‘فواد الكنجي: قيم الحب وعقدة الإرهاب’

12 نيسان (أبريل - أفريل)، 2016

قيم الحب وعقدة الإرهاب

فواد الكنجي

يعتبر (الحب) من أكثر المشاعر السامية والإنسانية التي يعيشها الإنسان، حيث يغير كافة أنماط حياته، كما يغير من نظرته للحياة وللأشياء ويرفع من درجة الإدراك وفهم الحياة بشكل ايجابي ، ولما كان الحب هو حالة وجدانية يتميز بها الإنسان و بدونه ما كان يمكن للإنسانية أن توجد يوما واحدا، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي تبنى حياته على الألفة والمحبة والتعاون والتآخي بين إفراد أسرته والمجتمع، فالحب أساس خلقه ووجوده، بكون مشاعر الحب تسري في كيانه ووجدانه وضميره، في حسه، وفي عقله، ولا يستطيع العيش بدونه، فكيف الحال وان لمس وجدانه ومشاعره، فانه لا محال سيهيمن على مشاغله واهتماماته، و خلافه فان الإنسان سيتوارى خلف هواجسه ووساوسه ولا ينجوا الا وهو مريض عقد نفسية، وهي من الأسباب التي لا تعيق استمرارية وجوده كانسان سليم بل تعيق تطور المجتمع بكون حامليها مصابون بالسوداوية، وما نظرة المتصاعدة في مجتمعاتنا الشرقية في هذه الأيام ضد تطلعات المرأة العربية وحريتها، والمقنعة تحت ستار الدين، إلا هم ممن اصبوا هذه السوداوية، بكون الحب قوة قاهرة وسلطان يطغى على ما عداه . ولما كانت المرأة تتميز غالبا بالعاطفة القوية وبالحاجة الكبيرة لوجود شريك وحبيب داعم ومساند لها في كافة مجالات الحياة، فإنها عندما تحب تعمل بكل ما في وسعها من اجل إسعاد الأخر ليس الحبيب فحسب بل المجتمع بأسره، ليعم الخير للجميع لا وبل ان ما يقال عن المرأة يقال عن الرجل .
والحب كما يقول عنه (افلاطون) : هو “الطريق الخير الذي تصل إليه الروح إلى إدراك الحقيقة، ويفضل الحب الإدراك بمقدار ما يسمو الخير عن الحقيقة، فالحب أسمى عمل تقوم به الطبيعة الإنسانية، والحب الخالص بهذا المعنى هو الذي هدفه الخير.” ‏ وبهذه المشاعر تواجه المرأة العالم بأسره، فالمرأة على استعداد ان تضحى بكل شيء من أجل الحب ومن تحب، فلا يستطيع العقل الوقوف في مواجهة مشاعرها، مهما فرض عليها من قيود وإحكام، بكون ذلك جزء من كيانها وحريتها الشخصية، وبكون جذور الحب تكمن في الحاجة إلى الانتماء وخلق علاقاته الخاصة تمس وجدانها المتمثل بضميرها المحب للخير. لأن ماهية الحب هي الرغبة للاندماج مع شخص آخر والمجتمع، وهي أكبر توقانا لدى الإنسان، إنها أشد عواطفه جوهرية، أنها القوة التي تبقي الجنس البشري متماسكا ، والفشل في تحقيق هذا الاندماج يعني الفوضى والدمار للآخرين، وهذا ما نلتمسه من خلال ما يقوم به شلة من الإرهابيين أخذوا من الدين ستار لهم – كما قلنا – ليفرضوا واقع مزري بفكر متخلف يطمس حرية المجتمع وبالأخص حرية المرأة، ليجعل منها جسدا رخيصا للهو، أسيرة السبي واغتصاب وجارية يتلاعبون بهنّ و بقيم الأخلاق، لدرجة التي وصل الأمر بهؤلاء المنحرفون الإرهابيون إلى إباحة الجنس حتى مع المحارم دون ورع وخجل، وهذا فعلهم جاء بعد ان فقدوا القدرة على الحب، والذي يفقد الحب من ذاته فان روحه لا تسموا بل تخفق، وحينما يخفقوا في الحياة فان إرادة الشر ستسيطر على نفوسهم بضعفها وهذا النقص يؤدي بهم إلى التوحش باعتداء على حرية الآخرين كإفراز هرموني سلبي يفرزه العقل نتيجة خلل وضيفي فينحرف مسار سيرهم بسلوك طريق الشر و الخطأ، وللأسف ما مهد ويمهد ويشجعهم إلى هذا المسلك هي (فتاوي) غير منطقية بل تشجيعية يطلقها أناس هم أيضا دون أدنى شك مصابون بشذوذ وعقد نفسية مريضه، فما من مجتمع سليم يعيش على ارض هذا الكون يقبل هذا السلوك ويترك لهم حرية التصرف والانتشار في أوساطه…!
ومن هنا تأتي أهمية التعليم وتربية الأخلاقية في المجتمع والوعي والحرية الواعية بقيمها النبيلة في حدود ما لا يعيق حرية الأخر وبما أحب لنفسي أحبه لغيري، وحينما يصل وعي الإنسان إلى هذا المستوى من المسؤولية و الوعي يكتمل الحب في ذاته بعد ان تكون الحرية قد وجدت في الذات طريقها نحو التحرر من قيود الأنانية، فان تلاقي حريتي مع حرية الأخر يتحرر المجتمع من عقده ويسعى إلى الحب، لرسم صورة الحياة بقيم الشهامة والمروءة والعز والافتخار لبناء مجد الإنسانية بسمو أخلاق وتعاطف وتآخي . فلا جدال بان طريق الحب بين المحبين هو انتصار لذات وقهر للأنانية، لان أي خلل في صورة الحب في الذات الإنسان فانه لا محال يولد بما هو متناقض عنه كليا، من التمرد والعزلة و الألم و العنف وهي صور شاذة كشذوذ التي نجدها عند المقاتلين الانتحاريين لزمر الإرهاب الذين راحوا باسم الجهاد بتثويب فشلهم بشعارات الدين، فما صوره السبي النساء واستبعاد المرأة وجعلها مجرد جارية الا رغبة لإبقاء العبودية بذات المريضة وإحلال النكاح ليس معهن فحسب بل حتى مع المحارم، الا أبشع صور للإمراض النفسية الشاذة والتي تفاقم إعراضها في ذوات هؤلاء المنحرفين، لدرجة التي تحول الحب في ذواتهم، بعد ان فقد سبيله في سموا تربيته في ذواتهم وبشكل سليم، فولد نقيضه في الذات ذاتها، لان بقيم الحب وما له من معطيات الفرح والسعادة وسمو واللذة والجمال التي تتفتح في الذات ونفس الفرد أفاقها الرحبة في العالم، وكأنها تعيش السعادة ان لم تكن في رسم السعادة نفسها. وان واجه هذا (الحب) ما يعيق طريق تنفسه في ذات الإنسان، فان كيميائه يفرز سموما بما يقلب تفكير وجدانه إلى أفعالا سلبية موحشة لا تسعى إلى هدم ذات الفرد فحسب، بل إلى هدم الوجود كله، وتشويه كل ما هو جميل فيه، حسب التحليل علم النفس لنمط السلوك والتصرف المنحرف لهؤلاء المحرضين بهم من الانتحاريين وبمن يسموا مجاهدي، كفصائل القاعدة ودواعش ومن يسيروا في ركبهم، فيحول طريق الحرية إلى طريق العبودية باستبعاد امرأة أولا ثم المجتمع برمته، ليزرعوا اليأس في قلوبهم بدل من الأمل، والألم والشجن بدلا من الفرح، ليصبح طريقهم سعيا إلى الموت وليس سعيا إلى الحياة و يحولون الشمس إلى الظلام، و الأبيض إلى لون الأسود فاتخذوا منه رمزا ليرفعوه في راياتهم السوداء مبشرين بهذا الطريق المظلم ….! وهذا الطريق الذي دخلوا فيه جاء نتيجة عدم استطاعتهم التواصل مع الحياة عن طريق الحب ، فكيف لهم إن يتواصلوا مع الآخرين وهم من وضعوا حدودا لحرية الأخر دون أن يسمح لهم بتحقيق أي تواصل حقيقي مع الحرية لان المعطي فقد عطاءه فكيف يعطي ما فقده ، ففاقد الشيء لا يعطيه هذا منطق الفلسفة والعلم ، فكيف يستطيع الإنسان أن يحب بمعناه الحقيقي، وهو قد فقد الحب من قلبه وضميره، لان الحب هو ضرب من التماس بين حريتي وحرية الآخر، لان الحب هو عطاء للحرية، والحرية لا تقهر الحب، بل إنهما معا يقودان الإنسان إلى التحرر، وهذا هو الحب الحقيقي السليم الخالي من العقد، لان من يحب لا يأخذ حبيبه قهرا لحريته، بل لينمي حريته وليس لاستعباده والظفر بامتلاكه بل لتحريره، كي لا يستحيل أمره إلي مجرد قيد وعبودية, إلا حينما يكون قد مات بالفعل . فالرغبة في الامتلاك هو قيد كما يسعى هؤلاء الانتحاريين مجاهدي القاعدة والدواعش ومن سار في ركبهم، في سعيهم لامتلك الإنسان و كل شي ، ولكن هذا لا يتم إلا حينا يكون الإنسان وكل شي قد مات بالفعل …..!
فهؤلاء قد نسوا كيف يسعون إلى التواصل و الانتماء إلى هذا العالم، بكونهم ظلوا طريق التواصل والألفة والمحبة لحجم توغل ذواتهم في الغنوص المرضي نحو الديانة السلبية القاتلة، فطوقوا أنفسهم بالعزلة والاغتراف ومضوا نحو طريق السلب والموت.
فليس هناك من مسعى الى تواصل والانتماء إلى هذا الوجود الا مع الحب ، فالحب وحده هو من يمنح هوية الانتماء إلى هذا العالم، ويجعل من الذات ملتقى البهجة والسعادة تحب البشرية جمعاء، فالحب مشاعر تأتي بفيض روحي دون أملاءات من هنا أوهناك، هي في صميم وعمق ذات الإنسان، هو كهواء يأتي دون لون وشكل، لا يشترى ولا يباع ومن اجله يقدم المحب العاشق، كل التضحيات ويفعل كل مستحيل من اجله، وبوجوده في عمق الذات يمكن ان تحقق ما تعجز عن تحقيقه اقوي الإرادات، ولكي نشعر بهذا العطاء الخلاق لابد من اليقين بان الحب يسقى باللمسة حنان وطيبة، وبلمس عواطف جياشة، و مشاعر نبيلة، وبفيض روح هائمة لأدامه تواصله في ذواتنا، فهو كالشجر إن لم نسقيه ذبل ومات من ذواتنا، فلنسعى لسقيه و لنرويه وننشد بإلحانه ولنتفن لإبداعه، بكون الحب فن وصناعة، فان اتقنا صياغته لأبدعنا في روائع إنتاجه، لان الحب عملية خلق وابتكار وصناعة بحاجة لذوات المحبة إتقان فن إبداعه، لنستلذ بجمال عطاءه، فبقدر ما نعطي له من فعل خير نحصد ثماره خيرا .

المصدر: فواد الكنجي