المخدرات التي صنعت جندياً عظيما


ذي أتلانتك – إيوان 24

يطلق بعض المؤرخين إسم “آخر حرب حديثة” على الحرب الفيتنامية أو إسم “الحرب الأولى بعد الحداثة. في كلتا الحالتين، لم تكن الحرب الفيتنامية حربا عادية تظم خطوطا أمامية وعدوا يحشد جنوده لتنفيذ هجمات بغاية إحتلال أرض.

بدلا عن ذلك، كانت حربا خالية من الشكليات ولا تنطبق عليها شروط الحرب المذكورة أعلاه. حيث كان المحاربون الفييتنام يعتمدون طريقة غير متوقعة لاستغلال نقاط ضعف الأمريكيين. مما يجعل الحرب الفيتنامية خير مثال على الحرب غير المتكافئة.

وعرفت هذه الحرب أيضا بكونها كانت “حربا دوائية”. وذلك أن معدلات إستهلاك المؤثرات العقلية كانت عالية جدا وخاصة في صفوف الجيوش الأمريكية. وفي هذا السياق، قال الفيلسوف البريطاني نيك آبي أن الحرب الفيتنامية كانت “نقطة تقاطع حاسمة بين علم الصيدلة وتكنولوجيا العنف.”

منذ الحرب العالمية الثانية، تم تنفيذ عدد قليل من الأبحاث لتحديد ما إذا كان للمنشطات تأثيرا إيجابيا على آداء الجنود. لكن ذلك لم يمنع الجنود الأمريكيين من استهلاك حبوب “بيب” وتوزيعها على الجنود الذين يذهبون في حملات استطلاع طويلة المدى.

ونادرا ما يتم اتباع التعليمات التي تنص على استعمال 20 ملليغرام من ديكستروأمفيتامين لمدة 48 ساعة. حيث قال أحد المقاتلين السابقين أن هذه المنشطات كانت توزع ك”قطع الحلوى” بدون الاهتمام بالجرعة الموصى بها. كما كشفت تقارير في سنة 1971 أن القوات المقاتلة استعملت 225 ميون حبة من المنشطات وذلك في الفترة بين 1966 و 1969، أغلبها من نوع ديكسيدرين (ديكستروأمفيتامين) الذي له تأثير أقوى بمرتين مقانة بالبنزيدرين الذي استعمل في الحرب العالمية الثانية. وأظهرت نفس التقارير أن الاستهلاك السنوي للشخص الواحد بلغ معدل 21.1 حبة  بالنسبة لقوات البحرية و 17.5 بالنسبة لسلاح الجو و13.8 ضمن صفوف الجيش.

قال إيليوت مانزيون، وهو عضو في فصيلة استطلاع “كان لدينا أفضل أنواع المنشطات وكانت موفرة من قبل الحكومة الأمريكية” وأضاف أن الجنود كانوا يصفون هذه المنشطات بأنها تزيدهم قوة كما تبقيهم مستيقظين، وهي قادرة أيضا على زيادة قدرة السمع والبصر لديهم.

عند توجه وحدات “لاوس” لمهمة تمتد أربعة أيام، يتم إعطاؤهم 12 حبة من مسكن “دارفون” و24 المسكن الأفيوني “كوديين” و6 حبات من الديكسيدرين. كما يتم منحهم حقن “سيتوي” عند مغاردتهم في رحلات طويلة وشاقة.

وفي الحقيقة، أدت عملية توزيع المنشطات إلى انتشار استهلاك المخدرات مما كان كل عواقب وخيمة. وذلك لأن المنشطات، كما يدعي عديد المحاربين القدامى، كانت تزيد من النزعة العدوانية وتزيد أيضا من اليقظة. كما يقول هؤلاء المحاربين أنهم قد يحسوا برغبة ب”قتل أطفال في الشوارع” عندما لا يكونوا في جبهات القتال.

تم أيضا استعمال المؤثرات العقلية، ليس فقط لدعم المقاتلين، بل أيضا للحد من تأثير عمليات القتال في نفسياتهم،ومن أجل تفادي انهيارهم بسبب الضغط. الأمر الذي ذكره الكاتب دافيد غروسمان، حيث قال أن الحرب الفيتنامية كانت “أول حرب يتم فيها استعمال قوى الصيدلة الحديثة لزيادة قوة الجنود”.

في الحقيقة، ساعد الاستعمال المكثف للأدوية النفسية في الحد من حالات الصدمة التي عادة ما تسجل خلال الحروب. حيث كان معدل الجنود الذين تعرضوا لحالات من الانهيار النفسي 10 بالمائة وذلك خلال الحرب العالمية الثانية (101 حالة لكل 1000 جندي)، و4% خلال الحرب الكورية (37 حالة لكل 1000 جندي) لكن هذه النسبة بلغت 1 بالمائة فقط خلال الحرب الفيتنامية (12 حالة لكن 1000 جندي).

ومع ذلك، فإن المنشطات قد تحمي الجنود لكن لفترة مؤقتة خاصة إن لم يرافقها علاج نفسي سليم. إذ تعمل المنشطات على إخفاء وتجميد المشاكل النفسية التي يعاني منها الجنود، لكن هذه المشاكل قد تنفجر يوما ما بشكل غير متوقع. وهو ما حصل لعدد كبير من الجنود الأمريكيين بعد نهاية الحرب، حيث عانوا مما يسمى اضطراب ما بعد الصدمة. ويبقى عدد الجنود الذي عانوا من هذا المرض غير محدد لكن يقدر أن يكون بين 400 ألف ومليون ونصف.