التعاون بين (الناتو) ومجلس التعاون الخليجي فرصة أم مخاطرة؟


تأتي دعوة حلف “الناتو” لتعزيز التعاون مع “مجلس التعاون الخليجي” بتوقيت شديد الحساسية، وتهديدات متصاعدة للأمن القومي الخليجي، في مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي بمرحلة ما بعد الاتفاق النووي، وشبكة الميليشيات المدعومة إيرانيًا، الأمر الذي قد يضطر دول الخليج إلى توسيع دوائر تحالفات ذات طابع عسكري من شأنها تحقيق توازن الردع، ولكن المثير للقلق السؤال حول الثمن أو المقابل الذي يريده دول “الناتو”، ومنها الولايات المتحدة ودول أوروبية، هل هو تشكيل تحالف جديد لمكافحة “الإرهاب”، أو توسيع التحالف الدولي القائم بقيادة الولايات المتحدة، في إطار استعدادات أمريكية أوروبية لتوسيع الحرب الدولية ضد داعش، وبخاصة عقب تفجيرات باريس وبروكسل، هل لتأمين مصالح دول الناتو والملاحة البحرية ضد أي تهديدات محتملة، وتوسيع حدود تأمين دوله ضد موجات اللجوء المتزايدة؟

حتى الآن لم تتضح أيضًا أبعاد وعمق وطبيعة هذا التعاون.. هل هو تعاون وفق اتفاقيات أمنية مشتركة للدفاع والأمن.. هل سيشمل بناء قواعد عسكرية وقدوم حاملات طائرات، هل سيشمل تحديث إمكانات دول الخليج الدفاعية، وإجراء مناورات عسكرية؟ وما علاقته بالتحالف الإسلامي العسكري الناشئ ضد الإرهاب.. تكامل أم تضارب؟

الخطير أن يتحول حلف الناتو إلى “شرطي المنطقة” وذراع عسكرية تهدد مستقبلًا استقرار دول المنطقة، بتكبيلها وتقييدها باتفاقيات أمنية مشتركة، أو بإنشاء قواعد عسكرية بحرية أو برية أو جوية، أو قدوم قوات خاصة واستشاريين، ويؤدي لاستنزاف دول المنطقة في تأمينها وتمويلها، بما يكرس بالنهاية المزيد من عملية عسكرة المنطقة، عبر حزمة من التحالفات الغربية الجديدة عبر بوابة “داعش والفوضى”.

حلف الناتو يدعو للتعاون

بالتزامن مع اقتراب مرور 12 عامًا على مبادرة إسطنبول بين حلف الناتو ودول خليجية، دعا نائب الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي (ناتو) ألكسندر فيرشبو، الجمعة، إلى تعزيز العلاقات بين الحلف ومجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، في ضوء الأوضاع الحالية التي تشهدها المنطقة.

وأشار فيرشبو في كلمة ألقاها أمام جمعية هولندا الأطلسية المعنية بالحوار عبر الأطلسي وقضايا الناتو، في مدينة لاهاي، إلى أن الحلف “بإمكانه تقديم المزيد لتحسين الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط، عبر العمل عن كثب مع الشركاء في المنطقة.”

وقال: إن “المنطقة دخلت في مرحلة من العنف والفوضى، بسبب إخفاقات الربيع العربي”، مؤكداً أن “عدداً من الدول كانت تتمتع بالأمن أصبحت دولاً هشة، وأن الدول الهشة أصبحت دولاً فاشلة.”

ودعا فيرشبو كافة الأطراف في سوريا إلى الانتقال نحو السلام الدائم، ووضع نهاية للحرب، الأمر الذي يمكن المجتمع الدولي من التركيز على تدمير تنظيم “الدولة” وفضح أفكاره المتطرفة.

يكشف خطاب حلف الناتو عن أن أهم سبب للتعاون، وهو القضاء على الفوضى والعنف التي أعقبت ما وصفه بـ”إخفاقات الربيع العربي”، حيث أضعفت دول المنطقة، وسببت حروبًا أهلية تعرقل التفرغ لمحاربة داعش، بما يعكس نظرة سلبية للربيع العربي وثوراته ونتائجه، فلم يشر إلى أن الاستبداد والديكتاتورية هي السبب، وساوى بين الجاني والمجني عليه في سوريا، ولم يذكر أن عدم تدخل الولايات المتحدة لإسقاط نظام الأسد مبكرًا تسبب في تمدد داعش، ولم يشر إلى أن الغزو الأمريكي للعراق وحل الجيش العراقي ومؤسسات الدولة، أوجد فراغًا سمح بتمدد داعش، وكأن الفوضى كلها مرتبطة فقط بالربيع العربي، فهل يتحول الناتو إلى شرطي المنطقة لصالح الأنظمة؟

لماذا التعاون مع دول الخليج

اقتراح التعاون ليس الأول من نوعه، فقد بحث ينس شتولتنبرغ، أمين عام حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مع عبد اللطيف الزياني، أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في 18 مارس 2016، سبل تعزيز التعاون بين الحلف والمجلس، وأوضح “الناتو” في بيانه، أن شتولتنبرغ رحب- خلال اجتماعه مع الزياني في مقر الناتو في بروكسل- بدور مجلس التعاون الخليجي الهام في الإسهام بالاستقرار الإقليمي.

وأكّد حلف شمال الأطلسي “الناتو” اهتمامه بتطوير تعاونه مع دول الخليج العربي، مشيرًا إلى وجود حـوارات سيـاسية وتعـاون عمـلي مـع أربع من تلك الدول، هي (الإمارات والكويت والبحرين وقطر)، في نطاق مبادرة إسطنبول للتعاون، التي دخلت حيز التنفيذ منذ العام 2004.

ووفقًا لمراقبين، فإنّ رغبة الناتو في التعاون مع دول الخليج تعبّر عن توجّه جادّ، يدعمه ما أصبحت تقوم به تلك الدول الغنية والمستقرة من دور في حفظ الأمن والاستقرار في محيطها، الذي يمتدّ إلى حدود الناتو الشرقية، حيث تركيا.

وكما أنّ دول الخليج مصدر قسم مهم لمواد الطاقة بما تصدّره من نفط وغاز نحو الأسواق العالمية، فإنها بذات القدر تقوم بدور محوري في تأمين طرق التصدير، وخصوصًا عبر البحر، ولعبت دول الخليج خلال السنوات الماضية، دورًا كبيرًا في مكافحة القرصنة البحرية، وساهمت في تراجعها إلى حدودها الدنيا، بعد أن كادت تتحوّل إلى ظاهرة مزعجة تهدّد الملاحة البحرية

مبادرة إسطنبول بين الناتو والخليج

جاءت الشراكة الاستراتيجية بين حلف الناتو ودول الخليج، متمثلة في مبادرة إسطنبول قبل قرابة 12 عامًا، في إطار العقيدة الاستراتيجية الجديدة للناتو في مطلع القرن الحادي والعشرين، والتي تقوم على مرتكزات أساسية، هي بحسب دراسة “حلف الناتو ودول الخليج.. تقييم لمبادرة إسطنبول بعد عقد من الزمن”، نشرها موقع الجزيرة للدراسات في 16 إبريل 2014.

  ويؤدي عدم الاستقرار إلى التأثير في مصلحة الحلف وأعضائه حاضرًا ومستقبلاً، وبناء الأمن من خلال الشراكة  عن طريق إقامة شراكة استراتيجية وسياسية وأمنية مع الدول والتجمعات ذات الأهمية الحيوية لمصالح الحلف، وتأسيس روابط للتعاون والتنسيق المعلوماتي والأمني والعسكري معها؛ ومن هنا بادر الناتو إلى طرح مبادرات للتعاون والتنسيق الأمني الجماعي، وفي مقدمتها مبادرة الحوار المتوسطي عام 1994، ومبادرة إسطنبول للتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي عام 2004.

وتطوير عقيدة عسكرية للتعامل الفعّال مع التحديات الأمنية الجديدة بدءًا من القيام بعمليات بناء وحفظ السلام في جنوب شرق أوروبا وآسيا، مرورًا بمكافحة الإرهاب الدولي، وحتى الاستعداد لدرء مخاطر وتهديدات أسلحة الدمار الشامل.

وبناء على هذه المرتكزات؛ استهدفت استراتيجية الناتو تجاه منطقة الخليج تحقيق عدة أهداف، كان أبرزها تطوير علاقات شراكة استراتيجية مع دول المنطقة، وتعزيز التنسيق والتعاون الأمني والعسكري معها على نحو يساعد هذه الدول على التمتع بالسلام والاستقرار الداخلي، عبر تبني وتطوير سياسات وخطط وبرامج عملية وآليات فعّالة لاستئصال الأسباب الجوهرية لعدم الاستقرار وتفشي الإرهاب.

وقد انضمت أربع دول خليجية للمبادرة هي قطر، الكويت، البحرين والإمارات، فيما تحفّظ على الانضمام إليها كل من السعودية وسلطنة عُمان.

أهداف مبادرة إسطنبول

تتضمن المبادرة برامج محددة العناصر وذات طابع عملي للتعاون، وفي مجالات جديدة مثل الأمن والدفاع والإدارة المشتركة للعمليات، وبرامج ومشروعات أخرى في مجال السياسة والإصلاح، وتعد القوة الدافعة للتوجه الاستراتيجي لحلف الناتو، للقيام بدور فاعل فيما يتصل بأمن الخليج، جاءت انطلاقًا من مصالح أساسية، تمثلت في:ضمان استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية للخليج ودوله، لما تتمتع به المنطقة من إمكانات نفطية هائلة تؤثر بشكل أو آخر على مصالح أعضاء الحلف إذا ما تعرضت للتهديد، خاصة بالنظر إلى الأهمية المحورية لمنطقة الخليج في الاستراتيجية الدولية، والنابعة من حقيقة توافر أهم متغيرين استراتيجيين مرتبطين بأمن العالم واستقراره، هما الموقع الاستراتيجي الحاكم والموارد الاستراتيجية المهمة، وفي مقدمتها النفط.

كذلك الإبقاء على الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة تحت المراقبة والسيطرة، والتصدي لمصادر التهديد الأمني بها، خاصة التهديد المحتمل من الإرهاب العالمي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها السلاح النووي.

حزمة تحالفات جديدة.. واشنطن قاسم مشترك

هل تتجه دول الخليج لبناء حزمة جديدة من التحالفات العسكرية؟ تساؤل طرحه إعلان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الجمعة 9 إبريل الجاري، أن وزيرها آشتون كارتر، سيغادر العاصمة واشنطن، السبت، في رحلة مكوكية، تشمل دولاً شرق أوسطية- منها دول الخليج- وآسيوية، لتسريع وتيرة هزيمة تنظيم “الدولة”، ولتعزيز التوازن في آسيا.

وأوضح بيان صادر عن الوزارة، أن “كارتر سيزور كلاً من الهند والفليبين، لبحث أمن الولايات المتحدة المتنامي، حيث نقوم بتعزيز شراكات جديدة، وتحديث التحالفات القديمة”، وسيقوم بالتوقف في الإمارات للقاء نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يعقبها زيارة إلى السعودية “من أجل لقاء ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، لحضور اجتماع لوزراء دفاع مجلس التعاون الخليجي، قبيل زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، للمشاركة في مؤتمر قمة الولايات المتحدة – مجلس التعاون الخليجي.”