‘أوباما في الرياض: السعودية والولايات المتحدة بحاجة إلى بعضهما البعض’
17 أبريل، 2016
بروكنجز –
تدهورت العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة منذ العام 2000 بسبب خلافات جدية وجوهرية حول: إسرائيل، والديمقراطية، وإيران، وغيرها من القضايا. ويمكن لزيارة الرئيس باراك أوباما المقررة في الأسبوع المقبل أن تساعد على احتواء هذه الخلافات، وتؤكد على المصالح المشتركة بين البلدين، لكنها لن تعيد العلاقة إلى سابق مجدها.
تاريخ طويل من صعود وهبوط العلاقات
يرجع تاريخ التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية إلى عام 1943، عندما زار فيصل وخالد ،اللذين أصبحا ملكان في المستقبل، البيت الأبيض بناء على دعوة من الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت. وقد وافق الأمراء الصغار على قبول المساعدة الأمنية الأمريكية في مقابل التفضيل السعودي المستمر لشركات النفط الأمريكية من أجل التنقيب عن النفط في المملكة. وقد تم الاتفاق رسميا في العام 1945، عندما التقى الملك ابن سعود وروزفلت وجها لوجه على متن المدمرة الأمريكية كوينسي في قناة السويس. وسرعان ما اتفق الملك والرئيس، على الرغم من الخلاف العميق حول مستقبل فلسطين.
وشهدت العقود الستة التالية صعودا وهبوطا في العلاقات بين البلدين، ولكنهما حافظا على توثيق العلاقات معا بشكل مستمر. وسوف يفرض فيصل الحظر النفطي في العام 1973 على ريتشارد نيكسون بسبب دعم إسرائيل في حرب أكتوبر، ولكن هذا الأمر أدى إلى بداية تعاون سعودي-أمريكي في عملية السلام بين العرب وإسرائيل. وسوف يشترك خالد مع جيمي كارتر في محاربة السوفيت في أفغانستان. وسيساند الملك فهد الرئيس جورج دبليو بوش لمحاربة صدام حسين وتحرير الكويت. وقد شهدت حقبتا الثمانينات والتسعينات تعاونا غير مسبوق بين البلدين.
وقد بدأت العلاقات تتأزم في العام 2000 ، عندما فشل الرئيس بيل كلينتون في التوصل إلى اتفاق سلام بين سوريا واسرائيل في مؤتمر السلام المنعقد في مدينة شبردزتاون، وبين الفلسطينيين وإسرائيل في كامب ديفيد. وحينئذ أحس ولي العهد الأمير عبد الله بفشل كلينتون في الضغط على اسرائيل بما يكفي لتقديم تنازلات إقليمية. واعتقد السعوديون ان التوصل لاتفاق سوري كان مواتيا في العام 2000 خصوصا، وكان سيؤدي إلى عزل دمشق عن إيران، وعزل حزب الله، وتمهيد الطريق لاتفاق فلسطيني.
وفي ذلك الوقت، كان عبد الله بحكم الأمر الواقع هو الوصي على العرش بسبب صحة الملك فهد المتردية. وكان محبطا بشدة عندما انحاز الرئيس جورج دبليو بوش إلى ارييل شارون في العام 2001 خلال الانتفاضة الثانية. وقد أطلع عبد الله وزير الخارجية الأمريكي كولن باول على أعمال العنف التي تقوم بها إسرائيل عندما التقى الاثنان في باريس، متهما بوش بالتواطؤ في جرائم حرب. ورفض عبد الله لقاء بوش أو زيارة واشنطن رغم مناشدات كل من بوش الأب والابن. وتم استرضاء عبدالله بشكل جزئي عندما دعا جورج دبليو بوش علنا إلى إقامة دولة فلسطينية. وفيما بينهم، شك السعوديون أنه ينوي ذلك بالفعل.
وقد أدت هجمات 11/9 إلى تدهور العلاقات بشكل أسوأ. حيث تسائل الأمريكيون بحق لماذا هاجم 15 سعوديا أمريكا، ولماذا يكره أسامة بن لادن أمريكا. وينتمي فكر تنظيم القاعدة إلى إطار المذهب الوهابي السعودي. وقد أنكر السعوديون تنظيم القاعدة حتى هاجمت القاعدة المملكة في العام 2003. وفقط عندما هوجمت الرياض، بدأ السعوديون في اتخاذ إجراءات ملموسة ضد الجماعة.
ومن جانبهم، لا يستطيع السعوديون أن يفهموا لماذا هاجم بوش العراق بعد هجمات 11/9. فالعراق ليس له علاقة بابن لادن أو تنظيم القاعدة. وقد كانوا سعداء لرؤية سقوط صدام، ولكنهم أرادوا جنرالا سنيا مرنا ليحل محله، وليس شيعيا منتخبا من قبل حكم الأغلبية. إذ أن المملكة يسودها نظام الحكم الملكي المطلق، ووجود الديمقراطية في أي بلد عربي كبير هو تهديد وجودي محتمل لأي نظام ملكي اذا ما نجحت الديمقراطية. فربما يريد السعوديون أن يدلوا بأصواتهم يوما ما.
والأسوأ من ذلك، أدت الانتخابات في العراق إلى تسليم بغداد للشيعة. وبالنسبة للسعوديين، يعتبر هذا بمنزلة تسليم العراق لإيران. وكان عبد الله منزعجا مما اعتبره سذاجة بوش، ولازال هذا الأمر مصدر ضيق للسعودية إلى اليوم.
عهد أوباما
جعل أوباما الرياض هي محطته الأولى في أول زيارة له إلى الشرق الأوسط في العام 2009. ولم يؤت الاجتماع مع الملك عبد الله ثماره المرجوة، ولكن أوباما وعد بحل القضية الفلسطينية. وحينها اعتقد السعوديون انه يرضخ لبنيامين نتنياهو، ومن ثم شعروا بالإحباط مرة أخرى.
كما أدى الربيع العربي إلى تدهور العلاقات بشكل أكبر. حيث أراد عبد الله من أوباما أن يدعم حسني مبارك بشكل كامل وألا يتخلى عن حليف قديم. وكانت الديمقراطية في مصر السنية أسوأ حالا بالنسبة للسعودية من الديمقراطية في العراق الشيعية. فإذا أمكن أن تكون مصر دولة ديمقراطية على نحو ما، فلم لا تكون المملكة العربية السعودية كذلك؟ لقد كان ذلك تحديا لجوهر وجود ملكيات الخليج.
بينما كانت فكرة الإصلاح السياسي ووجود بعض الديمقراطية في البحرين أكثر صعوبة بالنسبة للسعوديين. فإذا تم تهديد حكم ملكي سني من قبل الأغلبية الشيعية الموجودة على الجانب الآخر من جسر الملك فهد والمنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية والغنية بالنفط في المملكة العربية السعودية، فإن الموارد المالية لآل سعود تتعرض للخطر وقتئذ. وكانت واشنطن متعاطفة بشكل علني مع الإصلاح في البحرين، لذلك أرسلت الرياض وأبو ظبي ناقلات الجند المدرعة والجنود إلى البحرين. ولازالت موجودة هناك. وقد انتصرت الثورة المضادة، حتى الآن على الأقل.
وكانت مصر هي المحطة التالية. فقد عرفت الرياض الجنرال عبد الفتاح السيسي جيدا منذ أن كان ملحقا عسكريا سابقا لمصر في المملكة. وكان الأمير بندر، السفير السابق في واشنطن ورئيس الاستخبارات السعودي في العام 2013 ، قد وقع اختياره على مبارك الجديد. وعندما استولى السيسي على السلطة، أيد الملك عبد الله انقلابه في أقل من خمس دقائق. والآن، يعمل السعوديون على تمويل ديكتاتوريته.
الملك الجديد ليس كالملك القديم
كان عبد الله زعيما حذرا إلى حد ما ومتجنبا للمخاطر. بينما الملك سلمان أكثر جرأة وحدة. فقد تجاهل أوباما عندما ذهب إلى شن حرب على اليمن، وأعدم العشرات من المتهمين بالإرهاب، وكون تحالفا عسكريا واسعا يضم 34 دولة إسلامية ضد إيران. وقد زار سلمان لتوه القاهرة ووعد بتقديم مليارات من المساعدات والاستثمارات، وإنشاء جسر يربط بين البلدين عبر مضيق تيران.
وتضغط المؤسسة الدينية الوهابية على سلمان من أجل أن يكون أكثر حدة ضد ما تسميه بالنظام ” الصفوي الشيطاني الإيراني” . وقد بعث مائة وأربعين رجلا من رجال الدين أصحاب العلاقات القديمة والعميقة مع الملك عريضة إلى الملك هذا الشهر يحثونه فيها على النضال “الفكري” ضد ايران في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
في خندق واحد
على الرغم من كل هذه الاختلافات، لا يمكن للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ان ينفصلا. فلازال كل منهم بحاجة إلى الآخر. فلازال أوباما وسلمان يمتلكان مساحة من الاهتمام والتوافق المشترك. فقد باع أوباما أسلحة إلى المملكة بقيمة 95 مليار دولار. وكلاهما عازم على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، وقد أثبت ولي العهد الأمير محمد بن نايف أنه شريك جيد للتعاون الأمني مع أمريكا. ويجب على البلدين تعزيز التعاون بينهما لمكافحة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي نما بشكل كبير خلال الحرب في اليمن.
ويمكن لكل من واشنطن والرياض أيضا أن يتعاونا في الحد من الأنشطة التخريبية الإيرانية وخاصة في دول الخليج. حيث يوجد خطرا حقيقيا كون ايران ستكثف من دعمها للأنشطة التخريبية الآن بعد أن أصبح لديها المزيد من عائدات النفط. كما توجد سوريا أيضا على جدول الأعمال. حيث يريد السعوديون التزاما واضحا بإزاحة بشار الأسد. وهم يعتقدون أن الحرب الأهلية يمكن حلها فقط برحيل الأسد.
كما يجب أن يكون إحلال السلام في اليمن أمرا ذا أولوية قصوى. وكانت واشنطن شريكة للرياض بصمتها عن هذه الحرب وتوفير المساعدة الحاسمة. وقد كلفت الحرب بالفعل المملكة مليارات، وكان لها أثر إنساني مدمر في اليمن والمناطق الحدودية للمملكة العربية السعودية. ويقول ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إنه قد حان الوقت لعملية سياسية. وهو على حق.
ويقول محمد بن سلمان أيضا إن السعوديون يريدون مشاركة أمريكية أكبر ، وليس أقل، في “حفظ النظام” في المنطقة. واليمن مكان جيد لتجربة نهج مشترك. وفي الواقع، واشنطن والرياض لديهما مصلحة مشتركة في الحد من نفوذ طهران في المستقبل في صنعاء وهو ما يتطلب إقناع الحوثيين الزيدية الشيعية بأنهم لا يحتاجون إلى الدعم الإيراني لامتلاك حصة جيدة في الحياة السياسية في اليمن.
وتخوض المملكة غمار تغيير الأجيال التي تتولى القيادة، وهو الأمر الأول من نوعه منذ أكثر من نصف قرن. وهذا تحد كبير بالنسبة للملكية المطلقة. وهناك المزيد من النشاط السياسي داخل العائلة المالكة منذ العام 1963. في حين تجعل أسعار النفط المنخفضة التغييرات أكثر تعقيدا. وأوباما محق في الاستمرار في العمل مع القيادة السعودية على الرغم من خلافاتنا. ففي ظل الشرق الأوسط الذي يعج بحالة من الفوضى، تعتبر المملكة العربية السعودية لاعبا رئيسيا.