هل يشترط الخليج حل ميليشيا الحشد الشعبي مقابل دعم العراق اقتصاديًا؟
13 أبريل، 2016
تطالب واشنطن الخليج بتقديم مساعدات إلى العراق، بينما أصبح العراق أحد أهم ساحات النفوذ الإيراني، وتغلغل الحرس الثوري، وسطوة الميليشيات الشيعية، وبخاصة ميليشيات الحشد الشعبي، في ظل حكومة طائفية رخوة متهمة بالتواطؤ على جرائم التطهير العرقي ضد السنة، فهل ستشترط دول الخليج حل هذه الميليشيات كتنظيمات إرهابية، ووقف عمليات التطهير، وتحجيم النفوذ الإيراني ببتر هذه الذراع الطولى للحرس الإيراني، أم تتحول هذه المساعدات الخليجية تلقائيًا إلى مدد إضافي للحكومة وميليشياتها وجرائمها، بما ينسج سيناريو كارثي بتمكين العدو الطائفي بأموال الخليج؟
واشنطن تطالب الخليج بدعم العراق
أعلن وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، أمس الاثنين، أن الإدارة الأمريكية ترغب بمناقشة تقديم مساعدات اقتصادية إلى العراق مع دول الخليج العربية، وقال خلال كلمة له للصحفيين من على متن سفينة حربية أمريكية بالمياه الإقليمية الهندية: “من الناحية الاقتصادية من المهم إصلاح كل الدمار الذي ضرب العراق، بعد طرد تنظيم داعش”.
وأضاف: “أعرف أن هذه النقطة من الأمور التي يريد الرئيس أوباما التطرق إليها مع شركائنا في الخليج، عندما سيلتقيهم نهاية الأسبوع المقبل، خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض”. وبين كارتر أن “تراجع أسعار النفط يجعل الأمور أكثر صعوبة، بالنسبة إلى أوضاع الحكومة العراقية الاقتصادية”.
ويقوم الوزير الأمريكي بزيارة للهند والفلبين، على أن ينتقل لاحقاً إلى الإمارات العربية المتحدة ثم السعودية، حيث سيشارك، الأسبوع المقبل، في اجتماع لوزراء دفاع دول مجلس التعاون الخليجي، عشية القمة التي سيشارك فيها الرئيس أوباما في الحادي والعشرين من الشهر الحالي في الرياض.
ميليشيا الحشد أكبر تهديد للخليج
تمثل ميليشيات الحشد الشعبي دولة فوق الدولة، وتحظى بنفوذ واسع، فالميليشيات الشيعية بالعراق تم ضمها رسميًا إلى الجيش العراقي في 7 أبريل 2015. وأصبحت رديفًا وجيشًا موازيًا لجيش الدولة، ومدعومًا من الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي المتحالف مع إيران.
ويرى محللون أن الرؤية الطائفية والاستراتيجية الشيعية كانت واضحة، حيال ضرورة إيجاد «جيش بديل» للجيش العراقي المنهار، فقد دعت الحكومة العراقية في 11 يونيو 2014، إلى تشكيل هذه القوة الجديدة، لتأتي بعد ذلك المرجعية الشيعية لإعلان «الجهاد الكفائي» في 13 من الشهر نفسه، فأصبح السياسي والديني خادمًا للطائفي، تحت ستار الواجب والفرض المقدس، وهذا ما يفسر سرعة استجابة حكومة نوري المالكي السابقة لتأسيس إطار رسمي، تحت اسم «مديرية الحشد الشعبي»، لتسجيل وتدريب وتسليح حاملي السلاح من القوة الجديدة.
وبحسب مصادر عراقية رسمية، تم تسجيل «1000000» متطوع ضمن هذا «الجيش البديل»، أما اللجنة العسكرية المشرفة على تجهيز المتطوعين، فأكدت أن عدد المتطوعين وصل إلى مليون ونصف المليون متطوع، تم تزويدهم بالسلاح، كما دعت الحكومة هؤلاء الأفراد لإحضار أسلحتهم. وفتحت الدولة المخازن لهم على المستوى الوطني، ووفرت لهم التدريب بمشاركة إيرانية مباشرة، في جو مليء بدعوات التحريض وتجييش الشيعة لممارسة العمل المسلح.
تهديد للجوار السني
وبرغم ذلك فإن «قوات الحشد الشعبي» لم تُنشأ لردع «داعش» فقط، بل إنها جزء من بناء منظومة عسكرية عراقية طائفية مرتهنة بالمشروع الإيراني، من جهتين على الأقل؛ جهة العقيدة العسكرية المنطلقة من المذهبية الدينية، التي تنظر للجوار السني على أنه تهديد مباشر. أما الجهة الثانية فتتعلق بالجيوستراتيجي، لذا تسعى إيران وأنصارها بالسلطة العراقية، إلى الإبقاء على هذه القوة العسكرية بصيغ مختلفة ومتماشية مع الظروف، كجيب داخلي يحمي مصالح إيران من أي تهديد محتمل بالعراق وجوار العراق، وهذا أخطر تهديد مستقبلي يشكله هذا النظام العسكري ذو الولاء للحرس الثوري. ومن هنا يبقى احتمال زعزعة استقرار جيران العراق الخليجيين (الكويت خصوصًا) على المدى المنظور، احتمالًا واردًا جدًا، سواء تشكلت قوات الحرس الوطني، بعراق المستقبل، أم لم تتشكل، بحسب مراقبين.
ولكسب ود ميليشيات “الحشد الشعبي” خصصت الحكومة العراقية جزءًا من ميزانية الدولة الاتحادية لعام 2015، لدعم الميليشيات المسلحة، فقد أمر رئيس الوزراء حيدر العبادي، في بيان صادر عن مجلس الوزراء، بإطلاق (60 مليون دولار) لبناء قدرات “الحشد الشعبي”، وتخصيص جزء من الموازنة لهذا الغرض.
سيد الشهداء و(حزب الله – العراق)
تدعم إيران وحزب الله في العراق شبكة من الميليشيات الشيعية، بعضها وجه رسائل تهديد مباشرة للسعودية، منها تهديد ميليشيات “سيد الشهداء” التي تعمل تحت لواء “ميليشيا الحشد الشيعي” في العراق بضرب السعودية، في 1 نوفمبر 2015.
ونقل موقع «لونغ وار جورنال»، المتخصص في مكافحة الإرهاب، أن هذه الميليشيا الشيعية العراقية يقودها أبومصطفى الشيباني، الذي وضعته الولايات المتحدة في قائمة «الإرهابيين العالميين»، تمثل خطرًا على السعودية، وأوضح «لونغ وار جورنال» أن «سيد الشهداء» على صلة وثيقة بـ«فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، وهو يمثل القوات الخاصة المكلفة بتصدير «الثورة الإسلامية» إلى دول الشرق الأوسط.
كذلك انضمت ميليشيا “كتائب حزب الله” العراقية والمقربة من إيران، إلى الأصوات التي تحذر الرياض من عواقب إرسال قواتها إلى سوريا، لتهدد السعودية، بأنه سيفتح “باب الجحيم” على مصراعيه، لكن الرسالة التي أعلنتها الكتائب يبدو أنها قادمة من طهران.
حل ميليشيا الحشد الشعبي
بإمكان دول الخليج توظيف التوجه الأمريكي الجديد حيال دور ومستقبل الحشد الشعبي، حيث يواجه حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، ضغوطًا أميركية كبيرة حول مستقبل الحشد الشعبي في البلاد، كان آخرها تلقيه رسالة من الجانب الأميركي تطالب بضرورة حل الحشد الشعبي في أسرع وقت ممكن، وتحجيم دوره نهائيًا وتسليم كافة أسلحته إلى الدولة، فضلًا عن فرض جملة من الشروط على غرار إقرار قانون الحرس الوطني، وتشریع قانون الفيدرالية والأقالیم، وإعادة انتشار القوات الأميركية في العراق، وذلك بحسب صحيفة “العرب اللندنية” في تقرير بعنوان “الحشد الشعبي.. التحجيم في انتظار الحل” في 5 مارس 2016.
وفي المقابل تمارس قيادات الحشد هي الأخرى ضغوطًا كبيرة على حيدر العبادي، من أجل عدم الرضوخ للقرارات الأميركية، والدفع نحو المزيد من ترسيخ أقدامها، بل وهناك تقارير إعلامية ذكرت أن هناك محاولات دفع نحو إدراج قوات الحشد الشعبي داخل المنظومة الأمنية والعسكرية الرسمية. لكن بعض مجريات الأحداث في العراق اليوم تفيد بأن هناك خططًا تنجز على مهل بهدف حل هذه القوات، كان آخرها إيقاف صرف رواتبهم طيلة الأشهر الأربعة الماضية، إلى جانب ظهور مؤشرات انقسام داخله، رغم محاولات القيادات تهدئة الأمور.
جرائم الحشد الشعبي
تشير تقارير حقوقية موثقة إلى أن سكان المثلث السني في العراق يتعرضون إلى جرائم ممنهجة، تستهدف كل ما يتصل بهم، فقد تصاعدت الاعتداءات التي ترتكبها ميليشيات “الحشد الشعبي”، الموالية للحكومة العراقية، ضد سكان المناطق السنية وممتلكاتهم ومساجدهم، وهي ممارسات لا تقرها الأعراف والمواثيق، ومن ثم يمكن الاستناد إليها في طلب الحل ووضعها على قوائم الإرهاب الدولية.
بدوره طالب النائب العراقي، طارق كردي، رئيس الحكومة حيدر العبادي، ووزير الدفاع خالد العبيدي، بالتعامل بحزم مع الميليشيات، مؤكدًا أن الحكومة تعلم بانتهاكاتها وتتستر عليها، وهي بذلك تلحق الأذى بالناس مثل الميليشيات.
وأشار إلى أن اللجنة التنسيقية قررت عدم السكوت على جرائم الميليشيات بعد الآن، والتحرك في عدة اتجاهات لحماية أهالي ديالى وباقي مناطق أهل السنة، منها رفع دعاوى قضائية لمقاضاة المسؤولين الأمنيين في بغداد وديالى، لتهاونهم في السماح للميليشيات بالسيطرة على عدة مناطق في العراق وارتكاب الجرائم، إضافة إلى التحرك دوليًا لعرض حقيقة ما يجري في العراق على يد الميليشيات، وتهميش الحكومة لأبناء المكون.
وذكر أنه فعلًا بدأ تدويل القضية، وتوجه وفد سياسي إلى الأمم المتحدة، وسلم لجنة حقوق الإنسان ملفات ووثائق تكشف الجرائم البشعة، التي ترتكبها ميليشيات الشيعية بحق السنة، وقد فاقت في بشاعتها الجرائم التي ترتكبها «داعش» الإرهابية.
مطالب حقوقية بحل الحشد
في سياق متصل اعتبرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا: “أن حالة الفشل التي تعاني منها الحكومة العراقية، في مواجهة الجرائم الطائفية التي تحدث في العراق، هي المسبب الأكبر لانتشار الإرهاب الذي يهدد المنطقة بأسرها”.
وحملت المنظمة حكومة حيدر العبادي المسؤولية الكاملة عن الجرائم الطائفية التي يعيشها العراق، ودعت إلى حل ميليشيا الحشد الشعبي باعتبارها تنظيمًا إرهابيًا، كما دعت مجلس النواب العراقي إلى الاضطلاع بمسؤولياته، وسن قانون يمنع قيام ميليشيات أيًا كان مسماها.