ما هو برنامج “Squad X”.. وإلى أي مدى سيغيّر الجيش الأمريكي؟


رويترز –

أطلق الجيش الأمريكي برنامجًا عسكريًا لتزويد الجنود في الخطوط الأمامية بأحدث التقنيات في ساحة المعركة. يزوّد برنامج “ Squad X”   مشاة الجيش أو البحرية بأسلحة مُحوسَبة جديدة، وأحدث الاتصالات على غرار الهاتف الذكي إلى جانب المساعدين من الروبوتات سهلة الاستخدام.

ويهدف البرنامج إلى مساعدة القوات في أن يكون “لديهم وعي عميق بما حولهم، والكشف عن التهديدات البعيدة، والاشتباك مع الخصوم بسرعة أكبر وبدقة عند الضرورة”، وذلك وفقًا للجنرال كريستوفر أورلوسكي، الذي يدير البرنامج نيابة عن وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية في البنتاغون.

لا يزال برنامج “ Squad X” مجرد فكرة؛ فالأمر منوط بــ أورلوسكي والمسؤولين الآخرين بوكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية وصناعة الدفاع لتحديد التكنولوجيا التي يتضمنها هذا البرنامج. ولكن هناك شيء واضح: الحكومة تريد إحداث تغيير عميق في طريقة تحرك وتواصل وقتال الفرق العسكرية.

المشكلة أنَّ الجيش الأمريكي حاول هذه الوسائل التقنية عدة مرات من قبل. لم تفشل المحاولات السابقة فحسب، بل كلّفت دافعي الضرائب مليارات الدولارات.

لكن عمل أورلوسكي ووكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية قد توقف. وفي الوقت نفسه، لدى الأمريكان الكثير من الأسباب للتشكك في نجاح هذا البرنامج، ليس لأن وزارة الدفاع الأمريكية قد فشلت مرارًا وتكرارًا في إدارة برامج الأسلحة المعقدة دون تجاوز التكاليف والمشاكل التقنية، لكن المثال الأبرز على هذا الفشل هو برنامج مقاتلات الغارة المشتركة باستخدام طائرات F-35.

في عام 2013، أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية “ Squad X” من أجل حل مشاكل خطيرة قائمة منذ فترة طويلة. وكانت الفرقة المكّونة من عشرة جنود هي أصغر وحدة عسكرية تقليدية قادرة على القتال بشكل مستقل. وعادة ما تحمل فرقة المشاة البنادق والقنابل اليدوية وبضعة رشاشات وبعض أجهزة الراديو. وهذا يعتمد على وحدات أكبر للنقل السريع، والقوة النارية الثقيلة والاتصالات بعيدة المدى.

اليوم، وعلى مدار التاريخ الحديث، حاربت هذه الفرق في ظل قيود كبيرة، ويكافح أعضاؤها باستمرار لاقتفاء أثر بعضهم البعض وأثر العدو كذلك، ولا يرون أي شيء سوى ما يقع على مرمى النظر ولا يمكنهم إطلاق النار إلّا على ما يرونه فقط.

وأوضح البنتاغون في الإعلان الأوليّ عن Squad X: “تفتقر فرق المشاة إلى وعي تفصيلي بظروف المكان المحيط بهم، وإلى اتصالات شبكية قوية والقدرة على تبادل البيانات التي تدعم القدرة على توقع الوضع التكتيكي”.  

وأضافت وكالة علوم الدفاع: “وهذا هو السبب في سهولة مباغتة الفرق بسبب عدم وجود بيانات عن أعضاء الفريق، والبيئة المحيطة بهم والتهديدات الحالية”.

حاول البنتاغون منذ أواخر التسعينات حل هذه المشاكل. حينها، كان التركيز أكبر على الشبكات؛ أي ربط كل جندي بجندي آخر، فضلّا عن الوحدات الأخرى وحتى الطائرات البعيدة ومراكز القيادة.

حاول برنامج “أرض المحارب”، الذي انطلق في عام 1993، تزويد كل جندي براديو وحاسوب يمكن حمله بسهولة، بالإضافة إلى عدسة تعكس الموقع من مستوى الرأس، حتى يستطيع كل جندي رؤية موقع الجنود الآخرين، والعدو، كرمز على خريطة رقمية تظهر على العدسة.

وفي طرفة عين، يفهم الجندي كيف تسير المعركة. كما أنَّ انتشار قوات الحلفاء على الأرض، وفي الجو، وحتى في الفضاء سيضيف معلومات محدثة للعرض الشخصي لدى كل جندي، وينقل البيانات على بُعد آلاف الأميال.

على الأقل هذا ما كان من المفترض أن يحدث.

لقد استغرق الجيش الأمريكي 15 عامًا ونصف مليار دولار لإنتاج مجموعات قليلة من برامج “أرض المحارب”. لقد جهّز وحدة مشاة بولاية واشنطن وأرسلها إلى العراق في عام 2007، لاختبار المعدات في ساحة المعركة.

كره المشاة تلك المعدات؛ إذ كان وزنها 16 رطلًا، ومن ثمّ فقد كانت ثقيلة جدًا. كما كانت المعالجات والبرامج بطيئة في التسعينات مقارنة بعام 2007. “وهذا كله يجعلك هدفًا أبطأ وأثقل،” كما قال الرقيب جيمس يونغ.

ولذلك، ألغى البنتاغون برنامج “أرض المحارب” في عام 2007. وفي الواقع، ظهر البرنامج مجددًا كبرنامج عسكري عُرف باسم” Nett Warrior”. هذه المبادرة الجديدة، التي بدأت في عام 2010، استبدلت الحاسوب والعدسة بهاتف ذكي متصل براديو خفيف الوزن.

يتم ربط تلك الهواتف في صدر الجندي وتعمل كشاشة حاسب صغيرة تعرض خريطة تبيّن مواقع الجنود الآخرين. ويمكن أن يرسل الجندي رسائل نصية إلى زملائه في الفرقة بدلًا من الصراخ أو التحدث عبر الراديو.

لكن هذا البرنامج عانى من بعض المشاكل التي عانى منها برنامج “أرض المحارب”. وأظهرت خريطة البرنامج جنود آخرين في مواقع خاطئة، وهذا تأخر لا يمكن تحمله في ساحة المعركة.

وكان الجنود الذين يختبرون العتاد في نيو مكسيكو في عام 2011، صارمين في رأيهم. وقال أحد الجنود: “البرنامج غير جاهز للاستخدام.”

ولا يزال الجيش الأمريكي يحاول فهم مكامن الخلل في البرنامج. وفي الوقت نفسه، جلب الجيش الآلاف من المعدات التي تكلّفت الملايين من الدولارات.

ولم تحدد وكالة الأبحاث المتقدمة تكنولوجيات معينة لبرنامج “Squad X”، ولكن التصوّر الرسمي الصادر مع الإعلان يشير إلى أنواع العتاد التي تأمل الوكالة في إدراجها داخل البرنامج.

يصوّر النموذج جنديًا يطلق ذخائر “ذكية” صغيرة موجّهة بدقة من بندقية هجومية قياسية. إنها فكرة مذهلة ولكنها قد تكون على بُعد سنوات من الاستخدام الفعلي في القتال. لقد بدأ الجيش في الآونة الأخيرة التجربة باستخدام قذائف مناورة صغيرة وذكية لتعقب الهدف وسهولة إطلاقها من بندقية.

وتُظهر الرسومات أيضًا الجنود برفقة مجموعة واسعة من الروبوتات، بما في ذلك سيارات جيب ذاتية القيادة، وطائرات استطلاع بدون طيار تحلق على ارتفاع منخفض، والروبوتات الحاملة التي تشبه الإنسان والتي تقوم باستكشاف أرض المعركة قبل الجنود. توجد كل هذه الأنواع من الروبوتات في النموذج الأولّ. وكما هو الحال مع الذخائر الذكية، فإنّه يمكن استخدامها في القتال بعد عام من الآن.

التسميات التوضيحية على النموذج تشير إلى أنَّ جميع الجنود، والروبوتات والذخائر تتجمع باستمرار، وتتبادل المعلومات، لخلق شبكة بيانات صغيرة حول ساحة المعركة؛ شبكة تتكيف باستمرار مع الظروف المحلية، وربما لا تعتمد بالضرورة على الأقمار الصناعية أو أي اتصالات طويلة المدى، حيث تقوم بذلك العديد من الشبكات العسكرية اليوم. وكانت هذه الشبكات المخصصة حلم التكنولوجيين في البنتاغون منذ فترة طويلة.

يضفي فن الترويج على برنامج “ Squad X” لمسة الخيال العلمي. ولكن هذا لا يعني أن البرنامج يفتقر تمامًا للواقع. من خلال هذا البرنامج، يأمل أورلوسكي ووكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية معالجة مشاكل البرامج العسكرية الأخرى التي فشلوا في حلها منذ أكثر من 20 عامًا. ويصرّون أنَّ هذه المحاولة الثالثة تختلف عن الجهود السابقة.

وقالت الوكالة: “في البداية، يفكر البرنامج في تغيير وزن المعدات، ولذلك سيقلل حجم النظام، والوزن والقوة بحيث يسهل على الجنود حملها”. وبصفة عامة، يجب أن تزن أقل من 16 رطلًا لإرضاء الجنود الذين اشتكوا من ثقل العتاد في وقت سابق.

ومثلما يتم تقليل حجم ووزن الهواتف والكاميرات وأجهزة الراديو والطائرات بدون طيار يومًا بعد يوم، فمن الممكن أن تقوم الوكالة بتجهيز الفرق دون إرهاقهم بالعتاد الثقيل.

وتحاول مبادرة “ Squad X” تجنب اختفاء الشبكات أو تأخرها، الأمر الذي عانت منه البرامج العسكرية الأخرى. كما أوضحت الوكالة أنَّ “قدرة أجهزة الاستشعار الحديثة على توليد وتوزيع البيانات التي تم جمعها يمكن أن تغذي بسرعة شبكات الراديو اللاسلكية المتقدمة.”

ولمنع هذا، تهدف تكنولوجيا “ Squad X” إلى الاعتماد على الأجهزة اللاسلكية “قصيرة المدى، وذات النطاق الترددي العالي، ومنخفضة الطاقة، والمقاومة للحرب الإلكترونية.”

في الواقع، تطلب الوكالة أن تعمل الأجهزة الجديدة داخل ساحة معركة لا تحتوي على نظام “ GPS” في حال منع العدو الوصول إلى الأقمار الصناعية الملاحية التي تعتمد عليها القوات الأمريكية.

وهذا الطلب لا يبالغ في تقدير قوة أعداء أمريكا المحتملين. عندما بدأ برنامج “أرض المحارب” وبرنامج “ Nett Warrior”، تمتعت الولايات المتحدة بالتفوق فيما يسميه الجيش الأمريكي “المجال الكهرومغناطيسي.” وبعبارة أخرى، يمكن للقوات الأمريكية أن تعوّل على وصول إشارات الراديو دون عوائق.

ولكن في السنوات الأخيرة، طوّرت روسيا والصين وإيران وغيرها من الدول من التكنولوجيا التي يمكن أن تعوق إشارات نظام تحديد المواقع. ولم يعد من الممكن أن تفترض القوات الأمريكية أن نظام “GPS” سينجح في زمن الحرب، حتى أورلوسكي ووكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية لا يفترضان ذلك، سواء.

وتعوّل الوكالة على الطائرات بدون طيار لتعويض فشل نظام تحديد المواقع. ويهدف برنامج “ Squad X” إلى “زيادة” معرفة أعضاء الفريق بأماكن زملائهم من خلال التعاون مع الأنظمة الجوية والبرية الإلكترونية. وتشمل تلك القدرات التعاون القوي بين البشر والأنظمة الإلكترونية.”

ليس من الصعب تخمين كيف يمكن أن ينجح هذا البرنامج. إذا كان الجندي على اتصال (عبر إشارات راديو قوية) مع اثنين على الأقل من الجنود أو الروبوتات الأخرى، وحتى الطائرات بدون طيار الصغيرة، إذن يمكنه معرفة موقعه من مواقع القوات الأخرى “باستخدام عملية حسابية تسمى التثليث.

عميلة حسابية بسيطة ومجموعة من الإشارات تجعل من الممكن لمجموعة صغيرة من الأفراد والآلات لتحديد مكان بعضهم البعض والتنقل دون الاعتماد على المركبات الفضائية البعيدة التي ترسل إشارات بعيدة المدى يمكن اعتراضها.

هذا التعاون الوثيق مع الطائرات بدون طيار هو أحد المميزات الجديدة لبرنامج ” Squad X “، إلّا أنه قد يكون الأكثر صعوبة بالنسبة لأورلوسكي ووكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية.  

وبالرغم من كل شيء، إذا أثبت التاريخ أي شيء فيما يتعلق بالتكنولوجيا الجديدة للرق العسكرية، فهو أنَّ شيئًا ما مثل الوزن وتأخر الاتصالات أو بعض التحديات التقنية الأخرى، سيعقّد، وربما يُنهي أي محاولة صريحة لتجهيز وحدات القتال على خط المواجهة بأحدث الأدوات.

تأمل وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية في نجاح التكنولوجيا الفائقة لفرق الجيش الأمريكي هذه المرة. ومن المقرر أن تستضيف الوكالة اجتماعًا في ولاية فرجينيا في أواخر أبريل الحالي لبدء تحديد مهام القطاع الخاص في تطوير الأجهزة الجديدة. وحده الوقت سيخبرنا ما إذا نجح برنامج “ Squad X” في تزويد الجنود على خط المواجهة بالتكنولوجيا الجديدة أم لا.