هذا ما نحتاج إليه لنعيش على سطح المريخ

14 أبريل، 2016

كوكب المريخ، أقرب الجيران شبهًا بالأرض، فهل يمكن أن يتحقق حلم العلماء باستيطان الكوكب، وتحويله إلى مستعمرة بشرية بإمكان البشر أن يعيشوا عليها بشكل طبيعي؟ على كل حال، لا يمكن تحقيق حلم من هذه الأحلام، إلا عبر خطوة أولية لا يُمكن الاستغناء عنها: وصول أول مركبة فضائية مأهولة بالبشر إلى الكوكب الأحمر؛ إذ ثمّة حوالي 25 رحلة فضائية أُرسلت فيها مركبات فضائية إلى المريخ، إلا أنّ أيًا منها لم تكن مأهولة بالبشر.

الخطوة الأولى نحو المريخ

هناك بالفعل العديد من الخطط لإرسال رحلات فضائية مأهولة بالبشر إلى كوكب المريخ. أبرز هذه الخطط تتمثل في رحلة «Mars One»، وهي الرحلة التي بدأ العد التنازلي لها منذ عام 2014، بعد أن وقع الاختيار على المجموعة التطوعية الأولى من رواد الفضاء، وهم رجلان وامرأتان، ليكونوا أول المستوطنين البشريين للكوكب.

و«Mars One» هي منظمة مقرها هولندا، لديها هدف وحيد هو الهبوط بأول بشري على سطح كوكب المريخ، وإنشاء مستعمرة بشرية دائمة على سطح المريخ بحلول عام 2027. هذه الرحلة يقوم بالعمل عليها القطاع الخاص، عبر رجل الأعمال الهولندي «باس لانسدورب»، الذي قام بالإعلان عن بدء هذه الخطة عام 2012.

ويشمل المبدأ الأساسي لهذه المهمة، إطلاق مسبار آلي وسفينة فضاء مدارية بحلول عام 2016، يتم بعدها إرسال طاقم بشري من أربعة أشخاص في حدود عام 2022. وقد اختار منظمو الرحلة الطاقم من بين متقدمين دفعوا رسومًا مالية ليكونوا أول المقيمين الدائمين على كوكب المريخ، مع عدم وجود أي خطط لإعادتهم نحو الأرض.

هناك خيارات متاحة لجزء من عملية التمويل، تحدث من خلال برنامج تليفزيوني من برامج الواقع، والذي سيقوم بعملية التوثيق الكامل لهذه الرحلة. هذا الأمر تسبب في انتقادات واسعة، ليس فقط بسبب الناحية الأخلاقية المتعلقة بالإقامة الدائمة للطاقم البشري على كوكب المريخ، ولكن ـ أيضًا ـ انتقادات من قبل علماء ومهندسين حول طبيعة الجدول الزمني الموضوع للرحلة، وبعض الأمور التقنية الخاصة بالمركبات الفضائية.

بين المريخ والأرض

كما أن هناك اختلافات واضحة، فإن هناك العديد من التشابهات الكبيرة بين الأرض والمريخ؛ فكوكب المريخ يحتوي على المياه: إما مجمدة تحت سطح الكوكب، أو متجمدة عند القطبين، بخاصة، وأن هناك دلالات على أن المياه كانت تجري على سطح المريخ في الماضي. كذلك الخصائص الجيولوجية للمريخ، تتشابه كثيرًا مع تلك الخاصة بكوكب الأرض، ما يعني أن المريخ كان فيما مضى رطبًا وقابل للحياة.

يُساوي اليوم على سطح المريخ، 24.5 ساعة أرضية، وبالتالي فاليوم المريخي يكاد يتطابق مع اليوم الأرضي، مع فارق 30 دقيقة تقريبًا. وعلى الرغم من أن حجم المريخ يمثل ثلث حجم كوكب الأرض، إلا إن مساحة اليابسة الموجودة على المريخ تساوي تقريبًا مساحة السبع قارات الموجودة على كوكب الأرض.

الجاذبية على كوكب المريخ، أقل من تلك على كوكب الأرض، بمقدار 2.7 مرة. هذه الجاذبية كبيرة نسبيًا إلى الحد الذي يجعل أقدامنا مستقرة على الكوكب، وهي أيضًا صغيرة نسبيًا للحد الذي يجعل من السهل إطلاق الصواريخ من على سطح الكوكب. هذا الأمر سيجعل مواد البناء أخف وزنًا على المريخ، ما ييسر من عمليات بناء المستعمرات.

كلا الكوكبين يتميز بوجود الفصول الأربعة، كما أن لهما نمط دوران متشابه كثيرًا. وللمريخ نفس نطاق الحرارة أو المدى الحراري للأرض، ولو كان للمريخ غلافٌ أكثر سمكًا، لكان كلا الكوكبين متشابهين في طبيعة المناخ الموجودة بهما. وتتراوح درجة الحرارة على سطح المريخ من سالب 17 درجة مئوية، إلى سالب 116 درجة مئوية، وعلى الرغم من برودة المناخ الواضحة، إلا أنها الأقرب لتناسب حياة الإنسان من جميع كواكب المجموعة الشمسية.

أبرز التحديات لاستيطان المريخ

البداية تأتي من الغلاف الجوي للمريخ، الذي يتكون من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 95.3%، والنيتروجين بنسبة 2.7%، والأرجون بنسبة 1.6%، ثم الأكسجين بنسبة 0.13% فقط لا غير. هذا الأمر يجعل هواء المريخ غير مناسب إطلاقًا لعملية التنفس عند الإنسان الذي يعتمد على هواء به 21% أكسجين، وأقل من 1% ثاني أكسيد الكربون. على هذا، إذا سكنت المريخ، فعليك بناء مُستعمرات مُحكمة الغلق، يُضخ فيها الأكسجين باستمرار.

الضغط على كوكب المريخ يبلغ 7.5 ملليبار، وبالتالي فهو يقل أكثر من 100 مرة عن الضغط الجوي للأرض. ونتيجة لقلة سمك الغلاف الجوي للمريخ، وبعده النسبي عن الشمس مقارنًة بالأرض، فإن درجة الحرارة تكون دائمًا تحت الصفر بمتوسط حرارة سنوي يبلغ 60 درجة مئوية تحت الصفر. هنا نحن بحاجة إلى مستعمرات ذات درجة تدفئة عالية جدًا؛ حال قررنا الإقامة على سطح الكوكب الأحمر.

ثالث أكبر المشاكل تتمثل في الإشعاعات الكونية. فكوكب الأرض يتميز بوجود غلاف مغناطيسي يحيط به ويحميه من الأشعة الكونية الضارة، التي تنتشر في جميع أنحاء الكون. لكن المريخ على العكس؛ فقد هذا الغلاف المغناطيسي، وأصبحت الجرعة الإشعاعية التي تصل إلى سطح الكوكب في يومٍ واحد، مساوية لما تتلقاه الأرض من أشعة كونية خلال شهرين ونصف تقريبًا، وعليه فإن كمية كبيرة، يصعب على الإنسان تحملها من الأشعة الكونية. على هذا أيضًا، إذا نجح الإنسان في تخطي العقبات السابقة، عليه أن يضع في اعتباره بناء مُستعمرات مُزودة بدروع إشعاعية، تعكس أكبر قدرٍ ممكن من هذه الأشعة الضارة.

 

تحويل المريخ إلى الأرض

من هذه الجزئية، يبدأ حديثنا في التحول إلى أمور أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الحقيقة، في الوقت الحالي، أو في الوقت القريب أو المتوسط القادم حتّى. نبدأ بالسؤال عمّا ينبغي فعله؛ لنحول المريخ إلى كوكب صالح للحياة البشرية عليه، دون اللجوء إلى المستعمرات محكمة الغلق؟

أحد أهم ما طرحه العلماء، بادئ ذي بدء، رفع درجة حرارة الكوكب، لسببين: الأول أن نجعل الحرارة ملائمة للبشر؛ كي يعيشوا فيها، والثاني لصهر الجليد الموجود عند قطبي الكوكب، ما يزود السطح ببعض الماء السائل، الذي يستغله الإنسان في الشرب، ويمكن أيضًا استخدامه في الزراعة. هنا يجب أن نفكر أيَضًا في طريقة لرفع مستوى الضغط الجوي، حتى يمكننا الحافظ على سيولة الماء.

وعن الكيفية المقترحة لرفع درجة حرارة الكوكب، قدم العلماء ثلاث وسائل: الوسيلة الأولى تتمثل في تقليل معامل الانعكاسية لأشعة الشمس، بمعنى أن نقلل كمية ضوء الشمس المنعكسة عن كوكب المريخ. ويمكن إحداث ذلك الأمر عبر رش قطبي المريخ بتراب داكن مأخوذ من أحد قمريه، فوبوس أو ديموس، وذلك لأن الألوان الداكنة تمتص الحرارة بشكل أكبر (هذا هو السبب وراء ارتدائنا ملابس داكنة في الشتاء)، ما يرفع من درجة حرارة القطبين فينصهر الجليد.

الوسيلة الثانية تتمثل في إضافة كميات من غاز الأمونيا، وهو أحد أكثر الغازات المسئولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري في الأرض! أما عن إحضار الغاز، فمن الممكن جلبه من أحد أقمار الكواكب الموجودة في المنطقة الخارجية للمجموعة الشمسية، بدءً من المشترى وحتى نبتون. ويمكن أيضًا إضافة الأكسجين إلى الأمونيا في محاولة لتحسين قدرتنا على التنفس.

الوسيلة الثالثة، هي ما كشفت عنه إحدى المركبات الفضائية الخاصة باستكشاف المريخ، والتي أوضحت وجود طبقة رقيقة جدًا من الميثان تحت سطح الكوكب، وإذا تم استخراجه بالشكل المناسب فإنه من الممكن له أن يساعد على رفع درجة الحرارة.