الفضاء.. ميدان جديد لاستكمال الحرب الباردة

13 نيسان (أبريل - أفريل)، 2016
10 minutes

كانت البعثات جزءا من رحلات الفضاء منذ ظهورها، إذ عكفت على إطلاقها بانتظام منذ فترة طويلة قوى فضائية تقليدية كالولايات المتحدة وأوروبا وروسيا.

ودخلت اليوم مجموعة جديدة من اللاعبين إلى الساحة، وتم إرسال بعثات إلى القمر والكويكبات والأجرام. وتولت كل من الصين واليابان والهند على وجه الخصوص كل شيء، وحاولت أو أعلنت عن إرسال بعثات إلى المريخ في السنوات الثلاث الماضية.

ويقول علماء ومحللون إن انتشار الاستخدام العالمي للفضاء سيكون السمة المميزة للقرن الحادي والعشرين، وإن البعثات العلمية المكثفة ليست سوى جزء من هذا التوجه.

وسيكون الوصول إلى الفضاء ضروريا بالنسبة لعدة دول لمتابعة كل الأهداف والتطلعات العسكرية والاقتصادية. ومن المتوقع أن ترفض تلك القوى التي تعتمد على هذه التكنولوجيا أن يكون لها شركاء يساعدونها في إطلاق البعثات.

وتعمل اليابان والهند والصين وإيران وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية على تعزيز قدراتها في مجال إطلاق رحلات إلى الفضاء، وقريبا ستنضم إليها دول أخرى.

وتوقع الكثيرون أن تركيا والبرازيل والأرجنتين قد تتبّع نفس الطريق، وهو ما ينبئ أنه في العقود المقبلة سيكون السعي للسيطرة على الفضاء أمرا بالغ الأهمية على الصعيد الوطني، وبالتالي سيشتد التنافس حتى على السماء.

ما بعد الحرب الباردة

مثلت نهاية الحرب الباردة بداية التحول في برامج الفضاء من البرامج العسكرية في المقام الأول لتشمل التطبيقات التجارية. عندما زالت الفجوة بين الكتلتين الشرقية والغربية، ورثت روسيا وأوكرانيا القدرات الفضائية للاتحاد السوفييتي، وسرعان ما انتقلت إلى محاولة استقطاب فرص جديدة لغايات تجارية من الأسواق البعيدة.

في الوقت نفسه، بدأت الولايات المتحدة تحرير برامج الفضاء، مما سمح بدخول القطاع الخاص إلى هذا المجال. وقد أصبحت هذه الشركات الجديدة حيوية في مجال استراتيجية الفضاء الأميركية.

وعرضت أوروبا والصين واليابان خيارات بديلة. ومع زيادة الخيارات المعروضة، تراجعت تكلفة الوصول إلى الفضاء، خاصة بعد رفع القيود المفروضة على الرحلات إليه.

لاحقا أدى ظهور الإنترنت إلى تعزيز روابط هذا العالم الذي أصبح أكثر تناغما، وتم تطوير العديد من التطبيقات التجارية الجديدة المتعلقة بتكنولوجيا الفضاء، بما في ذلك التصوير، ونظام تحديد المواقع والاتصالات عبر الأقمار الصناعية.

وتشهد صناعة الفضاء الآن ازدهارا وقدرة تنافسية عالية، وهو ما أدى إلى استقطاب القوى التكنولوجية والصناعية الناشئة والراسخة على حد سواء. وفي الوقت الذي تم فيه بناء برامج الفضاء السوفييتية والصينية والأميركية استنادا إلى النفقات العسكرية الهائلة، تمكن الملتحقون الجدد بمجال الفضاء من دخول هذا العالم بثمن بخس نسبيا. وقد أدت هذه الزيادة في البعثات الفضائية العلمية إلى عدم جني أرباح مالية فورية.

كوريا واليابان والهند

وتحرك التوجه الحالي نحو الفضاء دوافع مختلفة، دفعت اليابان والصين وكوريا الجنوبية والهند وكوريا الشمالية وإيران إلى تشكيل طبقة جديدة من اللاعبين الجدد في الفضاء.

كما يتركز العديد من الملتحقين الجدد في آسيا. وتعتبر كوريا الجنوبية واليابان من بين الدول الأكثر تقدما من الناحية التكنولوجية في العالم، وهو ما يمنحهما الوسائل اللازمة لتطوير المعرفة الضرورية بإنشاء النظم الفضائية المتطورة، والاستفادة من الخبرات في مجالات مثل بناء السفن للتوسع في قطاع الطيران، ومنافسة غيرهما من الدول التي ترسل الرحلات الفضائية لغايات تجارية.

لا تلقى تلك الدول منافسة في العلوم العامة والبحوث التكنولوجية والأنظمة الأكاديمية والتنموية إلا من طرف الولايات المتحدة، التي تمنح هذه المؤسسات المزيد من الاهتمام بدراسات علوم الفضاء ودراسة الأرض بشكل عام.

ويعني هذا أنه من المهم بالنسبة إليها الوصول إلى النظم الفضائية من أجل الحفاظ على استمرارية النشاط الفضائي الاقتصادي، وربما العسكري.

وتحتل اليابان طليعة الأبحاث حول قضية “إزالة الحطام الفلكي” عبر شبكتها “سبيس تيثرد اوتونيموس روبوتك ساتيلايت- 2”، وهي شبكة فضائية مغناطيسية عملاقة.

لكن طوكيو وسيول لم تطورا قدراتهما لأسباب تجارية. كما اعتمدت بكين موقفا عسكريا إقليميا أكثر عدوانية، فقد طورت اهتمامها بتكنولوجيا الفضاء للمساعدة في الملاحة الأرضية، إلى جانب تطبيقات أخرى.

ويقول محللون إن المنافسين الإقليميين للصين مثل اليابان وكوريا الجنوبية هم الآن في نفس الوضع الذي كانت عليه أوروبا الغربية زمن الحرب الباردة، إذ لا يمكنهم البقاء معتمدين بشكل كلي على حسن النوايا الأميركية، ولهذا السبب، قرروا المضي قدما في الاستثمار في تطبيقات عسكرية لتكنولوجيا الفضاء إلى جانب التجارية.

والقدرات الفضائية لكوريا الجنوبية متخلفة مقارنة بتلك التي تملكها كل من اليابان والصين، لكن الكثيرين يتوقعون أن تتطوّر برامجها الوليدة بسرعة خلال العقد المقبل.

وكشفت سيول في عام 2013 عن أول مركبة إطلاق فضائي كورية “نارو- 1”، وحدد معهد بحوث الفضاء الكوري خططا طموحة للهبوط على سطح القمر بحلول عام 2020. وحين النظر إلى أبعد من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، يبدو برنامج الفضاء الهندي أمرا مرحليا.

وتمتلك نيودلهي حاليا القدرة على توجيه بعثات إلى فضاء بتكلفة زهيدة، ولكنها محدودة من حيث طاقة الشحن، إذ حملت كل البعثات الهندية إلى القمر والمريخ حمولات صغيرة. كما تمتلك الهند القدرة على أن تصبح بلدا مطلقا للرحلات الفضائية بتكلفة منخفضة للشركاء المستعدين لذلك، شرط أن تزيد من قدراتها وتركز على البعثات لغايات علمية.

دخول كوريا الشمالية وإيران على الخط

وتختلف برامج الفضاء بين كوريا الشمالية وإيران اختلافا واضحا مقارنة ببرامج نظرائهما من آسيا. وبالنسبة لمعظم هذه القوى الآسيوية، يرتبط الدافع وراء الوصول إلى الفضاء بعوامل استراتيجية واقتصادية عديدة.

لكن الحال ليست هي نفسها بالنسبة لبيونغ يانغ أو طهران، إذ تهدف برامج الفضاء التي تتبناها هذه الدول إلى تخفيف الضغط الغربي وضغط المنافسين الإقليميين.

وتحتاج إيران إلى إحداث التوازن مع المملكة العربية السعودية وباكستان، في حين تتطلع كوريا الشمالية إلى الوصول إلى التوازن مع اليابان وكوريا الجنوبية. وبرنامج كوريا الشمالية الأكثر تقدما، حيث يهدف إلى تطوير صواريخ تكون قادرة على تأمين الردع ضد الأسلحة النووية.

وعلى النقيض من ذلك، فلا تجد إيران نفسها على قدم المساواة مع أي من القوى الناشئة في مجال الفضاء، وتأتي في ذيل الترتيب خلف كوريا الشمالية.

ويخضع برنامج طهران بشكل مباشر لسيطرة الحرس الثوري، الذي يتحكم في قوات متشددة وفي المصالح القومية للبلاد في الداخل أو الخارج.

وتكافح طهران حتى تضمن بقاء برنامجها الصاروخي خارج الاتفاق النووي الذي وقعته مع الغرب في يوليو من العام الماضي. ويعني هذا أنه بمقدور إيران إجراء تجارب للتكنولوجيا المتعلقة بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات، بما في ذلك إطلاق المركبة الجديدة سيمرغ، دون المخاطرة بفرض عقوبات جديدة عليها.

القوة العظمى المهيمنة

بما أن العديد من القوى اقتحمت مجال الفضاء، تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق هدفين مختلفين. الأول هو إعادة رسم عقيدتها العسكرية بخصوص الفضاء، والتي تقوم بها قيادة القوات الفضائية الأميركية للتعامل مع نظام برامج جديدة.

ويعني هذا عسكرة الفضاء للدفاع عن الأنظمة الحيوية بطريقة غير مسبوقة، منذ منتصف الحرب الباردة، بما في ذلك أسلحة المظاهرات المضادة للأقمار الصناعية والبحثية، إلى أسلحة الطاقة الموجهة القادرة على إتلاف مكونات مهمة من الأقمار الصناعية أو إخفائها.

في الوقت نفسه، تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على الوضع الفضائي الحالي كمصلحة عامة. فظهور شركة الطيران “سبيس إكس”، ومقرها الولايات المتحدة، وغيرها من الشركات الخاصة التي تعمل في مجال إطلاق الرحلات الفضائية، أدى إلى تخفيض تكلفة الوصول للفضاء، وجعل الأمر أكثر سهولة حتى تتسنى للجميع المشاركة.

وتزايد اهتمام القطاع الخاص برحلات الفضاء، ليشمل شركة “مارس وان”، مقرها هولندا، والتي تأمل في أن تكون أول من يأخذ البشر إلى كوكب المريخ، إلى جانب شركتي الرحلات الفضائية التجارية “فيرجن غالاكتيك” و”بلو أريجين”.

ومن منظور استراتيجي أميركي، تبدو واشنطن أكثر استعدادا للسماح للدول الأخرى بإرسال أقمار صناعية، ولكنها تريد الحفاظ على هيمنتها على النفاذ الفعلي إلى الفضاء من خلال إطلاق قدرات شركات مثل “سبيس إكس”.

وتعترف الولايات المتحدة الآن أنه لا يمكنها أن تفرض قيودا على الوصول إلى عالم الفضاء على نحو فعال، وهذا ببساطة لأن قدرات الإطلاق أصبحت الأن متوفرة بيد العديد من المطلقين في القطاعين الخاص والحكومي.

وبدلا من ذلك، يجب على واشنطن أن تعلق اهتمامها الاستراتيجي على الحفاظ على ميزتها الحالية كقوة صناعية ومبتكرة في العالم لتتفوق على منافسيها البارزين في جميع أنحاء العالم.