متى تفوز الشعبويّة في الانتخابات الرئاسية؟

10 أبريل، 2016

واشنطن بوست –

في القنوات التليفزيونية والصحف الرئيسية وحتى على تويتر، الجميع يشير إلى دونالد ترامب على أنّه شعبويّ. وهذه مسألة مطروحة للنقاش على أيّة حال. لكنَّ الرابط الأهم بين ترامب وغيره من الشعبويين – مثل جان ماري لوبان في فرنسا – هو طبيعة خطاب ترامب المناهض للنظام. في الآونة الأخيرة، قارنت بيبا نوريس بين ترامب وبين الشعبويين من اليمين المتطرف في أوروبا، وجادلت بأنَّ هذا النمط من الشعبويّة له ردود فعل سلبية على المستوى الثقافي. ولكن إذا نظرنا خارج أوروبا، سنرى المزيد حول هذه القصة.

لما يفوز الشعبويون بالانتخابات في أمريكا اللاتينية؟

من خلال النظر في تجربة أمريكا اللاتينية مع الشعبويّة، سنجد أنَّ صعود الشعبويّة اليمينية هي أكثر من مجرد رد فعل ثقافي عنيف. الشعبويون في أمريكا اللاتينية أكثر شمولًا بكثير من نظرائهم في أوروبا. على سبيل المثال، هوغو شافيز أو ايفو موراليس أسسا قواعد شاملة في كل المسارات الطبقية والعرقية والدينية. الشعبويون في أوروبا، من جهة أخرى، أكثر خصوصية؛ إذ يصحلون على الدعم من الناس الذين يتبنون مواقف قومية متطرفة ومعادية للمهاجرين.

الشعبويون في أمريكا اللاتينية أكثر نجاحًا بكثير في صناديق الاقتراع من نظرائهم الأوروبيين. مع اختيار 136 حزبًا في 26 دولة في الأمريكيتين وأوروبا الغربية، سجل كيرك هوكنز وبرونو سيلفا كاستانو مجموعة من الخطابات والبيانات حول مدى استخدام اللغة الشعبويّة. وبعد ذلك، تمّ تقدير متوسط هذه النتيجة عبر الأحزاب وقياسها من خلال نتائج الانتخابات. وكانت النتيجة تقيس مدى انتشار الشعبويّة في نظام حزب معين.

وباستخدام البيانات، أوضح في الرسم البياني أدناه النتيجة المرجحة لكيفية نجاح الأحزاب الشعبية في الانتخابات. وهنا نرى أن حتى الأحزاب الشعبويّة الأكثر نجاحًا في أوروبا ليست ناجحة كما هو الحال في أمريكا اللاتينية.

كيف يمكن أن تساعدنا الشعبويّة في أمريكا اللاتينية وأوروبا على فهم سياسة الحزب الجمهوري وترامب اليوم؟

إذن، لماذا الشعبويون في أمريكا اللاتينية أكثر شمولًا ونجاحًا من نظرائهم في أوروبا؟ لعلّ الجواب على ذلك يكمن في مدى قوة النظم الحزبية، التي يسميها علماء السياسة النظام الحزبي المؤسسي. ونعني بذلك مدى تنظيم الأحزاب السياسية في بلد ما، وارتباطها بالجماعات داخل المجتمع، والعمل بطريقة مهنية، وكذلك مدى تماسك برامج وأيديولوجيات تلك الأحزاب، وعما إذا كان الممثلون التشريعيون للحزب يصوتون على أسس حزبية.

باستخدام نتائج جديدة، حدّدت العلاقة بين النظام الحزبي المؤسسي والنجاح الانتخابي للأحزاب الشعبويّة.

أمريكا اللاتينية لديها أنظمة حزبية ضعيفة، ومن ثمّ هناك احتمال كبير بفوز الشعبويين في الانتخابات. وهذا لأنَّ الأحزاب الأخرى دائمًا ما تخذل ناخبيها بسبب عدم قدرتها على تقديم ما تتوقعه المجتمعات من حكوماتها.

في أوروبا، وعلى النقيض من ذلك، الأنظمة الحزبية قوية والأحزاب الشعبويّة أقل جاذبية للناخبين. وهذا ويرجع جزئيًا إلى أنَّ الأنظمة الحزبية الأوروبية تعالج المخاوف التي يشعر بها جزء كبير من المجتمع، وتتبنى السياسات التي يطالبون بها. ونتيجة لذلك، لا يمكن أن يتنافس الشعبويون مباشرة مع تلك الأحزاب القائمة. وبدلًا من ذلك، يروق الشعبويون لمجموعة صغيرة من أنصار الشعبوية التي تروّج للتفرد والانحصارية والخوف.

إعادة تنظيم الأحزاب السياسية الأمريكية

ماذا يعني كل هذا بالنسبة للولايات المتحدة؟ هنا، أيضًا، سوف تصوّت شريحة من المجتمع لحزب يميني متطرف. ولكن نظرًا لقوة نظام الحزبين في الولايات المتحدة، فإنَّ مثل هذا الحزب لم يفز حتى الآن في الانتخابات الوطنية؛ لأنَّ قاعدته الشعبية ضيقة للغاية. ولذلك، فإنَّ صعود ترامب داخل الحزب الجمهوري لا يعني تحوّل الحزب إلى حزب يميني متطرف.

إنّنا نشهد ما وصفه غاري ميلر ونورمان سكوفيلد في عام 2008 بأنّه إعادة تنظيم الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة مع الطيف الاجتماعي والاقتصادي والأيديولوجي. نحن نشاهد كيف يضغط المحافظون الاجتماعيون على المحافظين الاقتصاديين الذين هم أكثر ليبرالية اجتماعيًا. وعلى ما يبدو، لم يعد بمقدور هاتين المجموعتين المشاركة في الحزب الجمهوري. المحافظون الاجتماعيون يرفضون آراء المحافظين الاقتصاديين من خلال التصويت لترامب.

في العديد من الديمقراطيات الأخرى، الأحزاب هي التي تختار المرشحين وليس الناخبين. وفي هذه الديمقراطيات، نحن لا نرى صعود مرشحين أكثر راديكالية، مثل ترامب، إلى مناصب بارزة داخل الحزب وذلك لأنَّ أعضاء الحزب ينصاعون لقرارات قادة الحزب.

قارن هذا بالحزب الجمهوري الحالي، يمكن لجميع المرشحين الجمهوريين القول الآن إنهم لن يدعموا “المرشح النهائي.” ويطرح بعض الجمهوريين البارزين، مثل السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام وميت رومني، هذا السؤال أيضًا. ولا يزال المفكرين المحافظين الآخرين، مثل ديفيد بروكس، يناقش الحاجة إلى وجود مرشح ثالث محافظ باعتبارها وسيلة لحفظ ماء وجه الحزب الجمهوري.

نظام الحزبين في الولايات المتحدة ليس لديه أي مجال لحزب يميني متطرف. كما أنَّ قواعد اختيار مرشح الحزب الجمهوري تجعل الحزب نفسه ضعيفًا، وهذا الضعف هو ما فتح الباب أمام ترامب. والآن يجب على الحزب الجمهوري مشاهدة المرشح المحتمل الذي لا يمكن السيطرة عليه وهو يحدد موقف الحزب، بدلًا من فعل ذلك بأنفسهم.

لا يهمّ ما إذا كان ترامب شعبويًا أم فاشيًا أو غير ذلك. ما هو واضح هو أنه ليس مدينًا لأي شخص أو أي حزب، وخاصة الحزب الجمهوري.