المائية الاستراتيجية للأردن وإسرائيل، حيث يعد هو المنفذ البحري الوحيد للأردن وإسرائيل على البحر الأحمر، كما أن دوريات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تنشط في هذه المضائق لضمان حرية الملاحة.

وسبق لمصر أن قامت بإغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية ما أدّي إلى نشوب حرب 1967، وتخشي تل ابيب ان يؤثر الجسر علي حريتها في الحركة في البحر الاحمر.

وعاد الحديث مجددًا بعد ثورة يناير 2011، مجددا إلى إنشاء الجسر بين البلدين، ولكنه كان مقتصر على تصريحات بين المستثمرين فقط، ولم يأخذ الشكل الرسمي.

مكاسب الجسر للعرب خسائر لإسرائيل

وتعد مكاسب هذا الجسر للعرب، في حالة بناؤه، خسائر للدولة الصهيونية المشروع اذ بينما سيكون بمقدور العرب للمرة الأولى منذ العام 1948 ومنذ قيام دولة إسرائيل، أن تتصل دول شمال أفريقيا بطريق مباشر مع بقية الدول العربية في الشرق الأوسط بدون أن يمروا بإسرائيل، ستخسر الدولة الصهيونية الترويج للتطبيع كدولة تتوسط العرب.

وكانت حركة السكك الحديدية قبل قيام اسرائيل تيسر هذا التواصل بين العرب، ولكن عقب قيام الدولة الصهيونية أصبح لابد من المرور عبر إسرائيل من دولة عربية إلى أخرى بالقطارات، فضلاً عن التقييد الشديد لحركة مرور السيارات

ومن شأن الجسر أيضا أن يقلل الاعتماد على العبارات، والتي تكون رحلاتها محفوفة بالمخاطر، وهذا السبب الذي جعل البعض يطرح المشروع في العام 2006 عقب غرق عبارة السلام المصرية وعلى متنها 1400 راكب.

أيضا الجسر سيختصر المسافة بين البلدين إلى 23 كلم ويستغرق عبوره حوالي 20 دقيقة فقط، وسيخدم ملايين المصريين أو العرب أو الأفارقة الذين يتوجهون للسعودية بغرض الحج أو العمرة أو العاملين بمنطقة الخليج.

ويعتقد المخططون أن الرسوم التي سيدفعها ملايين السائحين نحو الأماكن المقدسة بالسعودية ستعوض تكاليف المشروع بسرعة والتي مقدر لها أن تصل إلى 5 مليارات دولار، كما أنه من المتوقع أن يزداد عدد الحجاج والمعتمرين مع بناء الجسر، حتى ان تقديرات المكاسب يقدرها البعض بـ 200 مليار دولار سنويًا.

أيضا سيصاحب بناء الجسر آثار اقتصادية وجيوسياسية، فالسعودية ستكون قادرة على تصدير النفط عبر السكك الحديدية إلى الأسواق والموانئ الأفريقية براً، وبذلك ستتغير أنماط الشحن بشكل كبير حيث سيختفي جزءٌ كبيرٌ من حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر.

ما هو الثمن؟

96bd94bc-15f6-4b37-b531-282bca1d70fd

برغم أن مصر والسعودية لم يعلنا حتى الآن تفاصيل اتفاق الجسر البري ولا الاتفاقية الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين المملكة ومصر، إلا أن تقارير مجهولة على مواقع التواصل، أشارت لأن من بنود اتفاق اعادة ترسيم الحدود المائية بين البلدين إعادة مصر الجزيرتين المتنازع عليهما الي السعودية مقابل 2 مليار دولار سنويا، و25% من قيمة الغار والبترول المستخرج منهما.

ويربط مروجو هذه التكهنات بين حاجة نظام السيسي الشديدة للدعم السعودي في ظل تفاقم الاوضاع الاقتصادية، خاصة مع توقع عقوبات ايطالية واوروبية على مصر تزيد الضغوط على مصر، وبين توقيع البلدين 17 اتفاقية اقتصادية أيضا كحافز للطرف المصري.

ويقولون ان تأجيل زيارة الملك سلمان لمصر عدة مرات ثم قيامه بهذه الزيارة التاريخية استهدف تحقيق أهداف حيوية واستراتيجية منها تقوية الحلف السني ومنها انهاء أزمة الجزر المتنازع عليها والحدود البحرية في ظل مؤشرات ظهور النفط والغاز بنسب معقولة في المنطقة.