‘حلب: هجمات متبادلة..تمهد للمعركة الكبرى’
16 نيسان (أبريل - أفريل)، 2016
تصدت المعارضة الحلبية، الخميس، لأعنف الهجمات البرية التي شنتها قوات النظام وتنظيم “الدولة الإسلامية”، كل على حدى، في ريف حلب الشمالي. الهجمات المتزامنة تمت وسط قصف عنيف، مدفعي وصاروخي، وجوي داعم لقوات النظام، طال معاقل المعارضة في دفاعاتها الأولى والقرى والبلدات والمخيمات التي تقع ضمن مناطق سيطرتها.
وتصدت المعارضة المسلحة، في ضواحي مدينة حلب الشمالية، لقوات النظام والمليشيات الشيعية، في حندرات والملاح وتل مصيبين. وتمكنت المعارضة من استعادة كامل النقاط التي خسرتها فجر الخميس، بعدما تقدمت القوات المهاجمة وسيطرت على مساحات واسعة من المناطق المستهدفة، وأبرزها في مزارع الملاح.
قوات النظام والمليشيات الإيرانية، و”لواء القدس” الفلسطيني، شنوا هجومهم من ثلاثة محاور ضد معاقل المعارضة في حندرات والملاح، ومهدوا لتقدمهم بقصف مكثف عبر راجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة، وصواريخ أرض-أرض من نوع “فيل” واسعة التدمير. وطال القصف كامل المناطق المستهدفة وتلك المحيطة بها في حريتان والكاستيللو وعندان وكفر حمرة وتلة المضافة.
وساند الطيران الحربي الروسي القوات المهاجمة في عمليتها البرية الواسعة، عبر أكثر من 50 غارة جوية طالت الخطوط الأولى للمعارضة وتحصيناتها، وطرق إمدادها في المنطقة. القصف استهدف أيضاً خمسة أحياء تسيطر عليها المعارضة في مدينة حلب؛ الشعار والحيدرية والصاخور وبني زيد والحرابلة والمعصرانية، ومواقع أخرى بالقرب من طريق الكاستيلو الذي يصل مناطق سيطرة المعارضة في حلب بالريف المحرر.
ونفذ الطيران المروحي عشر طلعات جوية، على الأقل، في الأجواء الشمالية لحلب، وألقى 20 برميلاً متفجراً على الملاح وحندرات وتل مصيبين، بعضها كان محملاً بغازات سامة تسببت بحدوث حالات اختناق في صفوف مقاتلي المعارضة.
مدير “المكتب الإعلامي” في مدينة عندان سامي الرج، أكد لـ”المدن” أن قوات النظام ومليشيات “حركة النجباء” و”لواء الزينبيين” و”أنصار الله”، بالإضافة إلى “لواء القدس الفلسطيني”، تقدمت فعلياً في الملاح ومخيم حندرات، خلال الساعات الأولى من هجومها البري، وسيطرت على كتل ضخمة من المباني والمزارع في المنطقة.
وأوضح الرج، أن القصف العنيف الجوي والمدفعي والصاروخي كان هستيرياً خلال الساعات الأولى من المعركة، وتسبب في مقتل عشرة مدنيين على الأقل، ومثلهم من مقاتلي المعارضة. ومع ساعات المساء أعادت المعارضة تجميع نفسها وحشدت المزيد من التعزيزات لتشن هجومها المعاكس. وأشار الرج إلى أن المعارضة تمكنت من قتل ثلاثين عنصراً من القوات المهاجمة، وأسر ثلاثة مقاتلين من “لواء القدس”، كما دمرت ثلاث مدرعات، وعدداً من السيارات المحملة برشاشات ثقيلة وجرافة، على تلة المضافة وفي الملاح.
قائد غرفة عمليات “فتح حلب” الرائد ياسر عبدالرحيم، أكد لـ”المدن”، أن المعارضة استعادت سيطرتها على كامل النقاط في الملاح وحندرات، وأوضح أن الفصائل المنضوية في غرفة العمليات لبت النداء بلا استثناء، وعملت بشكل منظم وتنسيق عالي في ما بينها لمنع حصار المدينة وفصلها عن الريفين الغربي والشمالي. وتمكنت المعارضة من تكبيد قوات النظام والمليشيات خسائر كبيرة.
وفي الشمال الحلبي، بالقرب من الحدود السورية-التركية، كانت مناطق المعارضة إلى الشرق وشمال شرقي إعزاز على موعد مع هجوم عنيف لتنظيم “الدولة الإسلامية”. وتسلل مقاتلو “الدولة” إلى قرى وبلدات اكدة وجارز ويحمول وحوار كيليس ودوديان وبراغيدة، واشتبكوا مع مقاتلي المعارضة. وبعدها أرسل التنظيم المفخخات إلى المواقع المستهدفة، واستهدف معاقل ومقرات المعارضة بالمدفعية والهاون.
وتسبب هجوم التنظيم، فجر الخميس، بتخبط كبير في صفوف المعارضة بعد سيطرته على قرى وبلدات حدودية، وثلاث مخيمات للمهجّرين، متبعاً تكتيك الالتفاف على الفصائل والتسلل، مستغلاً صدمة المعارضة بعد خسارتها بلدة الراعي الاستراتيجية، قبل أيام.
وقتل التنظيم خلال هجومه الذي استمر لأكثر من ثمان ساعات، امرأة وطفلها وجرح 10 مدنيين في مخيم اكدة، بعدما استهدفه بالمدفعية والهاون. وحُرق جراء القصف عدد من الخيام في مخيمات الحرمين واكدة والريان. ونزح القاطنون في المخيمات الثلاثة عنها، بسبب المعارك التي اندلعت في محيطها والقصف المتبادل بين الطرفين. ويقدر عدد النازحين من المخيمات بعشرين ألفاً، توجهوا نحو إعزاز ومخيم السلامة.
وقتل عدد من عناصر الفصائل المنضوية في غرفة عمليات “حوار كيليس” خلال هجمات التنظيم، وأثناء هجومهم المعاكس ضده. واستعادت المعارضة السيطرة على اكدة وحوار كيليس وتلة براغيدة ويان يابان وتل بطال والأحمدية وتل شعير ودوديان وجارز ويحمول، بعد معارك كر وفر، قتل خلالها 15 عنصراً من “داعش” وأسر عدد آخر، من بينهم جهادي فرنسي الجنسية.
وفجّر مقاتلو المعارضة أربع سيارات مفخخة للتنظيم قبل وصولها إلى أهدافها، في محيط كفرغان وحوار كيليس وبراغيدة، كانت تستهدف الخطوط الأمامية والتحصينات الأولى للفصائل.
وبقيت قرى وبلدات كفر غان وبريشة وتل حسين وغزل والتقلي والجكة والشعبانية وتل أحمر والراعي وتل سفير وطاط حمص والبل والشيخ ريح وقنطرة، تحت سيطرة التنظيم، الذي استولى عليها بعدما استعاد بلدة الراعي.
المتحدث باسم “الجبهة الشامية” العقيد محمد الأحمد، قال لـ”المدن” إن “الدولة الإسلامية” لا تزال في عافيتها ويمكنها شنّ هجماتها في أي وقت تريد، وتدافع عن مناطق سيطرتها ضد المعارضة شمالي حلب بالتحديد، وهي المنطقة الوحيدة التي تتجاوران فيها.
وأوضح العقيد الأحمد أن بقاء التنظيم في هذه المنطقة وحفاظه على مواقعه فيها، هو استراتيجية لا يمكن أن يتنازل عنها التنظيم بسهولة. فتلك المناطق توفر له الكثير من الدعم المعنوي لمقاتليه، بالإضافة إلى ضرب منافسيه، أي المعارضة التي تقاتل أيضاً في الوقت ذاته قوات النظام و”قوات سوريا الديموقراطية”.
وأكد العقيد الأحمد أن معركة المعارضة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في ريف حلب الشمالي، وسعيها للوصول إلى معاقله في الشرق، لن تكون سهلة، وسوف تمر بمطبات كثيرة كالتي حصلت خلال الأيام القليلة الماضية، مؤكداً أن المعارضة قادرة على استعادة المبادرة من التنظيم واسترداد ما خسرته في فترة قياسية.
في ميدان حلب العسكري، لا يبدو أن النظام والتنظيم سيكفان ضغوطهما المستمرة ضد المعارضة لتطويقها وتقليص خياراتها الضيقة أصلاً في هذه المرحلة؛ فالنظام يكرس جهده لإحراز تقدم على الأرض أو على الأقل الحفاظ على مكاسبه التي حققها منذ نهاية العام 2015 وحتى وقت قريب، في الوقت الذي يدور فيه الحديث عن معركة كبيرة على كل الجبهات بمساندة قوات إيرانية، بدأت علائمها تظهر فعلياً، والتنظيم كذلك لن يتنازل عن نفوذه بسهولة.
المصدر: المدن