تحركات المملكة الخارجية.. سد للفراغ الأمريكي ومواجهة للنفوذ الإيراني
13 أبريل، 2016
برز سعي المملكة الحثيث خلال الأسابيع القليلة الماضية لترتيب البيت العربي، وإحياء التحالف السني العربي، والبروز في ريادة المنطقة، في مقابل المد الإيراني الصفوي، من خلال تحركات الملك سلمان بن عبد العزيز الأخيرة بين تركيا ومصر، وتحرك ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بين الإمارات والأردن، والتي سبقت زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمنطقة، بالإضافة للتحالفات، التي تبنيها المملكة بين محور الدول السنية خلال الأشهر القليلة الماضية.
ويرى مراقبون أن تحركات المملكة وسبقها للزيارة الأمريكية، تأتي بمدلولات عدة، أبرزها أنها تواجه المسعى الأمريكي في تقسيم النفوذ بالمنطقة بين طهران والرياض، أو ما وٌصف بمواجهة “عقيدة الخيانة الأمريكية”، وتستقطب صفًا إقليميًا موحدًا يواجه السيطرة الأمريكية، أو يساهم في إخراج المملكة من عباءة الولايات المتحدة ونفوذها، أو كما وصفه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأنه سد للفراغ الأمريكي في المنطقة.
وتشير تقارير إلى أن تلك التحالفات كالتحالف الإسلامي، والتحالفات التي تم بناؤها مع تركيا في إطار الأزمة السورية، والاتفاقيات مع مصر، لا تقتصر على الدول الإسلامية السنية، بل وصلت لمحاولة جمع المثلث الإقليمي الذي أعلنت الولايات المتحدة رفع غطائها عنه، وتحديدًا مصر وإسرائيل والمملكة، من خلال دخولها في إطار اتفاقية كامب ديفيد الأخير، بسيطرتها على جزر تيران وصنافير، مما يفتح لها باب التواصل مع الكيان الصهيوني تحت ذريعة الأمن والسيطرة على الحدود المائية.
زيارة أمريكية للمملكة
في الوقت الذي تشهد فيه المملكة جولة واسعة للملك سلمان، وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مر خلالها على أغلب الدول السنية المحورية بالمنطقة، وأسفرت عن اتفاقيات إعادة تشكيل شكل الخارطة، والتحالفات في المنطقة العربية، فإن المملكة تنتظر زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
حيث كشفت جريدة الواشنطن بوست الأمريكية منتصف مارس الماضي، أن زيارة أوباما للمملكة ستجري في الـ21 من أبريل القادم، حيث سيسعى الرئيس الأمريكي لبحث العلاقات مع المملكة، كما سيحضر اجتماعًا مع قادة مجلس التعاون الخليجي.
وتأتي تلك الزيارة وسط تباينات في العلاقات (السعودية – الأمريكية)، وعقب إعلان أوباما عن هدفه إعادة توزيع النفوذ في المنطقة بين إيران والمملكة، وما يصفه مراقبون بمحاولات السياسة الأمريكية سحب يدها عن الأزمات في المنطقة، والتي برزت بشكل واضح في عدد من الملفات.
الملك سلمان من تركيا لمصر
وفي إطار تحركات الخارجية التركية كانت آخر تحركات الملك وصوله أمس الاثنين، للعاصمة التركية أنقرة، في زيارة رسمية تمتد إلى الثالث عشر من الشهر الجاري.
وسيجري الملك سلمان خلال زيارته محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، تتناول أبرز الملفات الإقليمية والدولية، بالإضافة لمستقبل العلاقات بين البلدين.
كما سيشارك الملك بعد ذلك في أعمال القمة الإسلامية الثالثة عشرة، التي تنظمها منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول يومي 14 و15 أبريل الحالي.
ويحمل الملك سلمان وأنقرة رؤية موحدة حول الأزمة السورية، كما يتشاركان في عدد من التحالفات السنية المهمة بالمنطقة، وأبرزها التحالف الإسلامي، والتي توصف بأنها تحالفات لمواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة.
ووصل الملك سلمان لتركيا عن طريق مطار القاهرة، بعد قيامه بزيارة لمصر بدأت الخميس الماضي، وتوصل خلالها لعدد من الاتفاقيات وصلت لـ17 اتفاقية تجارية، بالإضافة لاتفاقيات ترسيم الحدود مع مصر.
ويعد الاتفاق الأبرز الذي أسفرت عنه زيارة الملك سلمان لمصر، هو الاتفاق الذي انتهى لاعتراف مصر بكون جزر تيران وصنافير جزر سعودية، وتسليم إداراتها لمملكة بعد خلاف حول الجزر استمر لما يقارب الخمسين عامًا.
وتأتي سيطرة المملكة على جزر تيران وصنافير، لتبسط سيطرتها على مدخل ميناء العقبة ككل، لوقوع تلك الجزر في مدخل الميناء، وقدرتها على غلق ميناء العقبة وما يحتويه من موانئ اسرائيلية وأردنية ومصرية.
فيما أشار مراقبون إلى أن انطلاق الملك سلمان من مصر لتركيا، يأتي في إطار المسعى السعودي لتحقيق مصالحة (تركية – مصرية) بعد أعوام من الجفاء بين البلدين، إثر الانقلاب العسكري في مصر، ورفض تركيا الاعتراف بالنظام المصري.
ولي ولي العهد من الأردن للإمارات
وبالتزامن مع تحركات الملك سلمان بين مصر وتركيا، كان لولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع، تحركات خارجية شبيهة بتحركات الملك أيضًا، ويراها مراقبون استكمالًا لها، حيث توجه بن سلمان أمس الاثنين، في زيارة للأردن التقى خلالها العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
وقال بيان الديوان الملكي الأردني حول الزيارة: إنها تأتي “لبحث العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، إضافة إلى آخر التطورات على الصعيد الإقليمي وسبل التعامل معها، بما يخدم المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين والقضايا العربية والإسلامية”.
وأنهى ولي ولي العهد السعودي زيارته للأردن، متوجهًا في نفس اليوم لزيارة أخرى نحو دولة الإمارات، حيث وصل بن سلمان مساء أمس الاثنين، لأبو ظبي، والتقى محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعدد من المسؤولين الإماراتيين.
وتنازل اللقاء الذي جمع وزير الدفاع السعودي والمسؤولين الإماراتيين، القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، وسبل تعزيزه العلاقات بين البلدين.
التحرك السعودي والفراغ الأمريكي
يرتبط التحرك السعودي السريع والمتتابع بالعلاقات مع أمريكا بلاشك، والصراع (السعودي – الإيراني) والسعي الأمريكي لتقسيم النفوذ في المنطقة بين الرياض وطهران، وخاصة أنه يأتي قبل أيام قليلة من الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي للمملكة.
وظهرت تلك الرسائل بشكل واضح في تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في حديثه مع إعلاميين مصريين، والتي نقلها موقع البوابة نيوز المصري، حيث قال الجبير: إنه “كان على المملكة أن تملأ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة، أوباما رفع يديه بعد أن رأى أنه لا يجب أن يتورط في المنطقة أكثر من هذا، ومصر كانت مشغولة بسبب أحداثها الداخلية، وكانت إيران مستعدة للانقضاض على كل ما تطاله يداها، فتحركنا”.
وأكد رئيس تحرير موقع البوابة الإعلامي المصري، نقلًا عن مصادر مقربة من الملف السعودي، أن السعودية بالفعل دخلت على كل الملفات التي رغبت إيران في العمل عليها، دخلت إلى العراق وأقامت هناك أكبر سفارة، ودخلت إلى لبنان ولعبت دورًا مهمًا جدًا ضد حزب الله المدعوم من إيران، وكان مهمًا جدًا أن تدخل اليمن، لتقف أمام خطة إيران للسيطرة عليه.
وتتوافق تصريحات الجبير وتحركات المملكة، مع ما نقله مراقبون وتصريحات مسؤولين خليجيين في أكثر من مناسبة، حول سعي المملكة للم الشمل داحل المحور السني الناشئ في مواجهة التمدد الشيعي الإيراني، وإعادة ترتيب البيت العربي والإسلامي، وهو ما ظهر في وساطة المملكة بعدد من الملفات، وآخرها كان الملف التركي – المصري، وسبقتها الوساطة بين تركيا ومصر، والتحالفات المختلفة التي أطلقتها المملكة بداية من التحالف العربي، وانتهاءً بالتحالف الإسلامي العسكري ومناورات رعد الشمال.
تحالفات المصلحة وتراجع النفوذ الأمريكي
في الوقت الذي أكد فيه وزير الخارجية السعودي، أن تحركات المملكة تأتي لسد الفراغ الأمريكي في المنطقة، فإن جريدة فايننشال تايمز البريطانية ترى في تقرير نشرته بداية أبريل الحالي، أن تبني السعودية لسياسة خارجية وإقليمية أكثر حزمًا وانفتاحًا، وأبرز ملامحها الانفراجة التي شهدتها العلاقة (السعودية – الروسية)، تكشف تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة.
ويشير التقرير إلى أن هذا التغيير في السياسة السعودية يبرز ببروز الأمير محمد بن سلمان، الذي يتولى مسؤوليات السياسة الخارجية والسياسات النفطية، بالإضافة لتوليه حقبة الدفاع وهو لم يتجاوز الـ30 من عمره.
وحول التحالفات السعودية الأخيرة ابتداءً بروسيا، وحتى التحالفات الجاري أعداها، قالت الجريدة: إن “تحالفات المصلحة” ليست بجديدة على الإطلاق في الشرق الأوسط. فرغبة الأنظمة في الحصول على قوة راسخة غالبًا ما تتماشى مع البراغماتية”.
المملكة تواجه طهران بالسعي للدخول في كامب ديفيد
وفي قراءة قدمها باحثو موقع ساسة بوست العربي عن الاتفاقيات الأخيرة بين المملكة ومصر، وأسباب التنازل المصري عن جزر تيران وصنافير، فقد أشار الباحثون إلى سعي المملكة لتكوين ما يطلق عليه “المحور السني” المعتدل، في مواجهة الهيمنة الإيرانية المتصاعدة، معللين المسعى السعودي السريع لعدة أسباب، أبرزها ما وصفه الإعلامي الإسرائيلي الشهير والمقرب من دوائر صنع القرار، بين كاسبيت «عقيدة الخيانة الأمريكية».
وأكد الموقع أن أبرز أسباب التحركات السعودية الآن، تعود لتلك العقيدة التي برزت في التقارب (الأمريكي – الإيراني)، وانتهاء عصر التدخل الأمريكي العسكري في الشرق الأوسط، ومحاولة الولايات المتحدة رفع يديها عن الدخول في أي حرب جديدة، وإعلان أوباما إيمانه بضرورة نهوض حلفاء أمريكا الشرق أوسطيين، وتحديدًا “المملكة ومصر وإسرائيل” لمواجهة الأخطار المختلفة، وعلى رأسها خطر تمدد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويرى تحليل الموقع العربي، أن تراجع مكانة واشنطن في الشرق الأوسط، جلب اللاعبين الإقليميين ودول الجوار الإسرائيلية بجوار بعضهم البعض، بجانب تل أبيب. حتى هذه الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
ويرى الموقع أن الولايات المتحدة، والتي توجهت لإقامة اتفاقية مع إيران، ودفعتها لتكون حليف إقليمي مهم جديد ومهم لها في ظل امتلاكها أوراق القوة بسوريا، وعلاقتها بموسكو، ودورها في تحجيم داعش، كانت السبب في تحركات المملكة الأخيرة، والتي ترى أن الأبرز منها خلال الفترة الأخيرة الانضمام لكامب ديفيد.
ويعلل التقرير سعي المملكة للدخول في كامب ديفيد، أنها ستعطيها ذريعة ممتازة للتعاون المتواصل معها، تحت غطاء التنسيق الأمني في خليج العقبة، خاصة أن اسرائيل هي الطرف الإقليمي الوحيد، الذي يمتلك أوراق ضغط على واشنطن، وتأثيرًا نافذًا في توجهاتها السياسية.
وأكد الموقع أن الأوراق التي تريدها المملكة، هي التأثير على توجهات الولايات المتحدة ناحية طهران.