الطبيب كمال جمعة يروي لـ (كلنا شركاء) تفاصيل أربعة أعوام في المعتقل


45ae657e-924c-41d0-8c48-8c8f31618918

رزق العبي: المصدر

“الداخل مفقود والخارج مولود” إنها العبارة الأكثر انتشاراً في سوريا خلال سنوات الثورة، قام خلالها النظام باعتقال مئات الآلاف من الشباب وزجهم في غياهب السجون، حيث لا يكاد يخلو منزل سوري من معتقل لدى في سجون النظام.

قبل يومين كان لبلدة الغدفة في ريف معرة النعمان بريف إدلب موعدٌ مع الفرح بعدما أفرجت قوات النظام عن الطبيب “كمال الجمعة” الذي أمضى أربعة أعوام متنقلاً بين أفرع عديدة، عاش خلال سنوات الاعتقال ظروفاً صعبة، أدت إلى تدهور حالته الصحية.

تفاصيل شاقة وأخرى جميلة تختلط بمشاعر الفرح، يتحدث بها الطبيب “كمال” في حديث خاص لـ (المصدر)

في سجون الأسد للعقاب حفلات جماعية:

أنا كمال محي الدين الجمعة المعروف بأبو هديل، من مواليد بلدة الغدفة – معرة النعمان 1972، في صباح 6 حزيران 2012 وأثناء تواجدي على رأس عملي في مستشفى جراحة القلب في حلب، في تمام الساعة الثامنة والنصف، اقتادتني مجموعة من عناصر الأمن إلى فرع أمن الدولة في حلب، وقضيت أربعة أيام  في أمن الدولة ليتم ترحيلي بعدها إلى دمشق عبر طائرة حربية، ووصلنا إلى دمشق، واقتادونا مباشرة إلى فرع 285 في كفرسوسة، سبعة وخمسون يوماً منذ لحظة دخولي إلى الفرع تعرضت فيها للتحقيق ولشتى أصناف وأنواع التعذيب الوحشي، من شبح دولاب وكهرباء وجلد وضرب وإهانات جسدية ونفسية، كان أقساها يومياً من المغرب حتى العشاء تقريباً على بساط الريح عارياً مغطى العينين، وهو خشب مصفح بحديد الزينكو مربوط بجنازير وحبال، تستلقي على البساط على البطن وأصابع يديك تغوص بإحكام بين الخشب في مكان مخصص لها، وفي لحظة ما يتم ارخاء الحبال، وتعشر بسقوط جسدك كلياً كلحظة هبوط الطائرة فجأة وبشدة، وتشعر بأن ظهرك تقهقهر كله ولم يبق عظم على عظم، وخرطوم من الماء البارد فوقك مع الضرب بالجنزير.

سبع وخمسون يوماً ولم أعترف رغم أشد أنواع التعذيب، إثرها تم تبصيمي على ورقة بيضاء قسراً وأمضيت تسعة أشهر في هذا الفرع، شاهدت أطفالاً ونساءً وشيباً وشباباً وحتى الرضع، عداك عن حفلات العقاب الجماعي الممنهج، ومفارقة الكثيرين للحياة نتيجة هذا العذاب النفسي والجسدي.

تم تحويلي من فرع 285 إلى صيدنايا، في صيدنايا ثلاثة أجنحة متعارف عليها، جناح السياسيين والجناح الأبيض وهو سجن مدني والجناح الأحمر وهو الأصعب للميداني، كل من يوجه له تهم الإرهاب على اختلافها يوضع بالسجن الأحمر في صيدنايا، وهو سجن الموت والتصفيات اليومية، ولا ينفد منه إلا من كتب له من العمر بقية، في صيدنايا ترى الموت يومياً ويراودك في كل لحظة، لا يوجد لغة تصف مدى البشاعة والتوحش التي شاهدتها في صيدنايا، وحالات القمل والدمامل والخراجات والسل وشتى أنواع الأوبئة التي حاولت عن طريق الملح والمربى والخبز المعفن المتوافر بصعوبة تقديم العلاج والتخفيف قدر الإمكان عن المصابين وأنا منهم، هذا عداك عن التعذيب الجسدي والنفسي والإهانات أثناء تقديمهم الطعام الذي لا يصلح للحيوانات.

تصفيات ميدانية

في مهجع لا يتجاوز طوله 5 أمتار وعرضه 3 أمتار كنا ما يقارب مئة معتقل نتناوب ما بين الوقوف والجلوس جاثياً، حيث لا تتجاوز حصتك من المكان مساحة بلاطة واحدة، ويومياً كان هناك ترحيل صباحي أو مسائي، من كان ترحيله صباحيا إما إلى المستشفى أو إعادته إلى أحد الأفرع للتحقيق مرة أخرى، أما من كان ترحيله مسائيا فهذا ذهب ولم يعد، حيث يتم تصفيته مباشرة ميدانياً إما إعدام شنقاً أو بالرصاص.

وبعد سنة وثمانية أشهر في صيدنايا، تم سوقنا إلى القضاء العسكري في القابون وعرضنا على القاضي، هذا بعد حفلات من التعذيب الجماعي، ليبت القاضي في أمري مصدراً حكماً ميدانياً لا أعرفه.

في (البالونة) بحمص المعتقل يتحول إلى طبيب

وبعد أن أصدر القاضي العسكري حكمه، تم اقتيادنا إلى سجن حمص العسكري فسجن (البالونة) إلى الملحق التابع لصيدنايا، في البالونة الوضع كان أفضل بكثير من صيدنايا، حيث الزيارات مسموحة ومن لديه المال بإمكانه أن يعيش ويستطب، وحين وصولي إلى البالونة اجتاحني المرض لمدة 52 يوماً، وبفضل الله ثم السجناء الذين كانوا معي تعافيت تدريجيا، وعملت في البالونة على تقديم العلاج ومساعدة الجميع من الناحية الطبية، طبعاً المهاجع الثلاثة الملحقة في البالونة كلها تحت الأرض، وخلال تواجدي في البالونة أخرجونا من المهاجع مرة واحدة لمدة ساعة تنفيسة رأينا ضوء الشمس خلالها.

الحياة الجديدة وإخلاء السبيل

وفي 9 آذار 2016 بصمت على إخلاء السبيل، قضيت في البالونة سنة وثمانية أشهر أيضاً، وفي يوم 13 نيسان 2016 فتحوا لي باب السجن ورموني في الشارع وحيداً أمام السجن، ولا شيء معي سوى الهوية الشخصية والأمل الذي لم يفارقني منذ لحظة الاعتقال، لأعود إلى الحياة مجدداً بهمة وعزيمة أقوى من أي مستبد وسجان، وأسأل الله أن أتعافى عما قريب وأعود لمزاولة مهنتي في خدمة الناس والمرضى والجرحى والمصابين بكل إخلاص وإنسانية كما عرفوني من قبل، سأبقى الإنسان الذي تحبون، والحرية لكل معتقلي الثورة والرأي والضمير.

أخبار سوريا ميكرو سيريا