سماحة “كنز المعلومات”: التدخل الروسي أخرجه وضغوط السعودية أعادته للسجن؟


* سماحة “كنز المعلومات”:

ووفقا لمصادر مطلعة، فإن اللواء ريفي يعتبر سماحة “كنز معلومات”، والوثائق التي تم ضبطها خصوصا الرسائل والمكالمات المسجلة على هاتفه النقال تشكل وثيقة إدانة للنظام السوري، وتورطه في عمليات القتل والاغتيالات في لبنان، خصوصا وأن هذه المكالمات واضحة، وأُجريت مع مسؤولين في سدة القرار في نظام دمشق، سياسيين كانوا أم أمنيين.

ووفقاً لما يعرفه اللبنانيون، من دون أن تكون لديهم إثباتات، فإن نظام البعث السوري متورط، سواء مباشرة أو بالواسطة، في معظم عمليات الاغتيال التي جرت على الأراضي اللبنانية، خصوصا تصفية قيادات لبنانية وفلسطينية وعربية، عُرفت بمواقفها المناهضة للنظام السوري.

ولكن لم تقع أيدي القضاء اللبناني على وثائق صحيحة وموثقة تدين هذا النظام وجرائمه في حقهم. وبحسب المعلومات التي نشرت عن اعترافات سماحة ومكالماته المسجلة، فهذه أول إدانة موثقة لنظام البعث، صوتا وصورة! وهذا ما يعول عليه اللواء الريفي من أجل مقاضاة هذا النظام، حين تسمح الظروف بذلك، في المحاكم الدولية، فيدفع ثمن بعض من جرائمه التي ارتكبها في حق اللبنانيين.

* الردّ: اغتيال وسام الحسن

يعد إلقاء القبض على سماحة، متلبسا بنقل المتفجرات وبتسجيلات حول مخططه الإرهابي بطلب من أجهزة النظام السوري، نشطت محاولات تعمية الحقائق من أبواق البعث في لبنان، خصوصا أن الثنائي الأمني ريفي – الحسن هو من ألقى القبض على سماحة.

فكان الرد الأول اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، ومحاولة اغتيال اللواء أشرف ريفي بتفجير مسجد مقابل لمنزله في طرابلس أثناء وجوده في المنزل, وبعد تعثر محاولات النيل من ريفي، لتدفعه ثمن القبض على سماحة، انتقل الجهد للعمل على التخلص من سماحة نفسه، فكشف اللواء ريفي محاولة لقتل سماحة أثناء نقله متمارضا من السجن إلى المستشفى، فأحبطها.

محاولات التخلص من سماحة لم تتوقف، حيث تقول معلومات أن إخلاء سبيله من قبل المحكمة العسكرية واكتفاءها بفترة سجنه لأربع سنوات جرمية، أي 36 شهرا، جاء على خلفية محاولة إخراج سماحة من سجنه للتخلص منه.

 لكن العملية كانت مكشوفة ومعروفة المقاصد، فتنبه لها اللواء ريفي، وجاهر بأعلى صوته رافضا الحكم المخفف، والتقى الرئيس سعد الحريري في الرياض مع وزير الداخلية نهاد المشنوق، وأعدوا سيناريو لمواجهة الحكم “المخفف”، واتفقوا على آلية لعرضها على مجلس الوزراء، والاستقالة من الحكومة في حال لم تتجاوب الحكومة مع مسعاهما في إعادة سماحة إلى السجن.

وعلى هذا الأساس، عاد المشنوق وريفي إلى لبنان، تزامنا مع انطلاق حملة من المجتمع المدني ومن الجمعيات الشبابية في قوى 14 آذار بالتحالف مع منظمة الشباب التقدمي، لإعادة سماحة إلى السجن.

 * أوهام انتصار “الحزب” والأسد!

وتشير معلومات إلى أن إخراج سماحة من السجن، جاء على خلفية أوهام انتصارات يحققها حزب الله في سوريا بعد التدخل الروسي، وما سُوَق عن هذه الأوهام من أن رئيس النظام السوري خرج منتصرا بميليشيات حزب الله والجيش الروسي والباسيج والحرس الثوري من إيران وميليشيات العراق الشيعية، وتاليا هو سيبقى على رأس النظام السوري خلال المرحلة الانتقالية للحل السياسي المزمع في سوريا، وبعده.

وعلى هذا، فإن المطلوب من قوى 14 آذار في لبنان إعلان هزيمتها سياسيا وأمنيا. وتمثل إعلان الهزيمة على المستوى السياسي، بترشيح سليمان فرنجيه ومن بعده ميشال عون لرئاسة الجمهورية من قبل الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، ولترجمة الهزيمة الأمنية، كان لا بد من توجيه صفعة إلى اللواء أشرف ريفي، بإخراج سماحة من السجن، والتخلص منه لاحقا، وتاليا إخفاء شاهد أساس على تورط نظام دمشق في عمليات القتل في لبنان.

ريفي لم يتقبل الهزيمة المبكرة، فهو رفض ترشيح فرنجيه بالحدة نفسها التي رفض بها إخلاء سبيل سماحة، والتزم داخل الحكومة باتفاقه مع الرئيس الحريري والوزير نهاد المشنوق. وأعلن أول مرة انسحابه من جلسة مجلس الوزراء على خلفية عدم إدراج بند إحالة جرائم ميشال سماحة إلى المجلس العدلي، وفي الجلسة الثانية، استقال عملا بموجبات الاتفاق الثلاثي، الذي أكده الوزير المشنوق لاحقا في مقابلة تلفازية.

وما فات الوزير ريفي، أن الاتصالات السياسية التي أجراها تيار المستقبل بكل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط، أفضت إلى التراجع عن خطوة الاستقالة، لما لها من تأثير سلبي على الحكومة اللبنانية المشلولة أصلا، من دون أن يسمح الوقت بإبلاغ الوزير ريفي بنتائج هذه الاتصالات، فاستقال الوزير ريفي، وبادر الرئيس سعد الحريري إلى إعلان براءته من موقف ريفي، على شبكة تويتر، الأمر الذي أثار استغراب ريفي، خصوصا وأن الوزير المشنوق لم يلتزم، حسب ريفي، بمقتضيات اتفاق الرياض على الاستقالة.

وقد نشطت الاتصالات ورُئب الصدع بين ريفي الحريري، من دون أن يتراجع الوزير ريفي عن استقالته، واضعا نصب عينيه متابعة قضية سماحة حتى النهاية.

تزامنا، تبدلت الأوضاع على الضفة السورية، بين إعلان الرئيس السوري سحب قواته الرئيسية من الميدان السوري، وصولا إلى انطلاق  مفاوضات جنيف، وما بدأ يظهر من حل سياسي لا يأخذ في الاعتبار بقاء الأسد في السلطة في دمشق، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، بدأت المملكة العربية السعودية ومعها منظومة دول مجلس التعاون الخليجي سلسلة ضغوطات اقتصادية وسياسية وأمنية على لبنان بدأت بوقف الهبة للجيش اللبناني، على خلفية مسألتين أساسيتين:

الأولى، دعم الجيش لمسلحي حزب الله على الحدود الشرقية اللبنانية- السورية، وتشكيله فصيل إسناد ناري لمقاتلي الحزب داخل الأراضي السوري، والثانية خضوع المحكمة العسكرية لإملاءات حزب الله ونظام دمشق وإفراجها عن ميشال سماحة، حسب ما أشارت معلومات من العاصمة الفرنسية.

تقول المصادر إنه إزاء تراجع أوهام الانتصار البعثي في دمشق وانسحاب الجيش الروسي والضغوط العربية، كان لا بد لبنانيا من إعادة بعض الأمور إلى نصابها، وسحب المزيد من الذرائع والقرائن المستخدمة للضغط على لبنان، وفي مقدمها قضية سماحة، وإعادة الاعتبار للقضاء، وإظهار بعضا من استقلاليته عن حزب الله وممارساته وضغوطه.

فأُعيدت محاكمة سماحة، من قبل المحكمة نفسها التي أطلقت سراحه، وبرئاسة القاضي طاني لطوف، وهو نفسه القاضي الذي وقع الحكم بإخلاء سبيل سماحة قبل أشهر، فأعاده إلى السجن من جديد، وحكم عليه بموجب مواد جرمية تصل عقوبتها إلى الإعدام، وتخفف إلى المؤبد مع الأشغال الشاقة لأنه لم يتح لسماحة تنفيذ مخططه الإرهابي.

قرار المحكمة جاء بمثابة إدانة جديدة لها وللقضاء العسكري، وليس دليل قدرتها على رفع يد المداخلات السياسية والضغوط عن قراراتها، فالبينات القضائية هي نفسها التي أدانت سماحة يوم اعتقاله، وهي نفسها التي أعادته إلى السجن. فكيف حكمت عليه سابقا بالاكتفاء بمدة سجنه لأربع سنوا

ما زال اهتمام  وزير العدل أشرف ريفي بقضية الإرهابي ميشال سماحة مثار تساؤل، فالوزير لا يترك مناسبة ولا يبدي أي تهاون أو مرونة في معالجة هذا الملف، ويصر على أن تأخذ العدالة مجراها لبنانيا. وعينه على الاحتفاظ بالإرهابي سماحة سليما معافى وحيا يرزق في انتظار ما هو أهم من تورطه في عملية نقل المتفجرات من سوريا إلى لبنان.