‘الدعايات الإعلانية: العبودية التي لا يتحدث عنها أحد’
13 أبريل، 2016
سياسة بيع الجمال والحب والجنس، هي سياسة الإعلانات من بعد الثورة الجنسية في الثمانينات من القرن الماضي، ليندرج جسد المرأة تحت هذه السياسة في محاولة لبيع جسدها هي الأخرى، ولكن بالطريقة التي يحب مروجي الإعلانات عرضها أو بالأصح بيعها، هناك قاعدة في عالم الإعلانات، يجلب الإعلان المال أكثر من المُنتَج، وهذا معروف لشركات الإعلان المشهورة، وهذا أيضًا ما دفع صناعة الدعاية والإعلان لتخليها عن منصب الصناعة ذات الـ 20 بليون دولار في أواخر السبعينات لتصل إلى صناعة الـ 180 بليون دولار في بداية القرن الواحد والعشرين، بمعدل 3000 إعلان يوميًا، مما يعني أن هناك 3 سنوات من حياة الفرد الأمريكي على سبيل المثال عبارة فقط عن مشاهدة للإعلانات.
الطريقة التي ترى الإعلانات بها المرأة
الإعلانات ليست فقط صناعة مخادعة يمكنها إقناعك بشراء ما لا تحتاجه بثمن باهظ، بل هي نوع جديد من العبودية لا يتحدث عنه أحد، ولا يتم إدراجه في تصنيفات العبودية الحديثة، فمنذ الستينات وحتى الآن، ومع زيادة التقنيات التكنولوجية، استخدمت صناعة الدعاية والإعلان المرأة بشكل خطير يمكن إدراجه تحت مصطلح العبودية، فكانت المرأة عبارة عن أداةٍ تُستخدم فقط من أجل إعطاء المشاهد جوًا من الإثارة والإغراء بجوار المُنتَج المعروض، فالإعلانات حاليًا تقتل الصورة الطبيعية للمرأة بشكل بطيء وغير ملحوظ، فبمساعدة الفوتوشوب، كوّنت الإعلانات صورة مصطنعة للمرأة الكاملة والجميلة والنحيفة التي تمتلك كل ما ترغب فيه المرأة العادية من مواصفات للكمالية أو الجمال، فوصل الأمر إلى جملة مشهورة قالتها سيندي كارفورد، إحدى العارضات المشهورات، بقولها ” ياليتني كنت مثل سيندي كارفورد” مشيرة إلى نفسها في الإعلان بعد التغيرات والعجائب التي أحدثها الفوتوشوب في شكلها.
استطاعت الإعلانات بجدارة رسم صورة المرأة الفائقة الجمال أو الكاملة في نظر كل من المرأة والرجل، فبات عقل الرجل يفكر في مواصفات كاملة للمرأة من الصعب للمرأة العادية الوصول إليها، وصارت المرأة في حالة من عدم الرضا بالنفس “Low self esteem”، وهي الحالة التي تدفع العديد من مراهقات وفتيات العصر الحالي لبذل كل المجهود على شكلهم الخارجي للتحول من مجرد مراهقات لم يتجاوزن الرابعة عشر إلى فتيات يحاولن الوصول إلى الصورة الكمالية التي ترسمها لهم الإعلانات.
أدرك مصممو الإعلانات وكذلك مديرو التسويق القوة الكامنة في كل صورة يعرضها الإعلان على المشاهد، فالآن يمكن للرُضع وهم في عمر 6 شهور إدراك العلامات التجارية المميزة لبعض الماركات المعروفة، وذلك هو الهدف الذي يلعب عليه التسويق وكذلك الدعاية والإعلان، قوة الصورة التي يتم زرعها في العقل الباطن للمشاهد، والتي ستجبره بعد فترة لمحاولة الوصول إليها، حتى وإن لم يكن يحبها أو مقتنع بها بشكل كلي.
تعيش المرأة الآن حالة من الضغط الإعلاني إذا صحت تلك التسمية، الإعلانات تجبرها أن تكون جميلة ونحيفة، وأن تمتلك الشفاه الرائعة والبشرة الناعمة والجسد الجذاب ولون الجلد اللامع، وبالتالي تنضج الفتيات مع تلك الفكرة طوال حياتهم، بأن جمالهم الحقيقي ليس كافيًا، أو أن وزنهم الحالي ليس جيدًا بما يكفي، أو أنها ليست جذابة على الإطلاق، لنرى ما يفعله الفوتوشوب بتلك النجمات التي تتصارع الفتيات في أن تبدو مثلهن، فإذا أخذنا البشرة على سبيل المثال، سنجد أنه تبدو البشرة السمراء أو السوداء على غير حقيقتها في الإعلان، ويتم تفتيحها لتبدو بشكل أكثر جذابية، نجد ذلك بشدة مع الفنانة “بيونسيه” في الإعلانات، حيث تبدو بشرتها على غير حقيقتها في الإعلانات.
إعلان رالف لورين في محاولة لإعطاء العارضة المظهر الجسدي الجذاب والكامل، إلا أن الفوتوشوب لم يستطع إكمال المهمة بتلك البراعة، فيبدو بوضوح في الإعلان على اليسار أن رأس العارضة أكبر بكثير من جسدها.
“تذكر دومًا بأن العيوب أمر عادي” هذه تغريدة للمغنية “لورد” على حسابها الشخصي على تويتر حينما وجدت الفرق بين شكلها بعد إضافات الفوتوشوب وشكلها الحقيقي بدونه.
ازداد الأمر وقاحة عندما بدأت الإعلانات في إهانة بعض من أجزاء جسد المرأة في سبيل الترويج لمستحضرات تجميل أجزاء أخرى، وانتشرت موضة من الإعلانات والتي كان هدفها أن تكون مضحكة للجمهور، ولكن هي في الأصل مسيئة كليًا عندما تحقر من جزءٍ معين من جسد المرأة مع اختلاف شكله من امرأة لأخرى، ولكن باستخدام المنتج الذي يعرضه الإعلان، ستحصل المرأة على الشعر الذي ترغب فيه، بغض النظر إن كان بعضٌ من أجزاء جسدها لا تلائم مقاييس الجمال الموضوعة من قِبل الدعاية والإعلان.
ماذا عن الرجل في الإعلانات؟
مؤخرًا بدأ يتعرض الرجل إلى تلك الموجة من استخدام البشر كأدة للجنس فقط لا غير من أجل مصالح سلعية أو مادية، ولكن ما يفعله أصحاب الدعاية والإعلان في الرجل هو جعله أكبر حجمًا من الحقيقة، بعضلات بارزة وجسد رياضي، وبهذا يكون الرجل جذابًا، ولكن لم يحدث أبدًا أن يتم السخرية من أجزاء في جسد الرجل في أحد الإعلانات كما يحدث مع المرأة، كما أن أول إعلان تم استخدام الرجل فيه كأداة سلعية للجنس تم تناوله بشكل مختلف من قِبل الصحافة حينها على عكس ما حدث مع المرأة تمامًا.
يتم حاليًا تصوير مشاهد يمكن وصفها بالإباحية في الإعلانات المروجة لبعض المنتجات أهمها منتجات العطور العالمية، حيث يتم استخدام جسد المرأة بدون إظهار ووجهها في معظم الأحيان وهي في وضع مستسلم تمامًا للرجل الذي يظهر بكامل أناقته ببدلة رسمية في الإعلان، حيث تبدأ قصة قصيرة في إغواء المرأة للرجل يظهر بعدها زجاجة العطر وتحتها اسم العلامة التجارية بخط واضح وينتهي الإعلان.
من المعروف في عالم الدعاية والإعلان أن الإعلانات لا تعرض المنتج فقط، بل تعرض فكرة وقيمة خلف الإعلان، ولكن ما تعرضه الإعلانات الحالية بتلك الطريقة الإباحية أو الطريقة المعتمدة فقط على الجنسية ما هي إلا طريقة أخرى لقول أن الجنسية مبدأ متاح لكل من كان يافع وجذاب، وكل ما عدا ذلك فيجب أن يشعر بالعجز أو بالنقص، وهذا يظهر كليًا إذا نظرنا إلى الجيل الحالي من الأطفال، فيمكن للأم الآن شراء حذاء الكعب العالي لطفلتها التي لم تبلغ العام، ويمكنك أن ترى مراهقات بدأن في وضع مستحضرات التجميل على وجههن وهن لم يتعدين العاشرة، نعم، نحن نسمح لأطفالنا بالظهور بالمظهر الجذاب والمغري، ولكن لا نعلمهم شيئًا صحيًا عن الجنس، وبمشاهدتنا لتلك الإعلانات، نحن نسمح لتوجه ضخم من الإساءة الجنسية المُتعمّدة والواضحة والتي تستمر يوميًا بعرض مشهد لامرأة شبه عارية وسط مجموعة من الرجال لعرض منتج للجينز على سبيل المثال، ولكن هو في الحقيقة مشهد آخر لاغتصاب جماعي حسن المظهر بأنثى جميلة ورجال بأجساد رياضية، كما أنه قبول عام على مقاييس جمالية اصطناعية مصنوعة من قبل البشر، في حين أن الكمالية أمر نسبي بين الناس، فكيف يتم الاتفاق على مقاييس للكمالية يقبل بها الجميع.
تلك الإعلانات تشكل أذى مستمر على عقلية المرأة والرجل على حد سواء، وتضعف من شعور كليهما بأنه مرغوب فيه من الجنس الآخر، فيؤثر بالتبعية على الثقة بالنفس والشعور بالرضا، ويشعر الرجل بأنه فشل أن يكون رجلًا، وتشعر المرأة على الجانب الآخر، بأنها فشلت أن تكون امرأة، لأنها لم تُطابق المقاييس.