ألعاب الفيديو وتنميط المسلمين
17 أبريل، 2016
ذا ناشيونال –
عندما يفكر بعض الغربيين في الإسلام في مرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فإنهم غالبًا ما يساوون بينه وبين العنف والتعصب والتطرف وعدم التسامح.
اللغة المهينة والتعزيز المستمر للقوالب النمطية في كثير من وسائل الإعلام تعني أنه في كثير من الأحيان يتم استخدام كلمتيَّ “مسلم” و “إرهابي” كمترادفين.
مع هيمنة هذا الخطاب المعادي للإسلام، فمن السهل أن ننسى المساهمة الكبيرة للإسلام في البلدان ذات الأغلبية المسلمة وأيضًا في الحضارة الغربية بشكل عام، في مجالات الصحة والتعليم والعلوم والثقافة، على سبيل المثال لا الحصر. ولذلك، فإنَّ حصر أتباع هذا الدين في تلك الصور النمطية الضيقة هو تقديم لصورة زائفة.
قبل ثلاثة أسابيع، كنتُ جزءًا من لجنة الخبراء في مؤتمر مطوري الألعاب، أكبر تجمع سنوي لمطوري ألعاب الفيديو، في سان فرانسيسكو. كان موضوع المؤتمر هو الحالة الراهنة لتمثيل المسلمين في ألعاب الفيديو. أنتج هذا المؤتمر مناقشات مثيرة للتأمل وسلّط الضوء على كيفية تسرب الدلالات السلبية المرتبطة بالمسلمين في وسائل الإعلام إلى الألعاب. وقد أدى ذلك إلى تصوير غير دقيق للشخصيات وأيضًا في الصور المنسوبة للعالم الإسلامي.
سلسلة ألعاب مثل “Call of Duty” هي مثال على ذلك. إنّها ألعاب مليئة بالأشرار من أصول شرق أوسطية، وفي لعبة “Call of Duty Modern Warfare 2”، مدينة كراتشي بها علامات مكتوبة باللغة العربية. هذا ليس مفاجئًا لأي شخص لا يعرف شيئًا عن باكستان، ولكنَّ العربية ليست اللغة المتداولة في كراتشي، بل الأردية والإنجليزية.
من المهم أن أضيف أن هذه القوالب النمطية ليست حكرًا على المسلمين فحسب. يحدث هذا أيضًا مع الروس، وكذلك الجماعات العِرقية الأخرى، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى المناخ السياسي الراهن.
الشيء الوحيد الذي كان واضحًا للغاية من هذا المؤتمر، وجلسة السؤال والجواب التي امتدت لساعتين في نهاية المؤتمر، هو أن قد طال انتظار الحديث عن تمثيل المسلمين في ألعاب الفيديو وأننا بحاجة لمثل هذا النقاش. في حين كان هناك مزيج كبير إلى حد ما من المطورين والأكاديميين والطلاب وأعضاء الصحافة بين الجمهور، كانت الغالبية العظمى من الأشخاص الذين ظلوا حتى جلسة السؤال والجواب من المسلمين.
شعرت أنها مجموعة دعم لأن المحادثة تطرقت إلى مختلف التحديات التي نواجهها كمسلمين في صناعة الألعاب. وكان من الواضح أننا بحاجة إلى تأسيس أنفسنا كمجموعة حتى نتمكن من الدفاع عن قضية تؤثر على مجتمعنا. وهذا دفعني لتبادل وجهات نظري في هذه المقالة.
العدسة الضيقة التي تعكس من خلالها معظم وسائل الإعلام صورة المسلمين في العالم تغذي روح الكراهية. وتشكّل مواقف وآراء الجمهور، والذي بدوره يحدد ما هو رائج وفق وسائل الإعلام الاستهلاكية.
عندما يتعلق الأمر بألعاب الفيديو، فإنَّ الطريقة التي يتم بها وصف المسلمين عادة ما تستغل الكليشيهات والتعميمات النمطية. في الألعاب، عادة ما يتم الاستخفاف والحط من قدر المسلمين إلى دور “الآخر”، الشخصيات أصحاب البشرة السوداء الذين يركضون على الشاشة، يحملون البنادق أو يرمون القنابل بينما ويصيحون “الله أكبر”. باختصار، يتحول المسلمين إلى أهداف يجب إبادتها.
ما يتناساه الناس هو أنَّ الإسلام وأتباعه – 1.6 مليار مسلم في العالم – هم متنوعون جغرافيًا، وعرقيًا ولغويًا وثقافيًا. الكثير من وسائل الإعلام تتجاهل هذه الحقيقة، وهذا هو السبب في أنَّ “المسلمين” أصبحوا مترسخين ككيان أحادي غير متبلور في أذهان كثير من الناس.
لماذا المسلمون هم الجماعة الوحيدة من البشر الذي يجب الكشف عن هويتهم في الألعاب من خلال دينهم؟ لماذا لا تبتكر الألعاب، وكذلك وسائل الإعلام الأخرى، شخصيات غنية ومتنوعة تمثل ثقافات وجنسيات أكثر واقعية، بحيث لا يكون الدين هو محور تلك الألعاب؟
فريدة مالك، الشخصية المحورية في لعبة “Deus Ex: Human Revolution”، هي حالة نماذجية عن لعبة شهيرة. نعم، إنّها تلعب على الصورة النمطية لما يعنيه أن تكون “مسلم صالح” “ولكن الجزء الخاص بكونها مسلمة هو شيء تمّ الكشف عنه من خلال الخلفية الدرامية.
إذا كانت الألعاب تريد إظهار شخصيات تركز على الدين، ينبغي أن تخلق مجموعة من الشخصيات تسلّط الضوء على تنوع كل الأديان بدلًا من محاولة تغليف عدة صورة نمطية في شخصية واحدة فقط، كما يحدث مع الإسلام. إذا كان من المهم حقًا لأي لعبة أن تركز على الدين باعتباره مصدرًا للعنف، هناك العديد من الأمثلة على الأعمال الوحشية التي ارتكبتها متطرفون من أتباع الديانات الأخرى.
الألعاب هي وسيلة قوية ومؤثرة يمكنها تفكيك موقف المسلمين باعتبارهم “الآخر”، وإظهارهم كمجموعة متنوعة من الناس الذين يتقاسمون القيّم الإنسانية العالمية. يجب ألّا تشرعن الألعاب أيديولوجيات الجماعات الإرهابية التي تريد منّا أن نرى العالم من منظور ” الإسلام في مواجهة الغرب.” ليس من الضروري أن تسير الأمور بهذه الطريقة. ولذلك، ينبغي ألّا تجعل الألعاب من الإسلام مرادفًا للكراهية أو من المسلمين مرادفًا “للأشرار”.
هذه قصة سمعناها مرارًا وتكرارًا. نحن بحاجة إلى تغيير الحوار، ولكن كيف لنا أن نفعل ذلك؟ التنوع. التنوع الإبداعي هو الفكرة التي تطرح نفسها باستمرار وستواصل القيام بذلك حتى تتغيّر الأمور.
إذا كنا نريد أن نحكي قصصًا تتجاوز شرعنة أصوات المتطرفين، فمن المؤكد أننا بحاجة لإظهار مجموعة واسعة من الشخصيات. وبدلًا من تمجيد الحروب والعنف، لماذا لا نُظهر التكلفة البشرية للحرب؟ لقد أُصيب البشر بالتبلد واللامبالاة تجاه القتل، وخاصة قتل المسلمين.
وكما قال شريكي في المؤتمر رامي إسماعيل: “دم المسلم رخيص.” إنَّ المئات من الأطفال الذين يقتلون في العراق وسوريا واليمن وليبيا وأفغانستان وباكستان لا يتصدرون عناوين الصحف، ولكنَّ أحداث بروكسل أو باريس ترددت عبر وسائل الإعلام لعدة أشهر. من المقبول أن يتحول الموت والعنف إلى القاعدة الأساسية في أجزاء معينة من العالم، ولكن من غير المقبول في مناطق أخرى.
هذا التحيز والمحاباة هو استقطاب تام الأركان. على النقيض من ذلك، في لعبة “Medal of Honour: Warfighter”، كانت كراتشي مسرحًا للحرب مع الإرهابيين، على عكس لعبة “Six Days in Fallujah”. واعتبرت الجماهير الغربية هذه الحرب الأخيرة، استنادًا إلى السرديات الشخصية للجنود الذين شاركوا في تلك الحرب، أنها جرح مفتوح حيث كانت التكلفة البشرية للحرب هائلة. واُعتبرت هذه لا مبالاة لأن الجروح كانت حاضرة في أذهان الناس.
من ناحية أخرى، كان ينظر إلى مدينة كراتشي كما لو كانت مكان خيالي، وأنَّ حياة المتضررين من الحرب على الإرهاب لا تبدو “حقيقية” للغرب، وبالتالي لا تثير نفس المشاعر.
المشكلة هي أن العديد من المطورين في صناعة ألعاب الفيديو هم من البيض ويعيشون في الغرب. نحن بحاجة إلى تغيير هذا المعدل، بحيث إذا أراد المطورون صناعة ألعاب عن الأشخاص من الأقليات، فإنهم بحاجة للحديث مع أعضاء هذه الجماعات لضمان تمثيلهم بدقة. ولذلك، دعونا نرحب بالأصوات الجديدة.
هذه فرصة كبيرة لتقديم وجهة نظر عالمية أوسع. صناعة الألعاب في الشرق الأوسط بدأت في التبلور، مع وجود مطورين مثل المهدي بهرامي من إيران والأمير فهد آل سعود من المملكة العربية السعودية، يساعدون في تغيير الطريقة المحدودة التي يتم من خلالها تصوير المسلمين.
دعونا نصنع الألعاب التي تتبنى التنوع الرائع للتجربة الإنسانية بدلًا من القناة الضيقة للتطرف.