هل سيورث خامنئي ولاية الفقيه لابنه مجتبى؟
17 أبريل، 2016
لا يشك الإيرانيون في دنو أجل خامنئي بسبب انتشار مرض سرطان البروستات في جسمه، فالمرشد الذي حكم إيران بدهاء رجال السياسة ومكر رجال الدين أكثر من 27 عاماً، وبعد هذه السنوات الطويلة يعاني من المرض، في حين يفكر الإيرانيون في خليفته لعله يخفف عنهم معاناتهم من التدهور الاقتصادي الذي عاناه الشعب منذ الثورة الخمينية.
يعتبر أكبر هاشمي رفسنجاني من أكبر الأسماء المرشحة لخلافة خامنئي، ولكن من الملاحظ أن الرجل أصبح في مرمى نيران أنصار خامنئي، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم رضا خامنئي عنه، ورغبته في إبعاده عن المسرح السياسي حتى لا يتولى منصب المرشد من بعده، رغم الدور الكبير الذي قام به في تولي خامنئي منصب المرشد بعد وفاة الخميني.
ولاشك أن عيني رفسنجاني موجهة إلى كرسي المرشد، فتحركاته الأخيرة وتصريحاته الكثيرة، وانتقاداته اللاذعة للسياسة الإيرانية؛ كل هذا يدل على أن هذا الرجل يخطط أن يبقى في واجهة المشهد الإيراني، وفي مقدمة الأحداث حتى إذا حانت الفرصة وتوفي خامنئي انقض على منصبه الذي طال انتظاره، فقد ناصر خامنئي طوال السنوات الماضية وينتظر الآن مكافأته بأن يكون خليفة له.
خامنئي يعتبر الرجل الأول والأقوى في إيران منذ 27 عاماً، حيث إن سلطاته تفوق ما يتمتع به الرئيس المنتخب، كما أن المرشد الأعلى للثورة هو الذي يبت في القضايا الحساسة في إيران بما في ذلك مسائل الأمن القومي والسياسة الخارجية، ويعتمد المرشد على الحرس الثوري في إحكام قبضته على إيران من خلال المهام الثلاثة التي يقوم بها الحرس الثوري؛ وهي المهام العسكرية والاستخباراتية والاستثمارات السرية، فمن خلال هذا الثالوث الخطير تمكن خامنئي من الإمساك بخيوط اللعبة في إيران وإدارتها وفقاً لإرداته وحده رغم وجود رئيس ومجلس شورى منتخبين من الشعب، إلا أنه لا يعلو شيء فوق صوت المرشد في هذه الدولة الثيوقراطية التي أعادت إيران إلى القرون الوسطى؛ بسبب استحداث منصب ولي الفقيه بعد الثورة الخمينية.
– كرسي البابوية الشيعية
ولكن هل سيصل رفسنجاني إلى كرسي البابوية الشيعية الذي يسمى بولاية الفقيه؟
ليس هناك محلل سياسي يستطيع أن يجزم بمن سيكون خليفة لخامنئي هل هو رفسنجاني أو رجل دين آخر منافس له، وإذا كان رجلاً آخر فمن هو؟
المراقبون يرون أن هناك أسماء عديدة للمنافسة على كرسي ولاية الفقيه، هذا المنصب الذي ابتكره الخميني من أجل أن يكون للشيعة دور سياسي، وهو الدور الذي توقف مع غيبة إمامهم الثاني عشر من سلسلة أئمة الشيعة الأثنى عشرية، فابتكر الخميني منصب ولاية الفقيه ليكون خليفة للإمام الغائب حتى يتمكن رجال الدين من أداء الدور السياسي الذي توقف مع الغيبة.
ولهذا السبب أخذت “ولاية الفقيه” مكاناً بارزاً في الدستور الإيراني، حيث نصت المادة الثانية منه على الإيمان بالإمامة، وأكدت المادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني على أن الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير، ونصت المادة الخامسة منه على أن منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، والقائد لإيران، المنوط بـه “في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير”. وذلك وفقاً للفصل الثامن من الدستور الذي فصّل في موضوع القائد.
– مجتبى خامنئي والتوريث
يرى بعض المحللين أن خامنئي يخفي قضية توريث ولاية الفقيه إلى ابنه مجتبى خامنئي وهو الرجل القوي الذي يجمع بين تأييد الحرس الثوري وقوات التعبئة “باسيج”، وعدد لا يُستهان به من رجال الدين؛ في مقدمتهم آية الله مصباح يزدي، وكشفت وثيقة لـ”ويكيليكس” مسربة: “أن المرشد الأعلى علي خامنئي يحضِّر ابنه الذي تلقى تعليماً دينيّاً ليخلفه في منصب المرشد”.
وقد تعاظم حضور مجتبى ونفوذه خلال السنوات الأخيرة في مختلف المؤسسات القوية في إيران، فقد أدى مجتبى خامنئي دوراً كبيراً في انتخاب أحمدي نجاد عام 2005، وقد اتهمه مهدي كروبي صراحة بالتدخل في الانتخابات بصورة غير قانونية، وكذلك الحال في الانتخابات الرئاسية العاشرة، وإعادة انتخاب أحمدي نجاد 2009، وأثناء الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات خرجت شعارات تندِّد بدور مجتبى خامنئي في تصفية المتظاهرين وسحقهم من خلال قوات التعبئة “االباسيج”.
ولكن مجتبى لا يحظى بتأييد يذكر داخل الأطياف الإصلاحية، فضلًا عن تيار رفسنجاني، كما أن تعقيدات انتخاب خليفة المرشد قد تكون حائلاً أمامه، إلا أنه سيبقى في مقدمة الأسماء التي تطرح على هذا الصعيد؛ فهو من السادة، ولديه نفوذ مالي وأمني، وسعى خلال السنوات الأخيرة لتذليل العقبات التي تعترضه، وانخرط في الدروس الدينية سعياً للوصول إلى مرتبة مجتهد، لكن أبرز نقاط ضعفه غيابه عن الفضاء العام وعدم مشاركته في النشاطات العامة، ولم يقدِّم إلى اليوم ما من شأنه أن يدعم موقعه في مجال الاجتهاد الديني، ويضاف إلى ذلك النقد الذي سيواجهه بسبب تحول ولاية الفقيه من منصب منتخب إلى عملية التوريث.
سيناريو التوريث أصبح الأقوى خاصة بعد المؤامرة التي حيكت ضد حسن الخميني وهو حفيد قائد الثورة روح الله الخميني؛ فقد منع حسن الخميني من الترشح لانتخابات مجلس الخبراء واستبعد من هذا المنصب لأسباب غامضة، ويبدو أن التهيئة لتوريث ولاية الفقيه إلى مجتبى من أهم أسباب استبعاد حسن الخميني من انتخابات مجلس الخبراء.
ويرى مراقبون أن الصراع سيكون محصوراً بين رفسنجاني ومجتبى خامنئي، ومن المتوقع أن يصعد أنصار خامنئي الهجوم ضد رفسنجاني، ولا يستبعد أن يتم عزله نهائياً ليصبح مصيره مثل مصير منتظري الذي كان يتوقع أن يصبح خليفة الخميني، ثم تم عزله بعد أن وجه انتقادات لسياسة الخميني، ولا يستبعد هذا المصير لرفسنجاني، وبالفعل تم تهديده علناً بأنه سوف يلقى نفس مصير منتظري، فقد صرح محمد جواد لاريجاني، أمين لجنة الحقوق والمقرب من خامنئي، أن مصير رفسنجاني مثل مصير منتظري قائلاً: إن “نموذجاً بارزاً لهولاء الأشخاص هو آية الله منتظري الذي كانت له خلفية نضالية طويلة، وكان من ضمن أتباع الإمام (خميني) ويؤمن بالثورة إيماناً عميقاً، وكتب أحسن كتب حول ولاية الفقيه كانت منبثقة من الفقه، لكنه وصل إلى حيث وقف بوجه الفقيه، واتخذ مواقف تماثل مواقف الغربيين”.
ويؤكد مراقبون أن هناك صراعاً خفياً وقوياً في هيكل النظام الإيراني، وأن رفسنجاني يبحث عن مقعد خلافة الخامنئي، والأخير يبحث بأي وسيلة أو طريقة لاستبعاد رفسنجاني من الساحة السياسية الإيرانية، والعمل على توريث ابنه مجتبى منصب ولاية الفقيه، ولكن هل ينجح خامنئي في عزل رفسنجاني؟ وهل سيتمكن مجتبى من الوصول إلى كرسي البابوية الشيعية ليكون خليفة والده؟ الأيام القادمة ستجيب عن هذه التساؤلات.