صعود كردستان العراق باعتباره لاعبا مستقلا في مجال الطاقة

12 أبريل، 2016

الحكم الذاتي وصناعة النفط في كردستان العراق

جيوبوليتيكال مونيتور –

يخوض إقليم كردستان العراق وحكومة إقليم كردستان تحولا كبيرا نحو الحكم الذاتي في المقاطعة الشمالية الشرقية من العراق. ومنذ السبعينات، ناضل أكراد العراق من أجل تحقيق الحكم الذاتي بعد أن واجهوا العديد من العقبات الداخلية والخارجية.

وفي الآونة الأخيرة، كانت القضية الخارجية الرئيسية لمسألة الحكم الذاتي في كردستان العراق هي قدرته على تصدير النفط الخام بشكل مستقل وجني عائداته التي تشكل العمود الفقري لاقتصاده. ويتم تصدير غالبية النفط المستخرج من كردستان العراق إلى تركيا عبر خط أنابيب جيحان التركي الذي يربط بين  حدود كردستان شمال العراق ومدينة جيحان في تركيا المطلة على البحر الأبيض المتوسط. ويمتلك خط أنابيب البترول طاقة انتاجية إجمالية تقدر بحوالي 1.5 مليون برميل يوميا يتم ضخها عبر خطي أنابيب أحدهما بقطر 40 بوصة والآخر بقطر 46 بوصة. ويعتبر الخط البالغ قطره 40 بوصة هو الخط الوحيد الذي يعمل الآن بطاقة انتاجية تصل إلى 0.5 مليون برميل يوميا من الطاقة القابلة للاستخدام.

ويعد خط أنابيب جيحان التركي هو الوحيد لتصدير النفط الكردي العراقي، وقد شهد تقلبات جذرية عديدة. وفي شهر فبراير 2016، كان خط أنابيب جيحان هدفا لقصف حزب العمال الكردستاني المشتبه فيه في تركيا. وتم إغلاق خط الأنابيب بشكل مؤقت من أجل اجراء اصلاحات كلفت حكومة إقليم كردستان 250 مليون دولار خسائر في الايرادات خلال شهري فبراير ومارس 2016. وقد تم إصلاح خط الأنابيب، وقدمت تركيا لحكومة إقليم كردستان 200 مليون دولار للتعامل مع مشكلة نقص الإيرادات خلال مدة إغلاق خط أنابيب جيحان التي بلغت 3 أسابيع.

وقد أصبح تضاؤل ​​عائدات حكومة إقليم كردستان بسبب انخفاض أسعار النفط هو القضية التي تواصل  التأثير على الاقتصاد الكردي العراقي، ولكن حكومة إقليم كردستان تستمر في نقل صادراتها من النفط الخام من خلال البنية التحتية التي تملكها وتديرها. ومنذ تحولها إلى تصدير النفط الخام بشكل مستقل وجمع عائداته اعتبارا من شهر مايو 2015، أصبح إقليم كردستان العراق مستقل اقتصاديا بشكل أساسي.

وأصبحت صادرات النفط المباشرة وتحصيل الإيرادات منها خطوة هامة لحكومة إقليم كردستان في طريقها نحو اتخاذ مزيد من الخطوات لإضفاء مزيد من الشرعية على استقلالها عن الحكومة المركزية في بغداد. وبدلا من مواجهة مبيعات كردستان النفطية المستقلة إلى تركيا، لجأت بغداد إلى توجيه نداءات يائسة  لمنطقة الحكم الذاتي الكردية. وفي شهر فبراير 2016، عرض رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، دفع رواتب جميع الموظفين العراقيين الأكراد في حال توقف حكومة إقليم كردستان عن تصدير النفط بشكل مستقل إلى تركيا.

الاستثمار في كردستان العراق المستقل

وحتى تتمكن حكومة إقليم كردستان من تسديد رواتب موظفيها، وشركاءها، وتواصل تعاملها مع العجز المتزايد، تواصل الاستثمار في صناعة النفط في المنطقة الكردية العراقية. وفي شهر مارس 2016، دفعت شركة جلينكور لحكومة إقليم كردستان 300 مليون دولار لتسويق نفطها الخام والتنافس مع شركات نقل النفط مثل شركتي فيتول وبيتراكو.

ومن المثير للاهتمام أن يكون المساهم المحتمل الأكثر أهمية لمستقبل استقلال إقليم كردستان عن الحكومة العراقية هو إيران. ففي صيف العام 2015، قامت ايران بالعديد من الزيارات إلى كردستان العراق لأسباب أمنية واقتصادية. وفي 28 يوليو عام 2015، زار نائب أمين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني إقليم كردستان العراق لإظهار الدعم للرئيس الحالي مسعود بارزاني. وفي 26 أغسطس 2015، التقى وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مع مسؤولي حكومة إقليم كردستان لتعزيز العلاقات بين المنطقتين.

وتأمل حكومة كردستان العراق في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المنطقة قادمة من إيران حيث تم رفع العقوبات المتعلقة ببرنامج ايران النووي. وإيران هي بالفعل ثاني أكبر شريك تجاري لكردستان العراق بعد تركيا بما يقرب من 4 مليارات دولار حجم التجارة السنوية بينهما، وتسعى إيران لتطوير البنية التحتية في كردستان العراق، وخاصة البنية التحتية للنفط والغاز. وفي مارس 2016 تم الإعلان عن أن إيران تجري محادثات لجلب نفط كردستان العراق إلى الخليج الفارسي عبر ايران. وتم استئناف المحادثات بعد عطلة عيد النيروز في يوم 5 أبريل عام 2016، وتوصلت حكومة إقليم كردستان العراق وإيران إلى اتفاق سوف يجري وضع اللمسات الأخيرة له في أربيل بعد شهر من الآن. وبالإضافة إلى ذلك، اقترحت إيران أن ترسل حكومة إقليم كردستان النفط الخام الى الخليج الفارسي في مقابل تزويدها بمنتجات الوقود والغاز الطبيعي لحماية كردستان العراق من نقص الطاقة. وسوف يؤدي التوصل الى اتفاق مع الإيرانيين إلى تنويع مسارات النفط العراقي الكردي، كما يؤدي إلى عائدات أقل تقلبا واعتمادا أقل على تركيا.

ويتم استخراج ما يقرب من ثلث الطاقة الانتاجية من النفط في كردستان العراق من الحقول الشرقية في طق طق، وسوارة تيكا، وشيا خير التي تقع بالقرب من الحدود الإيرانية ويتم تشغيلها من قبل شركة جينيل للطاقة وشركة HKN للطاقة، وشركة الطاقة، على التوالي.

وفي الوقت الذي تشهد فيه إيران رفع العقوبات، وتتطلع  فيه حكومة كردستان العراق إلى المزيد من الاستثمارات من قبل الدول الأجنبية التي تتطلع لتأمين امدادات الطاقة، تقترب حكومة إقليم كردستان من إضفاء الشرعية على حكمهم الذاتي في العراق. وتستفيد الشركات التي تعمل في حقول النفط العراقي في إقليم كردستان أكثر من غيرها من الدول الخارجية التي توفر البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها في المناطق النفطية. وقد بنيت الشركات مرافق لزيادة الانتاج الذي لم يتحقق بعد بسبب ضعف البنية التحتية اللازمة لإنتاج السوق.

إيران والاتصال التاريخي مع كردستان العراق

تمتلك إيران تاريخا طويلا مع كردستان العراق يعود إلى دعم إيران لأكراد العراق في أوائل السبعينات ضد الحكومة العراقية. وفي العام 1975، وفقا لاتفاقية الجزائر، سحبت إيران دعمها العسكري لكردستان العراق، وأصبح الأكراد ضحية للطرد و”التعريب”  القسري للمنطقة الغنية بالنفط. وخلال الثمانينات أثناء الحرب بين إيران والعراق، تمكنت قوات البيشمركة الكردية من استغلال ضعف العراق وانشغال الجيش، واستعادت أجزاء صغيرة من أراضيها بمساعدة الدعم الاستخباراتي الإيراني والأسلحة الإيرانية.

وبعد حصوله على الحكم الذاتي فعليا في العام 1991، تم تقسيم إقليم كردستان العراق بين حزب المنطقة الشمالية ،الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني في الجنوب مما أدى إلى نشوب حرب أهلية كردية عراقية في العام 1996. وكان الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال طالباني مدعوما من إيران مما أجبر الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني على التحالف مع العراق. وقد خلق هذا الأمر حالة من عدم الارتياح في المنطقة مع عودة احتلال العراق لإقليم كردستان. وعندما أعدم الجيش العراقي 700 عنصرا من قوات البيشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، اضطرت الولايات المتحدة، المتحالفة مع كردستان العراق، إلى اتخاذ إجراءات لتهديد صدام حسين من أجل سحب قواته من المنطقة.

وفي العام 1997، انضم حزب العمال الكردستاني المرتكز في تركيا إلى الحرب مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني في كردستان العراق. ووجدت تركيا فرصة لقمع حركة حزب العمال الكردستاني –الذي تعده تركيا جماعة إرهابية- من خلال تحالفه مع الحزب الديمقراطي الكردستاني. وفي أواخر العام 1997 وافق الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على اتفاق وقف إطلاق النار ومعاهدة السلام التي تبعته بدعم من الولايات المتحدة من خلال اتفاقية واشنطن لعام 1998. وتم توحيد كردستان العراق رسميا تحت حكومة إقليم كردستان التي ستستفيد لاحقا من الحماية العسكرية الأمريكية. واستفادت حكومة اقليم كردستان في وقت لاحق من حلفائها الأمريكيين خلال الغزو العراقي عام 2003، وأصبح مسعود بارزاني رئيسا لاقليم كردستان العراق في العام 2005.

وبعد عشر سنوات (2014/2015)، يواجه أكراد العراق تهديدا مختلفة يتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية. وقد وضعت الإبادة الجماعية التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية لمختلف الفئات المسلمة والأقليات العرقية في جميع أنحاء العراق وسوريا إقليم كردستان العراق في موقف ضعيف. وبالنظر إلى ضعف الجيش العراقي، قدمت إيران دعم الأسلحة لقوات البيشمركة الكردية من أجل التصدي لقوات تنظيم الدولة الإسلامية. وقد تمكن الأكراد العراقيين من التصدي لقوات تنظيم الدولة الإسلامية بدعم عسكري من إيران، والعراق، والولايات المتحدة.

دفع علاقات كردستان العراق وإيران إلى الأمام

نتج عن هذا تفاهما أساسيا بين كردستان العراق وإيران. فقد اعترفت حكومة إقليم كردستان العراق أن مساعدة إيران كانت عاملا رئيسيا في حماية شعبها، واقتصادها، ونظام الحكم الذاتي. وبالإضافة إلى ذلك، تنظر إيران إلى حكومة إقليم كردستان العراق باعتبارها حليفا استراتيجيا للاستفادة المتبادلة من التعاون العسكري والاقتصادي بينهما، بما يصور إيران على أنها رائدة الدبلوماسية في المنطقة في مرحلة ما بعد العقوبات.

ويعتبر اقتراح إيران بمد خط أنابيب النفط لتصل من كردستان العراق إلى الخليج الفارسي خطوة كبيرة في الاعتراف بالحكم الذاتي غير الرسمي لكردستان العراق من جانب الحكومة المركزية العراقية المتحالفة مع إيران. وعلى الرغم من أن إيران ترغب في رؤية عراق موحد، إلا أن إيران تدرك أن الاستثمار والتعاون المقترح في شمال العراق سيحتاج تمريره إلى موافقة حكومة إقليم كردستان مباشرة. وتدرك حكومة إقليم كردستان أن هذا الخط وغيره من مشاريع البنية التحتية المقترحة من قبل إيران سوف تساهم في الاستقلال الاقتصادي والسياسي للإقليم. وسوف تساعد إيران حكومة إقليم كردستان على توفير خيارات متنوعة لعامل الدعم الرئيسي لاستقلاليتها وهو: قطاع النفط والغاز في كردستان العراق.

12 أبريل، 2016