‘داود البصري يكتب: فريد الأطرش… ومباحثات الوحدة العربية’

16 أبريل، 2016

داود البصري يكتب: فريد الأطرش… ومباحثات الوحدة العربية – مدار اليوم آخر الأخبار

داود البصري

 في مقالة اليوم سأحاول الابتعاد عن هموم الحاضر السياسي العربي قليلا، مفضلا الإبحار في سفينة التاريخ العربي المعاصر، عبر سبر أغوار أحداث مجهولة بالكامل للأجيال الحالية، ولكنها شكلت الأساس المكين والجوهري لحالة الإنحدار والتراجع العربي في القرن الحادي والعشرين.

وقد يبدو إيراد اسم الموسيقار العربي الراحل فريد الأطرش في غياهب جب السياسة العربية المضطربة أمرا مثيرا للتساؤل، لكن في العالم العربي كل الإحتمالات ممكنة، وكل الخيارات مفتوحة، وكل العجائب والغرائب الواردة من عالم مغارة علي بابا الأسطورية تظل حاضرة في التاريخ المعاصر الذي جمعت أحداثه بين المأساة والملهاة اللتين شكلتا مرحلة الفشل العربي الكبرى!
لقد كان جيل الخمسينات من القرن الماضي مؤمنا بفكرة الوحدة العربية، وعاملا من أجل تحقيقها، وقامت انقلابات و أحداث سياسية عنيفة في سبيل الوصول لتحقيقها، وقامت لأول وآخر مرة في تاريخ العرب المعاصر في 22 فبراير 1958 وحدة اندماجية كاملة بين مصر وسورية سعت لها الجماعات المتنافسة في الجيش السوري وقامت تلك الوحدة على أساس تسليم أمور القيادة للزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي اشترط إلغاء جميع الأحزاب السياسية العاملة في الساحة السورية وفي طليعتها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي عمل وهيأ الساحة لقبول تلك الوحدة! أي أن الديمقراطية قد وضعت على الرف وهو الخلل الأكبر في مسيرة تلك الوحدة التي نشطت خلالها الأجهزة الأمنية من مباحث ومخابرات في السيطرة على الأوضاع ومما خلق ردود فعل سلبية في مسيرة تلك الوحدة التي جابهت مشكلات كبرى سرعان ما أدى انقلاب عسكري سوري في 28 سبتمبر العام 1961 إلى إنهائها وحدوث الانفصال الذي ترك جرحا غائرا لم يندمل أبدا في نفس الزعيم المصري الراحل عبد الناصر!
لن أطيل في الحديث عن تلك الوحدة التي أضحت من آثار الماضي البعيد، لكن جرت تطورات سياسية متسارعة، وقتذاك، قلبت الصورة الستراتيجية بصورة شاملة بعد أن نجح الفرع العراقي لحزب البعث بالتعاون مع القوميين بالقيام بانقلاب عسكري تخلصوا فيه من نظام اللواء عبد الكريم قاسم الذي أعدموه في التاسع من فبراير العام 1963، ولم يمر سوى شهر حتى استلم الفرع السوري للبعث الحكم هو الآخر في الثامن من مارس العام 1963 من أجل غسل عار الانفصال كما قالوا!
وبعيدا عن التدقيق في التفاصيل كان من الطبيعي أن يتوجه انقلابيو البعث صوب القاهرة التي كانت، وقتذاك، منطقة جذب سياسي هائلة في الشرق الأوسط، ودخلت الأطراف الثلاثة في محادثات وحدوية مباشرة لإعلان الوحدة الكاملة بين مصر وسورية والعراق! وبدأت ما عرف في حينه بمحادثات الوحدة الثلاثية في ظل شكوك الأطراف مجتمعة في إمكانية تحقيق أي نجاح حقيقي! فقد برزت الخلافات بين الثوار، وكانت القيادة العراقية البعثية تحديدا تضم عناصر غير منسجمة ومغامرة وغير منضبطة بالمرة! في ظل الصراعات العنيفة التي برزت في العراق بين التيارات البعثية المتصارعة ومع القوميين من العسكر أيضا، فتكفلت المخابرات المصرية بمراقبة الجميع، وكانت وقتذاك تحت قيادة مديرها الشهير صلاح نصر الذي كان يفضل استخدام الفنانين في العمل الاستخباري، ومعروفة ملفات وحكايات السيطرة على الفنانات التي حوكم على أساسها في قضية انحراف جهاز المخابرات بعد هزيمة العام 1967! المهم أنه تم تكليف الموسيقار الراحل فريد الأطرش على غير رغبة منه بإقامة حفلة عشاء لاستقبال وفود البعثين العراقي والسوري، في شقته الفسيحة الشهيرة على النيل، وقام ضباط المخابرات المصرية ومنهم السوري طلعت صدقي بتتبع تصرفات تصريحات القياديين البعثيين الذين كان أشهرهم وأكثرهم فوضوية وعدم التزام القيادي العراقي، وزير الداخلية وقتذاك، علي صالح السعدي الذي سكر وأخذ ينتقد النظام المصري وعبد الناصر شخصيا، وهو ما فعله أيضا في سهرة سابقة في “أوبرج” الأهرام.
لقد كان واضحا من تصرفات القياديين العراقيين في شقة فريد الأطرش ان الوحدة المنشودة مع مصر لن يكتب لها النجاح أبدا، وفعلا فشلت المحادثات الوحدوية الثلاثية وانتهى الصراع بين الرفاق البعثيين وبين القوميين بانهيار حكمهم في بغداد، فيما كان السوريون يعيشون صراعاتهم الخاصة ضمن التشكيلات التي كانت قائمة وقتذاك ومنها تنظيم اللجنة العسكرية الذي قام بإنقلاب على قيادة الحزب القومية في فبراير العام 1966، لينتهي حلم الوحدة بعد أن انقسم حزب الوحدة ذاته (حزب البعث ) لشيع وأقسام ويمين ويسار، أما المسكين فريد الأطرش فقد كان منزعجا من عربدة الرفاق في منزله في موقف لم يكن يتمناه لولا إرادة وسطوة مخابرات صلاح نصر، لقد كانت مرحلة العبث القومي فعلا وقولا!

ولم يزل القوم يبحثون عن الوحدة الضائعة حتى اليوم.

المصدر: السياسية

مقالات مشابهة

x
‎قد يُعجبك أيضاً

ارسل عبر الواتس ابمنار رشواني بلا اهتمام يُذكر، مر ما سمي “بيان …

أخبار سوريا ميكرو سيريا