تم إزالة هذا القسم من البروتوكلات الصباحية المدرسية منذ عامين بعد قرار رسمي من الحكومة التركية، قوبل ذلك بانتقادات ضخمة من قِبل معظم الأتراك، واعتبروه إهانة واضحة لأتاتورك، كما اعتبروه تدخلاً واضحًا لسياسات الحكومة التركية في نظام التربية والتعليم في المدارس والجامعات، وكان رد الحكومة آنذاك بأن الدولة التركية لا تضم فقط الأتراك، بل هناك العديد من الأعراق التي تعيش تحت مظلة الجمهورية التركية، لذلك ليس من العدل أن نطلب من طفل كردي أن يقسم يوميًا أن روحه فداء للجمهورية التركية ذلك لأنه من المفترض أنه تركي وواجب عليه فعل ذلك، وأن القسم ما هو إلا صورة من صور القومية التركية التي لا تحبذ الحكومة تربية الأطفال الأتراك عليها.

تحتوي أماكن الدراسة في المدارس أو في بعض الجامعات على ثلاث لوحات رئيسية لا يخلو فصل أو حجرة منها، وهي صورة لأتاتورك، ولوحة النشيد الوطني، ولوحة أخرى يطلق عليها الأتراك “خطاب أتاتورك للأجيال القادمة”، وهو الخطاب الذي يؤكد فيها أتاتورك على أهمية فصل الدين عن التعليم كليًا، وأن يتم تقديس العلوم الاجتماعية والعلوم الكونية، وأن أمل الجمهورية التركية يكمن في الأجيال الحديثة.

قررت وزراة التربية والتعليم إزالة المقررات التاريخية الخاصة بثورة أتاتورك ومبادئ أتاتورك من مناهج التاريخ في خطة التعليم لعام 2016-2017، مع مزيد من التركيز على تاريخ الدولة العثمانية بدلًا من تاريخ الجمهورية التركية الحديث، كما قررت الوزارة إدراج اللغة العربية والمقررات الدينية كتدريس القرآن الكريم بين قائمة الدروس الاختيارية للطلاب، كما يتناول الطلاب حاليًا درس بعنوان الثقافة الدينية والذي يخدم الثقافة الإسلامية بشكل كبير، كما أن الطلاب مسؤولون عن إجابة أسئلة تتعلق بهذا الدرس في امتحانات القبول للجامعات.

وكانت ردود الأفعال من جانب أولياء الأمور على الصفحة الخاصة بوزارة التربية والتعليم على الإنترنت تفيد بالاعتراض الواسع على قرارات وزارة التربية والتعليم الجديدة، وأنه لا يصح تدريس التاريخ للتلاميذ بدون أتاتورك، وبدون تاريخ نشأة الجمهورية التركية، بل إنه من المستحيل تنشأة التلاميذ الأتراك على مبادئ غير مبادئ التفكير الأتاتوركي كما يحبون أن يطلقواعليه.

كما اعترض الأهالي على عرض مقالات رأي لأعضاء حزب العدالة والتنمية داخل المنهج الدراسي في حين يتم إزالة تاريخ اتاتورك من الكتب، حيث تضمنت خطة الوزارة الخاصة بتعديل مقررات التاريخ مقالة لرئيس الوزراء أحمد داود أوغلو لها علاقة بسياسات تركيا الخارجية مؤخرًا، مما جعل الشكوك تحوم حول خطة الوزراة الجديدة، في أنها من الممكن أن تصب في مصالح شخصية لأعضاء حزب العدالة والتنمية.

هذا ما تتضمنه قائمة التعديلات التي نشرتها وزارة التربية والتعليم مؤخرًا باختصار:

1- إدراج اللغة العثمانية ضمن برنامج اللغات في المدارس الابتدائية والإعدادية.

 2- لا يجب على المواضيع التاريخية أن تكون مرتبة زمنيًا في المقررات، بل يجب ترتيبها على حسب أهميتها في تاريخ الدولة التركية.

3- لا يجب إدراج تاريخ الجمهورية الحديثة باعتباره تكملة لتاريخ الإمبراطورية العثمانية، يجب الفصل بين الحدثين.

4- يجب تعزيز تاريخ الإمبراطوريات الأخرى غير الإمبراطورية العثمانية، وإدراج الثورات في العالم كالثورة الفرنسية في المناهج التاريخية وليس فقط التركيز على ثورة الجمهورية التركية الحديثة.

5- تم إزالة درس “تاريخ ثورة أتاتورك” من قائمة الدروس الإجبارية في بعض الصفوف الدراسية وإدراجه بين قائمة الدروس الاختيارية.

6– تقليل حجم المبادئ الأتاتوركية المُدرجة في المقررات المدرسية.

7- تحديد العلاقة بين تاريخ الإمبراطورية العثمانية والجغرافيا والتغيير الديموغرافي بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية في محاولة لربط التاريخ بالواقع المعاصر.

اعتراض المعلمين ليس بجديد، فقد خرج معلمو المدارس الحكومية في العديد من المظاهرات بالتحديد في السنة الماضية مطالبين بتعليم أكثر علمانية، وأكثر اعتمادًا على العلوم الاجتماعية والعلمية أكثر منه العلوم الدينية، وطالبوا بإلغاء وجود الدروس الدينية في قائمة الدروس الاختيارية، وعارضوا بشدة تدريس اللغة العربية في المدارس من جديد، إذ إنها اعتراض واضح على مناضلة أتاتورك في تغييره للغة التركية من لغة مكتوبة بحروف عربية إلى لغة حديثة مكتوبة بحروف لاتينية، وقالوا بأن النظام التركي الآن يحاول أن يعيد التعليم خطوات للوراء، كما يسير على مبادئ ومصالح شخصية تبعد كل البعد عما طالب به أتاتورك أثناء تأسيسه للجمهورية الحديثة حين ناضل من أجل فصل الدين عن التعليم كليًا وجعله قائمًا على المبادئ العلمانية فقط.

كما يجب الذكر بأنه ما بين 2011- 2014  تمّ زيادة عدد المدارس الدينية في تركيا والتي تُسمى بـ “إمام خطيب” بنسبة 73%، وهي المدرسة التي تخرج منها أردوغان نفسه، وهي المدارس التي تقوم بتدريس المنهج التركي بجانب المنهج الإسلامي مع تحفيظ القرآن الكريم ودراسة علم الفقه والحديث، وزاد عدد التلاميذ المنضمين إلى إمام خطيب من 63.000 إلى مليون طالب بحسب تقارير وزارة التربية والتعليم الأخيرة.

بات الأمر للبعض غير قابل للنقاش، فهو واضح وضوح الشمس، الحكومة التركية تنتهج نهجًا يتنافى تمامًا مع المنهج التركي الذي سارت عليه الجمهورية الحديثة لعقود، فبنشر وزارة التربية والتعليم لقائمة التعديلات السابقة والتي يقل فيها ذكر اسم أتاتورك يعتبر علامة واضحة لانتهاج الوزارة نهجًا غير علماني وأكثر تديّنًا إذا شئنا الدقة، فهل سنرى تاريخ تركيا بدون أتاتورك عما قريب؟