مصر تحاول إخضاغ مواقع التواصل الاجتماعي بالقانون
9 أبريل، 2016
يستعد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في مصر لاستقبال تشريعات جديدة يعتزم البرلمان إصدارها لتنظيم عملها، بذريعة خطورتها على الأمن القومي، وتجاوزها للخطوط الحمراء، وتسببها في تهديد السلم العام.
وقال النائب جمال عبدالناصر، صاحب مقترح تقنين أوضاع مواقع التواصل الاجتماعي أمام جلسة البرلمان الاثنين الماضي، إن “الغرب باع فيسبوك لمصر حتى يبتزها، ولا بد من وقفة أمام تجاوزاته”. وتتزامن هذه التحركات مع قيام الحكومة المصرية بوقف برنامج مجاني لخدمات فيسبوك نهاية مارس الماضي.
كما تنظر محكمة القضاء الإداري في مصر، في دعوى قضائية تطالب بغلق مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها تستخدم في التحريض على أعمال العنف، وتقرر أن يكون النطق بالحكم يوم الـ15 من مايو المقبل.
واعتقل الجهاز الأمني في مصر العشرات من الأشخاص بحجة التحريض على الدولة، لكن النظام نفسه يتعامل مع المواقع باعتبارها قوة لا يستهان بها، وأكثر قدرة على التغيير من الإعلام التقليدي. وقد وقعت إقالة وزيري العدل السابقين، بسبب الهجوم الشرس عليهما من قبل مستخدمي هذه المواقع، بعد أن صدرت عنهما تصريحات لم ترق لجمهور فيسبوك في مصر.
وذهب فريق من الخبراء في الاتصالات وأمن المعلومات إلى التحذير من الخلط بين حماية الأمن والتضييق على الحريات، بما يتنافى مع ما أقره الدستور المصري الصادر في العام 2014، بشأن توسيع نطاق الحريات.
وأكد محمد منصور، أستاذ فنون الاتصال وتكنولوجيا المعلومات بالمعهد العالي للاتصالات، أن النظام المصري لا يمكنه حجب مواقع التواصل الاجتماعي. واستشهد بأن نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك فشل في ذلك وقت ثورة 25 يناير 2011، ولجأ إلى قطع الإنترنت، ولم ينقذه ذلك من مصيره.
كما أن التصدي لتهديدات الأمن القومي لا يتطلب تشريعات بقدر ما يحتاج إلى رقابة محايدة للصفحات التي تناهض الدولة، بعيدا عن تضييق الحريات.
وأشار لـ”العرب” إلى أن بعض نواب البرلمان يحاولون الانتقام من مواقع التواصل لأنها تسخر من أفعالهم داخل المجلس، ويستغلون دورهم التشريعي في رد الاعتبار لأنفسهم ليس أكثر.
وأضاف أن حماية الدولة من التهديدات ودعوات العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي ممكنة من خلال تتبع المحرضين واللجوء إلى إدارات المواقع للكشف عن هوية مؤسسي هذه الصفحات، بعد تقديم الأدلة على إدانتهم، أو استحداث برامج يمكن من خلالها رصد ما يدور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإرسال تنبيهات في حالة وجود ما يمس بالأمن القومي.
ويتخوف بعض المراقبين من التمادي في الخلط بين الحفاظ على الأمن القومي وكبح الحريات والتضييق على مستخدمي هذه المواقع، وإلغاء أهم صفاتها وهي التعبير عن الرأي، محذرين من صدور قانون لا يكفل الحريات ويتعامل مع كل ما هو مخالف لرأي الحكومة على أنه ضد الأمن العام.
وقال عادل بدوي الخبير في أمن المعلومات، إنه من الأفضل صياغة مواد جديدة ضمن قانون جرائم المعلومات، من شأنها وضع ضوابط لتعامل الأفراد مع مواقع التواصل، وتتعاون الدول العربية لأجل التصدي لدعاة التطرف والإرهاب، لا سيما أن أغلب من يهددون الأمن القومي المصري يعيشون خارج البلاد.
لم ينكر في تصريحات لـ”العرب” أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة للانتقام حتى من جانب أشخاص لبعضهم البعض، وانتشار الجرائم الإلكترونية، من نصب وسرقة ودعوات لهجرة غير شرعية وتدشين صفحات خاصة بإذاعة أرقام هواتف وعناوين قيادات بالجيش والشرطة لتسهيل استهدافهم.
لكن من المؤكد أن وضع حد لمثل هذه التجاوزات يتطلب أن تكون لدى الجهاز الأمني خبرات كافية في التعامل مع الفضاء الإلكتروني. وهناك شبه إجماع لدى قطاع كبير من المتابعين على أن مصر لن تستطيع وقف مواقع التواصل الاجتماعي، وأن أقصى ما يمكن عمله تقليل عدد المستخدمين، وحتى الرقابة عليهم لن تكون سهلة، لأن إدارة فيسبوك رفضت طلبا مماثلا للحكومة المصرية من قبل.
المخاوف الحقيقية أن تتوسع دائرة “تهديد الأمن القومي”، لتصل إلى حد استهداف معارضي النظام ولو بالكلمة، واعتبار أنهم ضمن من يهددون الأمن ويكدرون السلم العام، وأن العقوبات سوف تطولهم في حال الخروج على النص.
في هذا السياق، قال محمود محيي الدين، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب لـ”العرب” إن الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل، والهجوم على الدولة من خلال الصفحات يؤثر على خطط النهضة، ولا يصح بأي حال تشويه الإنجازات التي تقوم بها الحكومة، لخدمة أعداء الوطن، خاصة وأن هذه الأخبار والمعلومات المغلوطة تثير البلبلة واليأس عند الناس.
واستبعد استهداف التشريعات الجديدة للحريات، شريطة أن تكون الحرية مسؤولية، بعيدا عن تزييف الحقائق ونشر ما من شأنه إثارة الرأي العام وخدمة أصحاب الأغراض المشبوهة.