بعد استدعاء السفير.. العلاقة الأردنية الإيرانية جزْر بلا مد

19 أبريل، 2016

عصف بالعلاقات الأردنية الإيرانية، الاثنين، 18 أبريل/نيسان، تصعيد يهدد مستقبل العلاقة بين البلدين، وذلك باستدعاء عمّان لسفيرها من طهران “للتشاور”، وتشير تصريحات نسبت للمتحدث باسم الحكومة، إلى نيّة أردنية بالاستغناء عن العلاقة مع إيران، مقابل التماشي مع النفس العربي والخليجي في رفض التدخلات الإيرانية في المنطقة.

فقد أعلن وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني أن: “التدخلات الإيرانية تؤدي إلى خلق الأزمات، وتعميق عدم الاستقرار”.

تصعيد اللهجة الدبلوماسية الأردنية ضد طهران جاء بعد أسبوع من زيارة ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى عمّان، جدد من خلالها رفض بلاده والأردن لسياسة تدخل إيران في المنطقة، وتأكيد أن هذا التدخل يشعل الفتن الطائفية، وينمي الإرهاب، بحسب بيان مشترك في ختام الزيارة.

وفي إشارة إلى البعد الخليجي في الموقف الأردني، شدد المومني على أن إيران، في الفترة التي أعقبت التوقيع على الاتفاق النووي، شهدت مواقف من قبل حكومتها “لا تنسجم مع آمالنا الأوسع تلك، حيث صدر عنها، أو عن مسؤولين فيها، خلال هذه الفترة، جملة من الأفعال والأقوال التي تشكل تدخلات مرفوضة من قبلنا في الشؤون الداخلية لدول عربية شقيقة، وعلى الأخص دول الخليج العربي”.

التحالفات العربية تحتضن الأردن، وتضيق على طهران

بعد إعلان السعودية قيادتها تحالفاً عربياً بمشاركة أردنية محدودة، ضد مليشيا الحوثيين في اليمن، الذين يُتهمون بتلقي دعم من إيران، رجح عدد من المحللين السياسيين عودة العلاقات الأردنية الإيرانية إلى سابق عهدها من التأرجح والدبلوماسية الحذرة.

واعتبر مراقبون أن مشاركة الأردن في الحرب ضد مليشيا الحوثي في اليمن لا تقوم على أساس طائفي، وإنما فرصة أكبر لتوسيع نفوذه وتأثيره؛ باعتباره شريكاً رئيساً في القضايا المشتعلة في المنطقة.

تلا ذلك وجود الأردن كعنصر أساسي في التحالف العسكري الإسلامي الذي غُيّبت عنه إيران، وحمل في طياته حصناً للخليج يتحرك ضد أي اعتداء، فيما لا تبدو المنطقة على حافة وقوع أزمة إلا مع الطرف الإيراني.

ثم جاءت الأزمة بين السعودية (جارة الأردن الملاصقة) وإيران، لتدخل الأردن في دائرة الشكوك الإيرانية، بعد أن أدانت عمّان “الاعتداءات السافرة” التي طالت سفارة السعودية في طهران، وقنصليتها العامة في مشهد، وعبرت للحكومة الإيرانية عبر سفير إيران لديها، خلال استدعائه لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين حينها، عن احتجاجها وإدانتنا الشديدة لتلك الاعتداءات، وطالبتها “بالتوقف الكامل عن التدخل في الشؤون العربية، واحترام سيادة الدول، وبالاستجابة للمسعى العربي بإقامة علاقات متوازنة ومتينة معها، ترتكز إلى مبادئ العلاقات الدولية والقانون الدولي ذات الصِّلة”، وهو ما أكده المتحدث باسم الحكومة، الاثنين.

كما كان الأردن أحد المصوتين في الجامعة العربية على اعتبار حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، منظمة إرهابية.

ومؤخراً.. كان الأردن من بين الموقعين على البيان الختامي للقمة الإسلامية التي تضمنت عدة بنود، أبرزها الدعوة للتكاتف من أجل مواجهة الإرهاب، وضرورة “أن تكون علاقات التعاون بين الدول الإسلامية وإيران علاقات مبنية على حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”.

تسلسل تاريخي متذبذب من العلاقة

تاريخياً شهدت العلاقات الأردنية الإيرانية قطيعة استمرت قرابة عقدين من الزمان، بعد دعم الأردن للعراق في حربه ضد إيران في ثمانينات القرن الماضي، إضافة إلى تأييد الأردن لأبوظبي في أزمة الجزر الثلاث: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، المتنازع عليها بين الإمارات العربية المتحدة وإيران، والتي تدّعي إيران ملكيتها لها.

وجاءت الانفراجة حين زار العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، طهران آخر مرة عام 2003، والتقى مسؤولين إيرانيين في عدد من المحافل الدولية بعد ذلك، قبل قطيعة أخرى عام 2004.

وفي منتصف سبتمبر/أيلول 2014 عين الأردن وزير الإعلام الأسبق، عبد الله أبو رمان، سفيراً له لدى طهران، بعد أن وصل السفير الإيراني، مجتبى فردوسي بور، إلى الأردن في الثاني من أغسطس/آب من نفس العام؛ للعمل سفيراً لبلاده في عمان، لينهي الجانبان بذلك القطيعة الدبلوماسية التي بدأت عام 2004، بعد تحذيرات للعاهل الأردني خلال حديثه مع إحدى الصحف الأمريكية من خطر تشكل “الهلال الشيعي”.

مارس/آذار 2014 شهد نوعاً آخر من التصعيد، حين وجه نواب أردنيون انتقادات حادة لإيران وسياستها في المنطقة، على خلفية التصريحات المنسوبة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، التي قال فيها: “إن إيران أضافت الأردن لقائمة الدول التي تتحكم فيها، وإن الأردن تتوفر فيه إمكانية اندلاع ثورة إسلامية تستطيع إيران أن تتحكم فيها”.

وفي الوقت ذاته تناقلت وسائل إعلامية وجود مضايقات أردنية لزوار إيرانيين لمراقد شيعية في الأردن، فيما نفت السلطات الرسمية ذلك في أكثر من مناسبة.

“التهديد الإرهابي” بالذخائر والأسلحة هدد بنسف علاقة البلدين في يوليو/تموز الماضي، حين أحبط الأمن الأردني مخطط تفجير بـ 45 كغ من مادة الـ (RDX) شديدة الانفجار كانت مخبأة في منطقة ثغرة عصفور، شمالي المملكة.

ولم يكن المتهم العراقي، خالد كاظم جاسم الربيعي، النرويجي الجنسية، منتمياً لتنظيم “الدولة”، أو غيرها من التنظيمات المتشددة، التي طالما واجهها الأردن في السنوات الماضية، بل ثبت – حسبما نشرت صحف أردنية – أنه مجند من المخابرات الإيرانية، وعمل في محطات التنصت التابعة للحرس الثوري الإيراني؛ بهدف التنصت على الوحدات العسكرية العراقية، لكونه يجيد اللغتين العربية والفارسية.

تم تكليف المتهم بالتوجه إلى الأردن؛ لمعرفة كيفية إجراءات التنقل بين المحافظات، وتحديد مواقع الأحراش والغابات، فأقام فيها بعد وصوله مدة تزيد عن الشهر، زار خلالها مختلف المناطق في الأردن، مستخدماً السيارات السياحية، وباصات الأجرة، وكلف إيرانياً بتشكيل ثكنات إيرانية، وخلايا نائمة في البلاد، من شأنها تفجير الوضع في أي وقت قد تختاره إيران، بحسب ما نشرته صحيفة “الرأي” الأردنية الرسمية آنذاك.

ويبدو أن الأردن، ومن خلال شكوك مستمرة لديه بوجود نوايا إيرانية تزعزع أمنه بتدخلات كالتي تقوم بها في بلدان خليجية، سيحوّلها لإجراء ملموس لا يبقي لإيران سبيلاً في تقوية علاقاتها العربية مع بلدان الجوار الخليجي، وبالأخص جيران السعودية، التي يتميز العراق من بينها بأنه محمية إيرانية جاهزة للقيام بأي ضغط ترغب به إيران.

أضف إلى ذلك الانفتاح الاقتصادي الذي ترنو إليه طهران بعد توقيعها للاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، باتفاقيات وحرية تجارية مع جميع بلدان المنطقة، وأبرزها الأردن، وهو ما أغلقته الرياض أيضاً بتوقيع اتفاق على تأسيس صندوق استثماري مشترك مع الأردن، يغني عمّان عن أي تطلعات للتجارة مع طهران.