هل تؤتي سياسة المساعدات الخارجية السعودية ثمارها؟
15 نيسان (أبريل - أفريل)، 2016
يوراسيا ريفيو –
في نوفمبر عام 2015، تعهدت المملكة العربية السعودية بتقديم مساعدات تجاوزت قيمتها 2 مليار دولار إلى السودان لدعمها عملية عاصفة الحزم في اليمن، ومؤخرًا، أوقفت المملكة إرسال مساعدات عسكرية للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار.
توضح هذه الإجراءات محاولة المملكة العربية السعودية للاستفادة من قوتها الاقتصادية لتشكيل نتائج السياسية الإقليمية في جميع أنحاء العالم العربي. ولكن ما هي أهداف الرياض في اليمن ولبنان؟ وكيف تستخدم المملكة المساعدات كأداة للسياسة الخارجية؟
أدى تقديم المساعدات إلى تمكين المملكة العربية السعودية من زيادة القوة الناعمة وتأكيد صورتها كدولة خيرية رائدة في العالم العربي والإسلامي. ولكن “سياسة الريال” وحدها لا تساعد المسؤولين في الرياض على تحقيق أهدافهم الإقليمية.
نظام مساعدات متشرذم
تُعدّ المملكة العربية السعودية من أكبر الدول المانحة للمساعدات في العالم. ووفقًا لإحدى الدراسات التي أجراها معهد السياسات العامة العالمية، تبرعت المملكة بأكثر من 90 مليار دولار أو 3.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بين عاميّ 1975 و2005. ووجدت الدراسة نفسها، رُغم ذلك، أنَّ السعوديين يفتقرون إلى سياسة مساعدات ممفصلة ومتماسكة.
وتأتي المساعدات الخارجية السعودية في أشكال عديدة. الفئة الأولى هي المساعدات الإنسانية، التي تهدف إلى توفير الإغاثة الفورية للأزمات. أثناء فيضانات باكستان عام 2010، تجاوزت التبرعات السعودية الخاصة والعامة 240 مليون دولار أمريكي.
والفئة الثانية هي مساعدات التنمية، التي تستثمر في تمويل مشاريع التخفيف من حدة الفقر على المدى الطويل، بما في ذلك الخدمات وتطوير البنية التحتية، ويشمل ذلك مشاريع لبناء الطرق وتوفير المياه والكهرباء في المناطق الريفية، وبناء المرافق الطبية والتعليمية. وعلى الرغم من أن دوافع الإيثار هي التي تدفع المساعدات الإنسانية والتنموية، إلّا أنَّ هذه المساعدة الخارجية تتجلى بلا شك في جوانب القوة الناعمة للسياسة الخارجية في الرياض.
والفئة الثالثة هي المساعدات العسكرية في شكل صفقات أسلحة، التي يمكن أن تساعد في تحقيق هدفين؛ فهي تهدف إلى تعزيز جهاز الأمن الداخلي والقوات العسكرية لحلفاء المملكة مثل مصر وباكستان. وعلاوة على ذلك، غالبًا ما تشمل حزم المساعدات العسكرية عقود طويلة الأجل مع شركات تصنيع الأسلحة مثل وكالة تصدير الأسلحة الفرنسية (ODAS). هذه الشركات أصبحت مسؤولة عن أعمال الصيانة الدورية، وتطوير النظم، وتدريب قوات عملائها. ونتيجة لذلك، يساعد هذا الالتزام على ترسيخ العلاقات السعودية الاقتصادية والأمنية مع هذه الشركات وبلدانهم الأصلية، سواء كانت فرنسا، المملكة المتحدة، أو الولايات المتحدة.
وأخيرًا، تمنح المملكة العربية السعودية القروض والاستثمارات والمساعدة النفطيّة إلى مختلف البلدان للمساعدة على استقرار اقتصادها ودعم احتياطاتها من العملات. وقد اعتمد الاقتصاد المصري على مساعدات دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص منذ انقلاب يوليو عام 2013 الذي قاده الجنرال عبد الفتاح السيسي. وفي ديسمبر عام 2015، أعلن السعوديون عن حزمة مساعدات بقيمة 8 مليار دولار لمصر، من المقرر أن يتم تسليمها على مدى السنوات الخمس المقبلة.
على الرغم من هذه التدفقات الهائلة من المساعدات، إلّا أنَّ غياب التنسيق بين صنَّاع القرار والوكالات المتعددة أدى إلى تشرذم نظام المساعدات السعودية. صنَّاع القرار – الديوان الملكي، ووزارة الشؤون الخارجية، ووزارة الداخلية، ووزارة المالية – يقررون أين يتم تخصيص المساعدات وحجم تلك المساعدات، ولكنهم لا يقدمون المساعدات بأنفسهم. مؤسسات مثل الهلال الأحمر السعودي، والعديد من المؤسسات الحاكمة، ومنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية، والصندوق السعودي للتنمية، هي المسؤولة عن إدارة تقديم المساعدات. وقد أدى عدم وجود منظمة مركزية أو آلية للتنسيق بين هذه المؤسسات المختلفة إلى تضافر الجهود على نطاق محدود وتكرار تلك الجهود. وأخيرًا، فإنَّ النقص في بيانات المساعدات ينبع من عدم تقديم تقارير بشكل منهجي وبرامج تقييم المساعدات في المملكة العربية السعودية كدولة مانحة وفي البلدان التي تتلقى تلك المساعدات.
المساعدات كأداة للسياسة الخارجية: مزايا وقيود
لم تمنع المساعدات السعودية بمليارات الدولارات والاستثمارات الاقتصادية لحكومة اليمن من اندلاع الاحتجاجات السياسية الجماعية في عام 2011، ولم تساعد خطة المرحلة الانتقالية برعاية دول مجلس التعاون الخليجي في تحقيق الاستقرار على المدى الطويل. بين عاميّ 1990 و2004، حصل اليمن على أكثر من مليار دولار أمريكي في شكل مساعدات من الصندوق السعودي والبنك الإسلامي للتنمية وصندوق الأوبك، والصندوق العربي.
وبعد تولى الرئيس هادي السلطة في عام 2012، تعهدت المملكة العربية السعودية بتقديم مساعدات إضافية بقيمة 3.25 مليار دولار. لكن المستوى الهائل من الفساد في حكومات كل من صالح وهادي وكذلك عدم وجود القدرات المؤسسيّة أدى إلى سوء إدارة تلك الأموال. كما يدل التدخل العسكري السعودي في اليمن على فشل استراتيجي للاستثمار في الاستقرار السياسي والاقتصادي على المدى الطويل في البلاد. وعلّق على ذلك الكاتب اليمني فارع المسلمي قائلًا: “إنَّ أغنى دولة في العالم العربي قصفت أفقر دولة لتغيير ديناميكياتها السياسية.”
وعلاوة على ذلك، سياسة الاحتواء التي تتبناها المملكة العربية السعودية، أو الإبقاء على اليمن “ضعيف لكن مستقر”، من المرجح أن تفشل في ظل التدخل العسكري الحالي؛ وذلك لأنَّ النظام الذي حمى بعض مظاهر الاستقرار على مدى العقود الثلاثة الماضية انهار في أعقاب انتفاضة عام 2011. وكان علي عبد الله صالح قادرًا على الحفاظ على السيطرة من خلال نظام حكم ضعيف عمل على تمكين النظام القبلي والمحسوبية في اليمن. وقد منع هذا النظام الهش اليمن الضعيف من أن تصبح دولة فاشلة بشكل كامل.
ومن الصعب أن نتصوّر أنه من الممكن استعادة هذا التوازن بسهولة نظرًا للصراع المحلي والإقليمي الحالي على السلطة. وقد ألمح بعض المسؤولين في الحكومة السعودية إلى إمكانية إنهاء الحرب في المستقبل القريب. وعندما يحدث ذلك، فإنَّ التحدي المتمثل في استعادة الاستقرار والأمن في اليمن لن ينتهي ببساطة عن طريق التعهد بتقديم مساعدات سعودية بقيمة 274 مليون دولار أمريكي.
المال وحده لا يمكن أن يعزز اليمن. ونقاط الضعف الهيكلية وأزمة شرعية حكومة هادي قد تكون خارجة عن سيطرة المملكة العربية السعودية كدولة مانحة.
لبنان
في 19 فبراير عام 2016، أوقفت المملكة العربية السعودية إرسال مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار إلى الجيش اللبناني ومليار دولار أمريكي لجهاز الأمن الداخلي في لبنان. وكان الدافع المباشر وراء تعليق المساعدات هو رفض لبنان الانضمام لأعضاء جامعة الدول العربية في إدانة الهجوم ضد سفارة المملكة العربية السعودية في إيران.
ويعكس هذا التعليق إحباط الرياض من هيمنة حزب الله المدعوم من إيران في لبنان، وفشل حلفائها في لبنان لمواجهة نفوذ حزب الله، وبالتالي مواجهة إيران. يشمل الحلفاء السياسيين الرئيسيين للمملكة العربية السعودية في لبنان تحالف 14 آذار، الذي يقوده حاليًا سعد الحريري الذي تربط عائلته علاقات طويلة الأمد بالمملكة. ولكن ما هي الآثار المترتبة على توقف المساعدات؟ هل يمكن أن يأتي هذا القرار بنتائج عكسية على السعوديين من خلال ترك فراغ تستغله إيران؟ أم أنَّ تعليق المساعدات يساعد بطريقة أو بأخرى على احتواء نفوذ حزب الله والداعم الإيراني في المشهد السياسي اللبناني؟
يقول حسين إيبش، باحث في معهد دول الخليج العربي بواشنطن، إنّه إذا لم تتبع المملكة هذا الإجراء العقابيّ بجهد فعّال لتعزيز حلفائها السياسيين في بيروت، قد يحاول حزب الله توطيد سيطرته من خلال قبول زيادة الدعم الإيراني. وقد صرّح وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل أنه سيحث الحكومة اللبنانية للنظر في قبول عروض طهران السابقة بتقديم المساعدات العسكرية. ومن الصعب التوقع ما إذا كان تعليق المملكة العربية السعودية لمساعداتها للبنان سيحقق هدف الرياض أو يأتي بنتائج عكسية من خلال تعزيز نفوذ الجمهورية الإسلامية في دولة صغيرة.
باكستان
لقد نجحت المساعدات السعودية في إقناع بعض الدول مثل السودان والسنغال للانضمام إلى الحملة العسكرية في اليمن، وانضمام باكستان إلى “التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب” المُعلن عنه في أواخر عام 2015 من قِبل الأمير محمد بن سلمان آل سعود. منذ تأسيسها في عام 1947، حافظت باكستان على تحالف قوي مع المملكة العربية السعودية، التي تستضيف أكثر من 1.5 مليون من السكان والعمّال الباكستانيين. وتربط كلا البلدين علاقات عسكرية وسياسية واقتصادية قوية، يمكن القول إنها” علاقة خاصة”. في عام 2014، ساعدت السعودية في إنقاذ الاقتصاد الباكستاني من الانهيار عن طريق منح باكستان قرض بقيمة 1.5 مليار دولار أمريكي.
ومع ذلك، هناك حدود للنفوذ الذي يمكن أن يشتريه المال. في مارس عام 2015، رفضت باكستان الانضمام إلى عملية عاصفة الحزم في اليمن. وأصدر البرلمان الباكستاني قرارًا ينص على أنَّ الحكومة ستحافظ على موقف محايد، وأنَّ أي تدخل لباكستان سيكون من أجل تسهيل عملية السلام. وعلى الرغم من النفوذ الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي في باكستان، كان المسؤولون في إسلام آباد يفكرون في مصالح وطنية أخرى. وشملت هذه المصالح عدم تهميش الأقلية الشيعية في البلاد عن طريق التدخل العسكري المباشر في الحرب الأهلية في الشرق الأوسط مع تصاعد النغمات الطائفية بالمنطقة، والحفاظ على تركيزها العسكري على الهند والحدود الأفغانية دون فتح جبهة ثالثة في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، وتجنب الأعمال التي يمكن أن تُعادي الجمهورية الإسلامية في الوقت الذي تسعى فيه إسلام آباد وطهران لتحسين العلاقات الباكستانية الإيرانية.
الخلاصة
استخدمت المملكة العربية السعودية المساعدات كأداة هامة في السياسة الخارجية. لكنها لم تكن قادرة على تطوير إمكاناتها الكاملة، نظرًا لعدم وجود استراتيجية تخصيص وتوزيع لتلك الأموال على المدى الطويل. وعلاوة على ذلك، فإنَّ تأثير المساعدات يقتصر على التحالفات السياسية القوية، كما هو الحال في لبنان، والحسابات الداخلية للدول المستقبلة للمساعدات، كما هو الحال في باكستان ورفضها المشاركة في عملية عاصفة الحزم. وأخيرًا، من دون خطة متماسكة واضحة المعالم لاستعادة الأمن في اليمن، والحفاظ على الاستقرار في لبنان واستقرار المنطقة ككل، فإنَّ المساعدات وحدها لن تكون كافية لصياغة النتائج السياسية في المنطقة.