هل سيتحول العراق إلى دولة فاشلة بحلول الصيف القادم؟
16 أبريل، 2016
ميدل إيست بريفنج –
هناك زاويتان يمكن النظر من خلالهما إلى الوضع في العراق في الوقت الراهن. الأولى هي معرفة ما يجري على القارب السياسي في بغداد. والثانية هي أن نعرف لماذا يغرق القارب في الواقع ،بجميع الركاب، ببطء.
ومن الزاوية الأولى، يكتنف الوضع السياسي في بغداد خاصية واحدة محددة وهي: الألعاب السياسية العادية بين السياسيين. حيث قدم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أسماء حكومته الجديدة في “ظرف مغلق” إلى البرلمان. وقد أثارت هذه الأسماء اعتراضات شتى من جميع الجبهات السياسية. ومن ثم اضطر إلى تغييرها. وعن طريق تراجع موقفه، عادت مجموعة كاملة من الشؤون الداخلية في العراق إلى نفس النقطة التي كانت عليها الأوضاع سابقا. حيث لا يوجد أي إصلاح، ولا يوجد أي تغيير وتسير الأمور على النحو المعتاد.
وعندما تسير الأمور على النحو المعتاد، فإن ذلك يدمر العراق. وفي حين أنه كان من المفترض أن يتم تشكيل مجلس وزراء العبادي الجديد بواسطة جماعة من الشخصيات التكنوقراط، إلا أنه قال إنه اضطر الى التخلي عنهم اسما تلو الآخر في مواجهة المعارضة البرلمانية الشرسة للتشكيلة الوزارية الجديدة. وبذلك يتبخر الأمل في إصلاح الحكم. وقد حملت المتاجر السياسية في بغداد السلاح للدفاع عن شبكاتها الفاسدة. وقد تحول مجلس الوزراء التكنوقراط المقترح إلى مجلس وزراء يتشكل بشكل رئيسي من مجموعة اللصوص المعتادين، ثم تعرض لجميع الألعاب السياسية. وانتهى هذا المشهد الكوميدي كله مع بدء أعضاء الهيئة التشريعية اعتصاما داخل البرلمان يطالبون فيه باستقالة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب من مناصبهم.
وفي الواقع، لقد بلغ المشهد السياسي في بغداد مستوى غير مسبوق من العبثية والسخف. ففي حين أن القارب كله يتعرض للغرق، يواصل الركاب قتال بعضهم البعض من أجل توسيع نصيبهم على متن القارب. لدرجة أنهم لا يرون أن القارب يتعرض للغرق.
هذا المشهد الذي لا يصدق هو نتاج الغزو الامريكي في عام 2003 ونتاج “التجربة” الخاصة بتصدير “الديمقراطية” إلى بلد محتل. ويكشف هذا المشهد المحزن عن الفجوة التي توجد في الواقع بين النخبة السياسية التي تستحق أن تقدم للمحاكمة بتهمة الخيانة وبين مطالب الشعب العراقي البسيطة التي لا تستطيع أن تجد طريقها إلى المؤسسة السياسية. هذه المؤسسة المشغولة بممارسة السرقة والنهب واستخدام التحريض الطائفي من أجل الحفاظ على مصالحها، حتى لو كان هذا التحريض يهدد القارب بالغرق أكثر من ذلك.
وقد تعرض المجتمع المدني للاختناق على مدى عقود تحت وطأة شديدة من الحكم المطلق للدولة البوليسية. فكيف يمكن لأي أحد أن يتصور أن توجد حكومة وظيفية ممثلة للشعب ترتكز على سيادة القانون معلقة هكذا في الفراغ؟
المشكلة في العراق هي أنه لا توجد “قيادة وطنية” قوية بما يكفي لتوحيد البلاد من أجل عبور المرحلة الانتقالية. وأولئك الذين يتهمون القوى الأجنبية بالعمل على تمزيق شمل العراق هم الذين يقومون بذلك تماما، حتى بطريقة أفضل من القوى الخارجية التي يتهمونها. حيث فضل آية الله السيستاني ،الذي لديه معظم المقومات اللازمة للقيام بدور الزعيم الوطني، اللجوء إلى الصمت خلال الأشهر القليلة الماضية. وقيل أنه يشعر بالاشمئزاز الشديد وخيبة الأمل بسبب غباء السياسيين في بغداد.
وقد خرج العبادي من داخل نفس المؤسسة السياسية. حيث تم تصميم الهيكل السياسي في العراق بطريقة تمنع ظهور أي مركز قوة قوي. ويتحمل العبادي جميع التبعات السيئة لبنية سياسية غير كفؤة صممت عمدا لكي تكون كذلك. والفجوة بين قدرة العراق المحدودة على ممارسة الحكم المؤسسي بعد عقود طويلة من الدكتاتورية، والتصميم الأولي للنظام السياسي الحالي، كانت مليئة بالأوهام والتمنيات. لقد خدعت الديمقراطية، التي ادعى الغزو أنه يعمل في خدمتها، نفسها وشوهت وجهها.
ولا يمكن لربان ضعيف أن ينقذ قاربا يغرق.
العراق يخطو بثبات نحو مصيره. إما التقسيم، أو التفتت والحروب الأهلية في كل منطقة، وبين مختلف المناطق أو الانتحار الوطني. وما نراه الآن هو الفصل الأخير من قصة حزينة لغزو العراق. ولكنه ليس المشهد الأخير على المسرح العراقي الذي يكتنفه الغبار.
فهل هناك أي طريقة لوقف هذه المأساة؟
بحسب طبيعة هذه السردية التي تشابه المآسي اليونانية، هناك حاجة إلى وجود مركز قوة وطني قادر على حشد العراقيين حول هويتهم الوطنية. وهناك شخص واحد فقط يمكنه أن يفعل ذلك في العراق الآن وهو: آية الله السيستاني.
وإذا لم يتم العمل على تنفيذ دور هذا “الموحد الوطني” قريبا، وإذا بقي السيستاني صامتا بسبب الإحباط أو الاشمئزاز، فسوف يعمل السياسيون في بغداد على إغراق القارب بأسرع مما كان متوقعا وسوف تمكنهم الانتصارات المتواضعة التي سيحققونها من نهب العراق أكثر. يجب على العراقيين أن ينظروا إلى الداخل، إلى أرواحهم، ويخرجون للدفاع عن وجودهم باعتبارهم أحد أقدم الشعوب على وجه الأرض. وهذه هي اللحظة الحاسمة بالنسبة للعراق كدولة. وتأتي تلك اللحظة بعد 13 عاما من الغزو، وهي ليست في طريقها إلى الزوال. بل سوف تطرح حصيلتها بالكامل. وتتطلب إما العمل على إنجاح العراق أو إفشاله. والخيار سوف يرجع إلى العراقيين.
إذا لم تستجمع هذه الأمة قوتها الداخلية لتدافع عن وجودها، ينبغي أن يقال حينئذ أنها لا تستحق الوجود كأمة بعد الآن.
حكومة العبادي، سواء كانت مؤلفة من شخصيات تكنوقراط أم لا، مجبرة على إجراء إصلاح اقتصادي وتخفيض الدعم. وربما في هذا الصيف، سوف يتم تنفيذ التدابير الجديدة التي يطالب بها برنامج إصلاح صندوق النقد الدولي. وهذا بالتأكيد سوف يضاعف من حرارة الصيف في بغداد، ومن شأنه أن يجعل المشهد المأساوي “للحظات الأخيرة للقارب العراقي” أكثر دراماتيكية. وإذا ما كان هناك ثورة شعبية، وفي ظل عدم وجود قوة سياسية وطنية حقيقية ووجود وفرة من الطفيليات السياسية الفاسدة، فإن المشهد سوف يصبح أكثر إثارة مما يمكن لأي شخص في هوليوود أن يتخيله.
ولكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟
سوف تقتطع ايران نصيبها من الغنيمة، وسوف يصمد الأكراد في إقليمهم وهم على أهبة الاستعداد للدفاع عنه، وسوف يبذر تنظيم الدولة الإسلامية بعض البذور الأيديولوجية لربط مستقبل المنطقة بصور وسرديات الماضي، وأولئك الذين نهبوا العراق سوف يسافرون إلى أي مكان آخر للتمتع بغنائمهم. ولن يكون هناك عراق.
وتستعد تركيا بالفعل لهذه اللحظة المثيرة. حيث تعزز من علاقاتها في مجال الطاقة مع كردستان العراق. وايران تفعل الشيء نفسه. ويجري الآن التفاوض على إنشاء مشروع جديد لبناء خط أنابيب غاز طبيعي يربط بين كردستان وإيران. وسوف يحصل الجميع على قطعة من العراق الممزق باستثناء الشعب العراقي.