المتابع للداخل الاقتصادي السعودي يدرك تمامًا أن هناك نيران تشتعل جراء العجز المتفاقم بسبب الهبوط المستمر لأسعار النفط، والمملكة على أعتاب – أو دخلت بالفعل – أزمة مالية طويلة ستدفع النمو الاقتصادي للانخفاض إلى 1.5% هذا العام وإلى 1% العام المقبل مقارنة بـ3.4% في 2015، أرقام المركزي السعودي قالت إن المعروض النقدي في المملكة انكمش في فبراير، وذلك للمرة الأولى في أكثر من 10 سنوات، وهذه علامة تدل على تباطؤ حاد بالاقتصاد السعودي.

الموازنة سجلت عجزًا قارب على الـ100  مليار دولار العام الماضي، ويزيد عن 120 مليار دولار حال احتساب تكلفة حرب اليمن، وتعمل الحكومة على تخفيض الإنفاق وزيادة الضرائب والاتجاه للخصخصة لتقليص العجز، والوزارات خفضت من إنفاقها بما لا يقل عن 5% كإجراء تقشفي، والبلاد تواصل السحب من الاحتياطيات المالية لتجنب حدوث ركود اقتصادي ومحاولة سد العجز، فقد وصلت الاحتياطيات المالية في عام 2014 إلى 746 مليار دولار، لكنها هوت لنحو 584 مليار دولار في فبراير.

من جهة أخرى يزيد التضخم إشعال النيران فقد سجل ارتفاعًا حادًا بسبب إجراءات التقشف، وقفز معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 4.3% في يناير وهو أعلى مستوى له في أكثر من ثلاث سنوات مقارنة مع 2.3% في ديسمبر.

النيران دفعت المملكة كذلك للاتجاه للخصخصة سواء فيما يخص شركة أرامكو أو المطارات أو شركات أخرى، حيث إن طريق الخصخصة هو الطريق القصير بجوار التقشف الذي يراه أصحاب القرار في المملكة الحل الأمثل للقضاء على العجز، فقد قاموا بإجراء تغييرات جذرية على الاقتصاد، ويدرسون فرض المزيد من الضرائب، بما فيها ضريبة قيمة مضافة بقيمة 5%، وهي أول ضريبة تفرضها السعودية.

المملكة تتجه للاعتماد أكثر على الضرائب، وذلك لتعويض ما تفقده من عائدات النفط، هذا هو منطق الحكومة ورؤيتها، لكنها لا تبدو قلقة، رغم أن هذه الأرقام في الحقيقة مثيرة للقلق بشكل كبير، لكن الغريب أن المسؤولين في المملكة لا يظهر عليهم هذا القلق، لماذا؟!

كما ترون يبدو أن كل مظاهر الأزمة الاقتصادية لا تكلف “آل سعود” شيئًا، فكل الثمن يدفعه المواطن السعودي، من فاتورة التضخم، الضرائب، وهو من يتحمل معاناة التقشف، هو من ينام ويستيقظ ليجد فاتورة المياه قد ارتفعت بنسبة 3000% دفعة واحدة!

إذًا المواطن السعودي هو من يدفع الفاتورة، وأيضًا الأجيال القادمة تدفع، فالاحتياطي الذي يعد من حقهم بدأ يتبدد يومًا فيوم، لذلك قد لا تجد على وجه أولياء أمر المملكة شيئًا من القلق، فهم لن يدفعوا فاتورة الحساب بل حَمَّلوها للمواطن.

قد يتخيل البعض أن كل السعوديين يعيشون في ترف، ولكن عندما تنظر إلى مشكلة كالسكن مثلاً، وتعرف أن 60% من السعوديين لا يملكون مسكنًا خاصًا، وأن نحو 30% من المُلاّك يقطنون مساكن غير لائقة، ربما ستعيد التفكير في وجهة نظرك، لن أتحدث كثيرًا عن المشاكل التي تواجه السعوديين فيكفي ما ذكرت لتعرفوا من يحترق بنيران السعودية التي يُتهم آل سعود في إشعالها من البداية.

النيران لا تؤذي السعوديين فقط، فهناك جيش من العمالة المهاجرة في السعودية،  سيدفع الضريبة مضاعفة، فهؤلاء العاملون من الدول الفقيرة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا سيتحملون إجراءات السعودية القاسية، والتي قد تؤدي إلى تسريح عددًا كبيرًا منهم، فالبلاد بها نحو 10.2 مليون في 2015، وذلك بنحو 32% من السكان المقيمين.

وبحسب بيانات الأمم المتحدة فقد استضافت المملكة في العام 2015، نحو 1.9 مليون مهاجر من الهند، و1.3 مليون من إندونيسيا، و1.1 مليون من باكستان، و970 ألفًا من بنجلادش، و730 ألفًا من مصر، و620 ألفًا من سوريا، و580 ألفًا من اليمن، و365 ألفًا من أفغانستان، و365 ألفًا من السودان، و380 ألفًا من نيبال، و200 ألف من ميانمار، و180 ألف من الأردن، و125 ألفًا من إثيوبيا، و115 ألفًا من لبنان.

الفكرة في هذه العمالة لا تقف عند هؤلاء الأشخاص فقط بل إن بعض الدول تعتمد على التحويلات النقدية من هذه العمالة، فبحسب النقد الدولي، فإن تحويلات العمالة المهاجرة بالسعودية في 2014 بلغت نحو 36 مليار دولار، إذًا أي تغير في هذا النظام سيحرق دول فقيرة تعتمد على هذه التحويلات وبالتأكيد لا يهتم آل سعود بهذا الآمر، لذلك لا داعي للقلق طالما وجد من يدفع الفاتورة، فلا بأس ببعض التقشف ومزيد من السحب والكثير من تسريح العمال.. إلخ.