هل بدأ العقاب الإيطالي لمصر بشأن قضية ريجيني؟


محمد جمال –

يبدو أن التهديدات الإيطالية بعقاب القاهرة بسبب قتلها طالب الدكتوراه جوليو ريجيني تعذيبا في مصر، بدأت، وأن قطع ايطاليا المفاوضات القضائية والأمنية واستدعاء سفيرها من مصر، هو الخطوة الأولي التي ستتبعها خطوات اخري، ربما تمتد للاتحاد الأوروبي بعدما تضامن البرلمان الأوروبي مع إيطاليا في بيان أصدره فبراير الماضي.

وفي اعقاب إعلان “لويجي مانكوني” رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الإيطالي، فشل اجتماع المحققين والمسؤولين الأمنيين المصريين والإيطاليين، قالت السلطات الإيطالية مساء الجمعة 8 أبريل 2016، أنها استدعت سفيرها في القاهرة للتشاور “لإجراء تقييم عاجل” للخطوات التي ينبغي القيام بها “لاستجلاء الحقيقة بشأن القتل الوحشي لجوليو ريجيني.”

وبدأ واضحا من التعليقات الإيطالية الغاضبة أن خطوات عقابية أخري سوف تتبعها إيطاليا ضد مصر، إذ نقلت الإذاعة الرسمية عن “مانكوني” قوله: “بعد شهرين ونصف من الأكاذيب المصرية، لا يمكننا استخدام عبارات لطيفة تجاه إهانة ذكائنا من الجانب المصري”.

بل أن رئيس لجنة حقوق الانسان في البرلمان الإيطالي قال: “ليست لدينا أي ضمانة على حسن نية مصر، ولا مفر من أن يسود الشك”.

وقال وزير الخارجية، باولو جينتيلوني، على حسابه الشخصي بموقع “تويتر” في أول تعليق له بعد سحب السفير الإيطالي من مصر “إيطاليا تريد شيء واحد فقط وهو الحقيقة حول جوليو”.

وربما لأن الصدمة الأولي ازعجت القاهرة، فقد رفضت تصديقها، وقالت وزارة الخارجية المصرية، إنها “لم تُبلغ رسميا بقرار إيطاليا باستدعاء سفيرها لدى مصر للتشاور معه حول قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة”.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، إن “لم يصدر أي بيان حتى الآن عن نتائج اجتماعات فريق التحقيق المصري والإيطالي”، مشيرا لأن “وزارة الخارجية تنتظر عودة فريق التحقيق المصري والاستماع إلى تقييمه لنتائج الاجتماعات، وما قد يصدر عن الجانب الإيطالي بشأن نتائج الاجتماعات التي عقدت في روما”، في إشارة واضحة لتحسب مصر خطوات عقابية أخري.

وكان من المقرر أن يصدر بيان رسمي مشترك عن اجتماع المحققين الإيطاليين والمصريين لكنه ألغي.

قالت إيطاليا، الثلاثاء الماضي، إنها ستتخذ إجراءات “فورية وملائمة” ضد مصر إذا لم تتعاون الحكومة المصرية بشكل كامل في الكشف عن الحقيقة وراء مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.

ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني قوله للبرلمان “إذا لم يطرأ تغير في المسار (الذي تتخذه السلطات المصرية) فإن الحكومة مستعدة للتصرف واتخاذ إجراءات ستكون فورية وملائمة”.

ملف بلا معلومات حقيقة

وسلم الوفد المصري، للمحققين الإيطاليين تقريرا من ألفي ورقة حول التحقيقات في قضية ريجيني، يشمل مقابلات مع مائتي شاهد عيان على صلات مزعومة بالضحية، وصفته الصحف الإيطالية على لسان المحققين الايطاليين بأنه بلا أي معلومات.

وكشفت الصحف الإيطالية إن “الاجتماعات لم تجن سوى الفشل الذريع وخيبة الأمل”، بحسب ما يتردد في الأوساط القضائية بالعاصمة الإيطالية، وأن الجانب المصري لم يقدم ما طلبه نظيره الإيطالي في 8 فبراير، وأنه تم قطع التعاون القضائي بين البلدين.

CfRzbfaWsAA-9MC

ونقلت وسائل إعلام وصحف إيطالية عن محققين ايطاليين أن الوفد المصري لم يسلم النيابة العامة في روما سجل المكالمات الهاتفية وتتبع هاتف ريجيني، وهو ما تعتبره نيابة روما لا غنى عنه في التحقيقات.
كما كرر الوفد المصري رواية العثور على أوراق ريجيني لدى العصابة الإجرامية التي تم قتل جميع أفرادها في تبادل لإطلاق النار في 24 مارس الماضي، والتي النيابة الإيطالية أنها غير مقتنعة بها.

معلومات تمس سيادة مصر!

وقالت صحيفة “اليوم السابع” نقلا عن مصادر مقربة من الوفد الأمني القضائي، في روما أن “السلطات الإيطالية طلبت من الوفد المصري اطلاعه ليس فقط على تفريغ الاتصالات التي تم اجراؤها من هاتف الشاب الإيطالي قبل وبعد اختفائه ولكن تفريغ كافة المكالمات التي تم إجراؤها في منطقة الدقي والمهندسين، وهي المنطقة المحيطة بمنزل الضحية خلال الثلاثة أيام الأخيرة قبل وفاته وبعد الحادث والتي تقدر بنحو 2 مليون مكالمة”.

وقالت المصادر، أن “السلطات الإيطالية حاولت تعجيز الوفد المصري من خلال هذا الطلب الذي يعد مخالفا للدستور والقانون من خلال التجسس على مكالمات الأفراد في مصر، خاصة وأن عدد المكالمات المطلوب تفريغها تتعدى 2 مليون مكالمة أجراها مواطنون عاديون تصادف تواجدهم بجوار الشقة التي كان يسكنها الشاب قبل وبعد وفاته”.

ولكن نشطاء قال أن الوفد المصري هو الذي سعي لتعجيز الإيطاليين، وأن ايطاليا طلبت فقط سجل مكالمات ريجينى وأماكن رصد الموبايل قبل اختفاؤه فتحول الطلب الايطالي الي الحديث عن مس المطالب الايطالية بالسيادة المصرية وانهم يريدون تفريغ 2 مليون مكالمة.

العقوبات الإيطالية القادمة

ومع ان ايطاليا بدأت مبكرا عقاب مصر حينما قررت جمعية السياحة الإيطالية غير الحكومية، التي تضم عددا من الشركات السياحية الإيطالية الخاصة، تعليق رحلاتها ووقف جميع أنشطتها مع مصر، ما يعني، أن مصر سوف تخسر230 مليون دولار، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري (إيطاليا تسهم بـ 5.3% من إجمالي دخل السياحة المصرية من الدول الأوروبية)، يتوقع ان تتخذ خطوات اخري رسمية.

فأولي الخطوات الرسمية بدأت بسحب السفير الايطالي، وقد يتبعها إعلان مصر “غير أمنه” ما يعني مزيدا من التدمير لسمعة مصر اقتصاديا وسياسيا.

وسبق أن دعا لويجي مانكوني، رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الإيطالي، حكومة بلاده إلى استدعاء السفير الإيطالي من القاهرة، وإعلان مصر “بلدا غير آمن للزائرين” إذا لم يفض التحقيق إلى شيء.

كما سبق أن هدد وزير الخارجية الإيطالي، باولو جينتيلوني، الثلاثاء الماضي، السلطات المصرية بـ “عواقب”، لم يكشف ماهيتها، إذا لم تتعاون في التحقيقات الهادفة إلى كشف المتورطين الحقيقيين في قتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، الشهر الماضي.

ونقل التلفزيون الإيطالي الحكومي عن جينتيلوني القول: “إزاء عدم التعاون من جانب السلطات المصرية في التحقيقات المتعلقة بقضية ريجيني (28 عاما)، فإننا على استعداد تام لأن تكون هناك عواقب”.

متوقع أيضا أن تسعي ايطاليا لتسليط الاضواء على انتهاكات حقوق الانسان في مصر، وهوما بدأته صحيفة «كوريري ديلا سيرا» بنشر تقرير بعنوان: «533 حالة اختفاء قسري في مصر في الأشهر الثمانية الأخيرة»، ووضعت له عنوانا فرعيا يقول «396 شخصا مفقودا غير معلوم عنهم شيء”، في إشارة لأن الشاب الايطالي ريجيني كان أحد المختفين قسريا قبل ظهور جثمانه مشوها من التعذيب.

وقالت الصحيفة الإيطالية إن حقيقة مقتل «ريجيني» لا تزال غير معلومة، إلا أن مقتله جذب الانتباه إلى ظاهرة الاختفاء القسري.

ونشرت أسماء من أطلقت عليهم «ضحايا الاختفاء القسري المصريين»، من أغسطس 2015 وحتى اليوم، حسب المعلومات التي وفرتها اللجنة المصرية للحقوق والحريات ومركز النديم، والدكتورة عايدة سيف الدولة.

وذكرت «كوريري ديلا سيرا» إن مجموع تلك الحالات 533، وأن “كثير منهم متهم بالانتماء لجماعة الإخوان المحظورة أو معارضون علمانيون”.

وقالت: “بعد أسابيع أو أشهر، يظهر بعض الضحايا مجددًا بعلامات تعذيب ومرض، لكن 396 منهم اختفوا ولم يعرف عنهم شيء حتى الآن”.

عقوبات اقتصادية

ويقول خبراء اقتصاد مصريون إن ملف الاقتصاد هو الحل الأول لاتخاذ إجراءات ضد مصر بسبب قضية ريجيني وقد تلجأ روما إلى تخفيض استثماراتها في مصر، فضلا عن إيقاف مؤقت للمساعدات التي تقدمها من خلال الاتحاد الأوروبي للبنية التحتية في مصر.

ولذلك يتوقع دبلوماسيون وخبراء أن تتجه إيطاليا للضغط على مصر من خلال تحريك الملفات الاقتصادية واللجوء لوقف السياحة وتخفيض الاستثمارات، خاصة أن روما الشريك التجاري الأول لمصر على مستوى دول الاتحاد الأوروبي.

حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 6 مليارات دولار حسب التصريحات الرسمية.

وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا حسن، إن إيطاليا بدأت بقطع زيارة وزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية إلى مصر فيدريكا جويدي في شهر فبراير الماضي بعد العثور على جثة الطالب على جانب طريق مصر-الاسكندرية الصحراوي وعلى جثمانه آثار تعذيب.

وأوضح أن إيطاليا يمكنها أن تتخذ إجراءات في قطاع السياح مثلما فعلت موسكو، خاصة أن السياح الإيطاليين يفضلون قضاء إجازاتهم في المنتجعات السياحية في شرم الشيخ والغردقة.

وقال إن اعتبار مصر بلدا غير آمن للسياح ووقف رحلات الطيران مثلما فعلت روسيا وبريطانيا سيكون عقوبة شديدة للاقتصاد المصري وهو ما يمكن أن تلجأ له روما في ظل عدم الوصول إلى الحقيقة المنتظرة بشأن ريجيني.

أيضا قد تتدخل الحكومة الإيطالية لدى شركة إيني التي تستثمر في التنقيب عن الغاز، لدفعها إلى الانسحاب والتخلي عن حصتها لشركة أخرى مما يؤثر على سير العمل وما كانت تأمله مصر من تحقيق نجاحات اقتصادية من خلال هذا الاكتشاف الهائل.

وكانت شركة إيني أعلنت عن اتجاهها لبيع حصص لها في حقول لاستخراج الغاز بمصر، بعد أقل من عام على اكتشافها حقل ظُهر الضخم، في إطار خطتها لمواجهة الخسائر التي حققتها بعد تراجع أسعار النفط العالمية.

ولم تتضمن التصريحات التي نقلتها وسائل الإعلام العالمية عن الرئيس التنفيذي لإيني، حول أسباب اتجاه الشركة الجديد، أي إشارة للتوتر الذي وقع خلال 2016 بين الحكومتين المصرية والإيطالية، بسبب مقتل ريجيني.

أيضا يتوقع اتخاذ روما إجراءات تبدأ بتحذير الإيطاليين من السفر إلى مصر واعتبارها بلدا غير آمن الي إجراءات بمنع سفر السائحين وتخفيض الاستثمارات في حالة عدم الكشف عن الحقيقة.

هل تعاقب أوروبا مصر؟

ويتوقع الإعلامي “أحمد منصور” عقب استدعاء إيطاليا لسفيرها في مصر ان يواجه نظام السيسي أزمة مع أوروبا كلها.

وأصدر البرلمان الأوروبي، بيانا عاجلا، 9 مارس 2016، أوصى بموجبه دول الاتحاد الأوروبي، بحظر المساعدات العسكرية التي يمكن أن تستخدم في التعذيب والقتل إلى مصر، على خلفية مقتل الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني بالقاهرة.

ووافق البرلمان الأوروبي، على قرار يعتبر مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني “ليست بالحادث المنعزل لكنه حدث في سياق من حالات التعذيب والموت في السجون والاختفاءات القسرية عبر أنحاء مصر في السنوات الأخيرة”، وطالب القاهرة بالتعاون بشكل كامل مع إيطاليا في التحقيقات بشأن حادث ريجيني.